"فك ارتباط" أم "انسحاب"، اختلفت المصطلحات لكن الواقع واحد وهو خروج القوات الإسرائيلية والمستوطنات من قطاع غزة، فيما يوصف بأنه واحد من أكثر الخطط التي أثارت الجدل بين مؤيد ومعارض في العالم العربي والعالم.
ويتوافق يوم 15 أغسطس/آب لعام 2005، مع الذكرى الـ15 للخطة التي بدأت فيها إسرائيل بتطبيق خطة انسحابها من قطاع غزة، وأخلت فيها مستوطنات ومعسكرات تابعة للجيش الإسرائيلي بالإضافة إلى 4 مستوطنات أخرى في الضفة الغربية.
بدأت القصة، بحسب ما ذكرها جلعاد شارون، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل آرييل شارون، في كتابه "شارون: حياة زعيم" أن الفكرة كلها نبتت بذرتها في عام 2003، والتي تحولت فيما إلى ما يطلق عليه "خطة فك الارتباط أحادية الجانب".
ورغم تحذير الفلسطينيين من أن تلك الخطة كان هدفها تدمير عملية السلام، حيث قصرت الانسحاب على قطاع غزة، الذي يشكل صداعا أمنيا لإسرائيل، إلا أنهم رحبوا في النهاية بهذا الانسحاب.
ولكن بداخل قرارات الانسحاب أو "فك الارتباط" تلك هناك كواليس عديدة وروايات أخرى منسية سواء أكانت سياسية أو إنسانية.
سر الانسحاب
لكن ماذا عن سر انسحاب شارون من قطاع غزة، فهو مكان وصف بـ"الصداع الأمني" البالغ، خاصة وأن وجود وتأمينه كان يمثل مشكلة للإسرائيليين، لأنه يقطن فيه حوال 2 مليون نسمة في مساحة من الأرض قليلة جدا ما يجعل عملية تأمينها بالكامل شبه مستحيلة.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية قناة "كان" العبرية، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة عشر للانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، أن سبب هزيمة شارون وانسحابه من القطاع، هو عملية "نتساريم" التي قتل فيها 3 جنود إسرائيليين، واعتبرتها القناة "القشة التي قصمت ظهر البعير".
وأفادت القناة العبرية بأن الجنرال آفي ديختر، رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، خلال فترة شارون، قد أعلن، فجأة، عن انسحاب بلاده من قطاع غزة، في جلسة خاصة أو مغلقة بمركز هرتزليا متعدد الأغراض.
وأشارت القناة إلى أنه كانت هناك معارضة واسعة لقرار شارون بالانسحاب من قطاع غزة، خاصة من قائد أركان الجيش، آنذاك، الجنرال موشيه بوغي يعالون.
وعن ذلك، قال مشير المصري، القيادي في حركة حماس، وعضو البرلمان الفلسطيني الحالي، والذي كان يشغل منصب الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقت الانسحاب الإسرائيلي من القطاع في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك" إنه بخلاف ما تروجه إسرائيل، فالمقاومة هي من أجبرت تل أبيب على الانسحاب من قطاع غزة.
وقال المصري: "حاول الاحتلال أن يسوق بأن انسحابه من قطاع غزة قبل 15 عامًا جاء في إطار حسابات داخلية، ضمن حسن النوايا، وإعادة التموضع، لكن كل ما يثار لا قيمة له أمام قراءة المشهد الميداني وقتها، فلو كان العدو يشعر بارتياح لم يكن ليفكر في الانسحاب، فالمستوطنات الإسرائيلية لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت منذ احتلال قطاع غزة في عام 1967، ولم يفكر الاحتلال أو تتحدث أي من قاداته في أي مرحلة من المراحل عن الانسحاب، ما يعني أنه دفع ثمنا كبيرا جراء بقاء هذه المستوطنات، وأدرك أن الانسحاب أقل ضررا من البقاء".
