أكد محللون في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الأربعاء، أن صفقة الأسلحة الأميركية – الإماراتية ما زالت على الطاولة، رغم نفي رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لوجود صفقة كهذه في اتفاق التحالف وتطبيع العلاقات مع الإمارات، فيما أكد مسؤول إماراتي لصحيفة إسرائيلية أن نتنياهو يعلم بوجود صفقة كهذه.
وتعرض نتنياهو لانتقادات شديدة، أمس، بعد تقرير نشره المحلل السياسي في "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، وكشف فيه عن صفقة الأسلحة الأميركية – الإماراتية، التي يشملها الاتفاق الإسرائيلي – الإماراتي، ما دفع نتنياهو إلى إصدار بيان ادعى فيه أن "الاتفاق لا يشمل أي صفقة أسلحة"، والادعاء لاحقا أيضا أنه لم يوافق على أن تبيع الولايات المتحدة طائرات حربية من طراز إف35، الأكثر تطورا في العالم، للإمارات.
وتشمل الصفقة الجاري الحديث عنها، حسبما ذكر برنياع، اليوم، 24 طائرة إف35، طائرات بدون طيار هجومية ومتطورة جدا من طرازي "غارديان" و"بلاك جاك"، إلى جانب رزمة كبيرة جدا من المنظومات العسكرية المتطورة، ويصل حجم هذه الصفقة إلى عشرات مليارات الدولارات.
ويوحي حجم هذه الصفقة ونوعيتها وكأن الإمارات تستعد لحرب. وحسب برنياع، فإن ثلاثة أسباب يمكن أن تلجم تنفيذ هذه الصفقة: تعهد أميركي بالحفاظ على تفوق عسكري نوعي لإسرائيل؛ النشاط التجسسي الإيراني والصيني في الإمارات؛ والمجزرة بحق مدنيين غير ضالعين بالقتال من جراء قصف طيران الإمارات والسعودية في حرب اليمن.
يشار إلى أن التعهد الأميركي لإسرائيل بعدم بيع أسلحة وطائرات متطورة لدول في الشرق الأوسط، جاء في أعقاب حرب تشرين أول/أكتوبر عام 1973. وفي العام 2017، أرسى الكونغرس هذا التعهد بقانون، يلزم الولايات المتحدة بالحصول على موافقة إسرائيل من أجل بيع أسلحة كهذه. ولذلك، فرض الكونغرس حظر بيع أسلحة من هذا القبيل للسعودية، في السنوات الأخيرة. وأيد هذا الحظر جميع الديمقراطيين وقسم من الجمهوريين. وحاول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الوقوف ضد هذا الحظر لكنه لم ينجح في ذلك.
وكتب برنياع أن "جاريد كوشنر، صهر ومستشار ترامب، والمقرب جدا من حكام السعودية والإمارات، بعد أن أدرك أن لا يوجد احتمال لخطة السلام ("صفقة القرن") التي بلورها أن تتحقق قريبا، تبنى خطة بديلة، تقضي بأن تحصل إسرائيل على تطبيع مع دولة عربية ثالثة (إضافة لمصر والأردن)؛ الإمارات تحصل على إنجاز هام في الحلبة العربية، بإلغاء الضم؛ وأن يحصل ترامب على اتفاق سياسي واحد يكون بإمكانه التباهي به وإدخال مليارات إلى صناعات الأسلحة. ولا يستبعد أن تكون الإمارات هي المبادرة لهذه الخطة. وثمة تفصيل واحد يختبئ في هذه الرزمة، وهو المصادقة على صفقة الأسلحة".
وأضاف أن المنطق الذي استخدمه الإماراتيون هو أنه "إذا كان الفيتو الإسرائيلي يمنع تنفيذ الصفقة، فإن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ينبغي أن يمنحها الشرعية". ولفت برنياع إلى أنه في حال قرر ترامب المصادقة على الصفقة مع الإمارات، فإن نتنياهو لا يمكنه المعارضة. ورأى برنياع أن نتنياهو كان يكذب عندما صرح في وسائل إعلام إسرائيلية أنه سينفذ الضم ولن يوافق على صفقة الأسلحة الأميركية – الإماراتية. "هذا كذب بالطبع. كذب يصدقه نتنياهو وحده فقط".
ونقلت الصحيفة، التي أوفدت مراسلا إلى الإمارات، عن مسؤول إماراتي رفيع المستوى قوله إنه في إطار اتفاق التحالف وتطبيع العلاقات توجد صفقة أسلحة بحجم عشرات مليارات الدولارات، وأن طائرة الشبح إف35 هي جزء منها بكل وضوح. وأضاف المسؤول الإماراتي أن الأطراف الثلاثة – الإسرائيليين والأميركيين والإماراتيين – اتفقوا على تحسين القدرات العسكرية والترسانة الإماراتية، كجزء من الاتفاق بين إسرائيل والإمارات.
وأضافت الصحيفة أن "المسؤول الإماراتي قال بشكل قاطع إن نتنياهو يعلم بذلك ومنح موافقته طوال المفاوضات التي لم تجر في قناة بين الإماراتيين والأميركيين".