وتابع الناطق باسم حماس وقت الانسحاب: "قوى المقاومة هي التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من قطاع غزة، وليس حسن نوايا لدى المحتل، أو نتيجة لأي تفاهمات أو ضغوط دولية وعربية، فكان هناك وحدة موقف للمقاومة الفلسطينية داخل القطاع، وهو ما تجلى اليوم في غرفة العمليات المشتركة، حيث كانت المقاومة تتنافس فيما بينها على مواجهة الاحتلال، وجعله يدفع ثمن مستوطناته وتصرفاته في القطاع".
وأكمل بقوله "كان هناك إبداع من المقاومة الفلسطينية سواء من خلال توجيه ضربات نوعية لجنود الاحتلال على الحواجز التي كان يضعها على الشوارع الرئيسية للحيلولة دون تنقل المواطنين بين المحافظات وداخل القطاع، حيث حدث الكثير من الاشتباكات المسلحة، أو عبر مفاجأت الجنود بسيارات مفخخة، أو الاقتحامات المتكررة للمستوطنات عبر التسلل خلف خطوط العدو".
أما عن أدوات المقاومة التي سرعت من الانسحاب الإسرائيلي فقال المصري: "المقاومة أبدعت في إنشاء عدة أنفاق سميت وقتها أنفاق الجحيم، مكث فيها المقاومون شهورا طويلة يحفروها بين الأراضي الفلسطينية ومستوطنات الاحتلال، وتم تفجير خلالها الكثير من المواقع العسكرية الأشد تحصنًا، فضلا عن استخدام قذائف الهاون، وكل ذلك دفع المستوطنين إلى الفرار لداخل الكيان، خوفًا من بطش المقاومة، لاشك أن أدوات المقاومة كانت متنوعة، وكان هناك إبداع في التكتيكات المستخدمة وأساليب مقاومة الاحتلال".
كما قال أيضا محمد الأسطل، المزارع الستيني الذي كان يقطن في جنوب شرقي دير البلح، والتي كانت مستوطنة إسرائيلية تعرف باسم "غوش قطيف" لـ"سبوتنيك": "إسرائيل قررت الخروج من غزة، لأن المقاومة كانت قوية للغاية، ولم ينجح شارون في السيطرة على غزة".
كما قال سليم أبو عمرو، شاهد عيان لفترة الانسحاب، والذي يبلغ حاليا من العمر 80 عاما، وكان يعمل صحفيا وقت الانسحاب، إن المقاومة كانت هي العامل الحاسم في الانسحاب الإسرائيلي.
وتابع أبو عمرو: "كانت المقاومة تقوم بواجبها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكان المقاومون يحاولون في كل مرة فتح هذه المحاور بين المحافظات والطرق لتسهيل حركة المواطن، بينما كان الاحتلال يواصل إغلاق هذه المحاور، وأمام اشتداد المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال وباتت ملحوظة جدا ومؤثرة، ولم يجد الاحتلال في عهد شارون مفرًا من الخروج والهروب من قطاع غزة وترك المستوطنات لتصبح محررات بفعل المقاومة الشرسة والبطولية والوقفة الوطنية لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية في وحدة وطنية ومقاومة يشهد لها الجميع".
وعن القول بإن إسرائيل خرجت بإرادتها يقول أبو عمرو: "هذا افتراء وادعاء يدعو إلى السخرية والضحك، لم يكن في فكر الاحتلال يوما ما -ولن يكون- هذا التصور والتفكير، هذه أشياء يقولونها لمواطنيهم وجنودهم فقط لإظهار أنهم أصحاب القرار وخرجوا بإرادتهم، لكنهم خرجوا مندحرين من قطاع غزة منهزمين، بسبب المقاومة التي بدأت أن تشتد وتوقع في صفوفهم الخسائر، لدرجة أن بعض العمليات التي يقوم بها المقامون يتم خلالها الاستيلاء على سلاح جنود الاحتلال، لهذا هربوا فهم لم يخرجوا بمحض إرادتهم، لأن النظرة الإسرائيلية دائمة نظرة السيطرة والاحتلال والحصار الكامل كما يحدث الآن في قطاع غزة والضفة".