الإماراتيون يتوقعون مصادقة إسرائيلية
أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أيضا إلى أن إدارتي باراك أوباما وترامب لم تصادقا على بيع الإمارات والسعودية طائرات إف35 وطائرات هجومية متطورة بدون طيار، وذلك بسبب معارضة إسرائيل، وطرحها ضباط كبار، بينهم قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، أمير إيشل، الذي يتولى اليوم منصب مدير عام وزارة الأمن، والجنرال المتقاعد عاموس غلعاد، الذي تولى في الماضي منصب رئيس الدائرة السياسية – الأمنية في وزارة الأمن.
وأضاف هرئيل أن القانون الذي صادق عليه الكونغرس الأميركي مرتين، في العامين 2008 و2017، ويحظر بيع أسلحة لدول عربية من دون موافقة إسرائيل، ينص على أنه يتعين على الرئيس الأميركي التشاور مع الإسرائيليين قبل المصادقة على صفقة أسلحة تؤثر على التفوق النوعي الإسرائيلي. والقانون لا يطلب مصادقة خطية من إسرائيل. "وبكلمات أخرى، ورغم ما قاله نتنياهو أمس، فإنه من الجائز أن تقرر الإدارة الأميركية بيع الطائرات لاعتباراتها الخاصة في المستقبل، وفي المقابل ستقول الحكومة الإسرائيلية: حاولنا إقناع الأميركية، ولم ننجح".
ونقلت القناة العامة الإسرائيلية "كان"، اليوم، عن دبلوماسي مطلع على الاتصالات الإسرائيلية – الإماراتية قوله إن التوقعات في الإمارات ألا تعارض إسرائيل أو تحاول منع صفقات أسلحة أو أي صفقة أخرى بين الإمارات والولايات المتحدة.
وأضاف الدبلوماسي أنه لا يوجد بند في اتفاق التحالف وتطبيع العلاقات حول بيع أسلحة، لكن الإدراك هو أن إسرائيل "عبرت عن استعداد بألا تحاول لجم الصفقة"، وأنه "في الإمارات يؤمنون بأن التهديدات على الإمارات وإسرائيل متشابهة، ولذلك فإن تحسين قدرات الجيش الإماراتي هي مصلحة لإسرائيل والمنطقة".
صفقات أسلحة سابقة
من جانبه، أشار المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، إلى أن الإمارات اشترطت تحسين علاقاتها مع إسرائيل بصفقة أسلحة مرتين على الأقل خلال السنوات العشرين الماضية.
وكانت المرة الأولى في العام 2010، في أعقاب اغتيال إسرائيل للقيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، في دبي. وحدث توتر بين الدولتين وجرت اتصالات من أجل تحسين العلاقات، طالبت الإمارات إسرائيل من خلالها ببيعها طائرات هجومية بدون طيار من صنع إسرائيلي. وفي حينه، الولايات المتحدة هي التي عارضت صفقة كهذه بعدما عارضت بيع الإمارات طائرات مشابها أميركية. لكن إسرائيل سعت إلى تعويض الإمارات من خلال تطوير برنامج إلكتروني لمنظومة تسيير الطائرات بدون طيار وبحيث تمنعها من العمل خارج حدود الإمارات. إلا أن الأميركيين وضعوا فيتو على صفقة كهذه.
وفي حينه، كانت شركات إسرائيلية تعمل في الإمارات في مجال حماية منشآت الطاقة، وكانت هذه الشركات ضالعة في بناء بنية تحتية واسعة لـ"مدينة ذكية" وتسمح بتعقب المواصلات و"أعداء النظام". وكانت هذه المنظومات، التي تسمى "عين الصقر"، ضالعة في التجسس على المواطنين هناك.
وطلبت مندوبو الإمارات حينذاك، وفي إطار مشروع "الدفاع عن الوطن" في دبي، أن تبني إسرائيل لهم خط إنتاج طائرات بدون طيار لغرض المراقبة والتجسس.
وأضاف فيشمان أنه في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبعد توقيع اتفاق أوسلو، سعت الإمارات إلى شراء طائرات مقاتلة من طراز إف16، التي كانت الأكثر تطورا حينذاك. "واستغلت إسرائيل توجه الإمارات، بواسطة الأميركيين، لإسرائيل كي تزيل معارضتها لصفقة الطائرات. وكان الهدف من ذلك إلزام الإماراتيين بلقاء مندوبي إسرائيل وجها لوجه في واشنطن. وهكذا بدأت الاتصالات الأمنية بين إسرائيل والإمارات".
وفي أعقاب هذه الاتصالات، وفقا لفيشمان، أزال رئيس الحكومة الإسرائيلية في حينه، بتسحاق رابين، معارضة بيع الطائرات للإمارات. وقد باعت الولايات المتحدة للإمارات ليس فقط طائرات إف16، وإنما منظومات تم تطويرها لصالح الطائرات الإسرائيلية أيضا، وذلك بموافقة إسرائيلية كاملة. وفي المقابل، طلبت إسرائيل من الأميركيين أن يبيعونها منظومات أسلحة متطورة كانت ترفض الولايات المتحدة بيعها لإسرائيل في حينه.
وتابع فيشمان أنه عندما باعت الولايات المتحدة طائرات إف15 وطائرات تجسس للسعودية، ووصفت إسرائيل هذه الصفقة أنها تشكل "تهديدا وجوديا" عليها، تم تعويض إسرائيل بأن حصلت من الأميركيين على "سلاح سري".