ووصف شاهد العيان الحياة التي كانت يعيشها المواطنين الفلسطينيين، بقوله: "الحياة كانت قاتمة لم يكن هناك معنى للحياة، لم يكن باستطاعة المواطنين التحرك في كل محافظات القطاع بكل حرية، كان الجنود الإسرائيليون يغلقون الممرات، خاصة معبر أبوهولي وكان يشكل إزعاجًا كبيرًا لحركة المواطنين، فلم يكن يتمتع الفلسطيني بحرية التنقل كما يشاء أو التصرف أو العمل، كثيرا من الأحيان كان الموظفون لا يستيطعون الوصول لأماكن عملهم بسبب الحواجز الإسرائيلية والإجراءات التي كانوا يقومون بها ضد حركة المواطنين".
القرار الصعب
لكن قرار شارون بالانسحاب من قطاع غزة، لم يكن بالقرار السهل، لأنه لأول مرة تتخذ إسرائيل قرارا بترك أراضي سيطر عليها جنودها من دون أي ضغوط أو مفاوضات.
وفجر هذا القرار أو الخطة صراعا داخليا كبيرا، سواء داخل المؤسسات الأمنية أو داخل الكنيست أو حتى في الشارع.
فجر القرار غضب عارم داخل المستوطنات الإسرائيلية، حتى أن شارون اضطر لإخلائها بالقوة القسرية باستخدام الجيش وتسببت في اشتباكات عارمة واضطر في النهاية رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل لدفع تعويضات باهظة للمستوطنين.
ويروي أفرايم هاليفي رئيس الموساد السابق وقتها، تفاصيل الصراع الدائر، والذي قرر الاستقالة من منصبه احتجاجا على قرار شارون.
وقال هاليفي: "لقد كان هذا الإجراء أحد أكبر الأخطاء في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي".
وتابع قائلا "هذا كان خطأ لأنه استند على اتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولم يتم بتنسيق مع الجانب العربي، ولم نحصل على شيء مقابل هذا القرار".
واستمر بقوله "أتذكر حينها ما قاله لي جيم أنجلتون، رئيس قسم مكافحة الاستخبارات في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه): لا ينبغي أن تنسى القاعدة رقم 1 في السياسة والعلاقات بين الدول، ألا تعطي شيئا مقابل لا شيء أبدا".
وتطرق رئيس الموساد السابق، إلى ما حدث بعد انسحاب إسرائيل، ووصفه بأن بمثابة تسليم قطاع غزة إلى "حماس"، ما زاد الخطر بصورة كبيرة على إسرائيل.
وأنهى هاليفي قوله: "أنا متأكد أن شارون لو كان عاش لوقتنا هذا كان سيندم على قراره بترك قطاع غزة".
أما في الكنيست، فكانت المعركة شرسة أيضا، وهو ما كشف عن كواليسها أيوب قرا، عضو الكنيست السابق عن حزب الليكود.
وكان قرا أحد أعضاء الكنيست الستة الذين صوتوا ضد خطة "فك الارتباط" التي قدمها شارون لهم.
وقال نائب الكنيست السابق في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك": "لقد صوتت ضد الخطة لأنها لا تتوافق بشكل جيد مع أجندتي اليمينية. فأيديولوجية الليكود وأيديولوجيتى ضد أي انسحاب من أي جزء من الأرض المقدسة".
وتابع قرا بقوله "كنت سأدعم خطة جيدة إذا رأيت واحدة. لكني كنت ضدها لأنني كنت أعرف أن حماس ستتولى زمام الأمور. لقد توقعت ذلك، لقد اعتقد الليكون أن الأمور ستتحسن في قطاع غزة، لكني أخبرتهم أن حماس ستتولى زمام الأمور وأنهم سيعززون قدراتهم العسكرية، وسوف يرسلون الصواريخ ويهددون بلداتنا. لم يستمعوا".
وتحدث عن الانسحاب الإسرائيلي قائلا "لقد كان درسًا جيدًا لإسرائيل. الآن يبدأ الناس في إدراك مدى سوء هذه الخطوة. الآن لن يقبل الليكود أبدا سيناريو مماثل في الضفة الغربية. كانوا ساذجين في ذلك الوقت".
أوقات قاتمة
كما كان قرار الانسحاب بمثابة أيام للسعادة والفرح في قطاع غزة والضفة الغربية، إلا أنها كانت بمثابة كابوس لعدد كبير من سكان المستوطنات الإسرائيلية.
ويروي أحد المستوطنين، يديديا حروش، الذي كان في مستوطنة عتزمونا التي تم إخلاؤها في 20 أغسطس/آب.
وقال حروش في تصريحات لـ"سبوتنيك": "كان عام 2005 عامًا صعبًا بالنسبة لنا. في ذلك الوقت، قام والداي بتجديد منزلنا الجديد. كنت في الصف العاشر. مراهق. ليس عصرًا سهلاً ولا سيما عندما يتم هدم منزلك. لم يساعد فك الارتباط في تخفيف الوضع أيضًا. كانت لدينا ثقة كاملة في الجيش، لقد قاموا بحمايتنا لسنوات وفجأة جاءت الشرطة والجيش الإسرائيلي وبدأوا بطردنا من منازلنا. كنت غاضبًا ومنزعجًا من الجميع".
وتابع المستوطن الإسرائيلي "كانت مستوطنتنا تقع جنوبي القطاع بجوار حدود رفح وخان يونس، ولم يكن من السهل العيش هناك".
وأوضح بقوله "لقد تعرضنا لهجمات إرهابية. صواريخ. وأذكر تسللًا عندما اقتحم إرهابي المدرسة الدينية الإعدادية لجيش أتزمونا، وهي برنامج ما بعد المدرسة الثانوية الذي يعد المجندين للخدمة العسكرية. كنت في الصف السابع. قتل الإرهابي العديد من الأشخاص وجرح أكثر من عشرين شخصًا. هذه الهجمات الإرهابية لم تجعل الأمر سهلاً ولكننا كنا على استعداد لدفع الثمن. لم تعطنا البلاد على طبق من الفضة. لدينا وطن. شعرنا أنه من خلال تواجدنا هناك أوقفنا الصواريخ من الوصول إلى بئر السبع ومدن أخرى. أنا الجدار الذي يمنع الصواريخ".
أما عن يوم الانسحاب فيقول يديديا حروش: " كان في 21 أغسطس. حدث ذلك في الصباح. بحلول الظهر جاؤوا. بعد شهر تم تسوية المستوطنة بأكملها بالأرض، ولم نبدأ في بناء منزلنا الجديد إل بعد 10 سنوات في مستوطنة شلوميت، ولم تعوضنا الحكومة بالصورة الكافية لأن الأسعار ارتفعت بنحو 50% تقريبا".
لكن في الناحية الأخرى، يروي أيضا محمد الأسطل، المزارع الفلسطيني الذي كان يعيش في مناطق متاخمة للمستوطنات، قصة أخرى مغايرة تماما.
ويقول الأسطل في تصريحات لـ"سبوتنيك": "كنا نعيش كما لو كنا سجناء، كانت حركتنا محدودة وكان من المفترض أن نحصل على إذن من الجيش الإسرائيلي للخروج من منطقتنا والعودة إليها. بالإضافة إلى ذلك ، لم يُسمح لنا بالوصول إلى مزارعنا لزراعتها".
وأضاف بقوله "تعرضنا لاعتداءات المستوطنين، خاصة في ظل التوتر بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي. كان كل شيء صعبًا وكنا رهائن المستوطنين".
أما عن شعور المزارع وقت إخلاء المستوطنات فقال الأسطل: "بالتأكيد، كنت سعيدًا جدًا بهذا الأمر لأنني سأستعيد حريتي في النهاية وأعيش بسلام دون مخاوف من اعتداءات المستوطنين. فكرت كيف سأزرع أرضي وأبني منزلي على غرار البناء الحديث. قبل ذلك الانسحاب كنت أعيش مع عائلتي في خيام صغيرة".
ولكنه عاد وقال: "لكن للأسف لم تتحسن أحوالنا بعد الانسحاب، لأن الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية ازداد، ومنذ ذلك الوقت أصبح قطاع غزة عرضة لعشرات العمليات من التصعيد العسكري. بالإضافة إلى ذلك، لم تنجح السلطة الفلسطينية في السيطرة على غزة، وسيطرة حماس على القطاع، ودمر الانقسام كل مناحي الحياة".
ماذا فعلت السلطة؟
ولكن كيف استقبلت السلطة الفلسطينية والتي كان يقودها وقت طرح الخطة الزعيم ياسر عرفات، ثم تولى بعد ذلك محمود عباس أبو مازن رئاسة السلطة الفلسطينية حتى وقت الانسحاب.
ويروي أسامة شعث، السياسي الفلسطيني البارز وأحد الناشطين في عناصر مقاومة فتح وقت انسحاب إسرائيل من قطاع غزة عام 2005.
وقال شعث في تصريحات خاصة لـ"سبوتنيك": "السلطة الفلسطينية كان لها دور كبير في عملية انسحاب إسرائيل وتحرير قطاع غزة".
وعن كواليس القرار قال شعث: "كان الرئيس أبومازن قد تولى السلطة الفلسطينية في يناير 2005، وما زال في طور ترتيب البيت الداخلي وتجديد وإصلاح وبناء المؤسسات الفلسطينية الأمنية والمدنية التي تصدعت وتضررت بسبب القصف والاجتياح والتدمير الإسرائيلي لأراضي فلسطين طيلة الانتفاضة الثانية في الفترة من 2000 إلى 2004".
وأردف بقوله "على المستوى السياسي حاولت السلطة الفلسطينية استثمار الانسحاب الإسرائيلي واعتباره جزءًا من خارطة الطريق، وجزءا من اتفاقيات السلام المرحلية وبالتالي يظل الباب مفتوحا للانسحاب مجددا من مساحات إضافية من الضفة، لكن شارون كان قد حسم أمره بالانسحاب من طرف واحد ودون أي تنسيق مع السلطة الفلسطينية، وهذا الأمر ترك آثارا سلبية على الساحة الفلسطينية".
وتطرق بالحديث عن آثار الانسحاب السلبية بقوله "السلطة الفلسطينية شكلت لجنة لترتيب الانسحاب وحاولت التنسيق بين الأجهزة الأمنية مع الفصائل وأجنحتها العسكرية، لكن ذلك لم يكن كما رغبت، حيث ترقبنا موعد الانسحاب لحظة بلحظة وكنا نتوقع الانسحاب يوم 15 سبتمبر لكن شارون سحب قواته يوم 12 سبتمبر وتم إخلاء المستوطنات كليا من كل شيء وبعدها بيوم انسحبت القوات العسكرية وخرجت من الثكنات العسكرية عبر 4 ممرات وخطوط أمنية عرضية على امتداد قطاع غزة باتجاه الحدود الشرقية".
كما روى أيضا الدكتور فايز أبو عيطة، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وكان يشغل منصب رئيس بلدية في السلطة الوطنية الفلسطينية وقت الانسحاب الإسرائيلي من غزة.
وقال أبو عيطة لـ"سبوتنيك": "السلطة سعت أن يكون الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة بالتنسيق معها، لكن الحكومة الإسرائيلية التي يرأسها شارون قررت الانسحاب بشكل أحادي وفردي، بعيدًا عن التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا كان له بالتأكيد الكثير من التداعيات والأسباب".
وتابع رئيس بلدية في السلطة الوطنية الفلسطينية وقت الانسحاب الإسرائيلي من غزة: "أرادت إسرائيل الانسحاب من قطاع غزة بدون أي تنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية من أجل خلق انقسام فلسطيني- فلسطيني، وعدم إعطاء السلطة الوطنية الفلسطينية القدرة على ترتيب أمورها، والسيطرة على الأراضي والمستوطنات التي ستنسحب منها إسرائيل، وإدارتها بالشكل المناسب، وأثبتت الأحداث فيما بعد أن شارون كان يخطط للانسحاب بهذا الشكل، والهدف منه خلق شرخ وانقسام بين أفراد الشعب الفلسطيني".
وأكمل السياسي الفلسطيني "تم الانسحاب الإسرائيلي في ظل الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، الوقت الذي ناضل فيه الشعب الفلسطيني بكل طوائفه على رأسها حركة فتح، وأعضاء الأجهزة الفنية التابعة للسلطة كانوا في حالة اشتباك مع الاحتلال والمستوطنات والحدود التي يتواجد عليها قوات إسرئيلية، كانت السلطة لها أدوار كبيرة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، والسلطة هي أكثر من دفع الثمن".
ما بعد الانسحاب
كانت ترغب إسرائيل من انسحابها بإنهاء "صداع أمني" بالغ يأتيها من قطاع غزة، بعد تزايد العمليات الاستشهادية ومقتل جنود إسرائيليين كثر وقصف مناطق إسرائيلية كبيرة.
حتى أن حماس أحرجت الحكومة الإسرائيلي بعد عام واحد فقط من الانسحاب من القطاع باختطاف الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط، والذي ظل مأسورا لنحو 5 سنوات، ولم يخرج إلا بصفقة تبادل أسرى كبرى.
كما تحول قطاع غزة، وفقا لما نشره المركز الفلسطيني للإعلام، إلى معمل متفجرات كبير، وتم تشكيل جيش حقيقي، بما فيه ذراع جوي وآخر بحري وثالث بري، ومدينة أنفاق تحت الأرض، ومنظومة صاروخية يُتحكم فيها عن بُعد، لا يمكن لقبة حديدية ثمينة تحييدها.
وكانت فلسطين تأمل بعد الانسحاب أن يكون تحرير قطاع غزة "نقطة انطلاق" لتأسيس دولة فلسطين وإرساء قواعد الدولة بصورة كبيرة.
لكن كل تلك الآمال ذهبت أدراج الرياح، فغزة تحولت إلى مصدر للتوتر، وشنت إسرائيل أكثر من عملية عسكرية على القطاع لمنع الهجمات الصاروخية التي وصلت إلى مدن في قلب إسرائيل واقترب بعضها من تل أبيب.
ومن الناحية الأخرى، الانسحاب الإسرائيلي الفوضوي من دون تنسيق مع الجانب الفلسطيني، ساعد في ترسيخ الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، خاصة بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي بالقطاع عقب الانسحاب، ومحاولته إبعاد كل المرتبطين بالسلطة الفلسطينية.
وعن ذلك يقول أيوب قرا، النائب السابق في الكنيست: "ساهم الانسحاب الفوضوي في تعزيز قدرات حماس العسكرية، وساعدهم في إرسال الصواريخ ويهددون بلداتنا".
وقال كذلك فايز أبو عيطة، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وكان يشغل منصب رئيس بلدية في السلطة الوطنية الفلسطينية وقت الانسحاب الإسرائيلي من غزة: "كان ممكن أن يغير الانسحاب الكثير، لو كان تم بتنسيق فلسطيني".
وتابع بقوله "الانقسام الفلسطيني وقع بعد الانسحاب مباشرة، وهذا للأسف الشديد كان عنوان المرحلة السابقة، وهو أمر صعب وفي غاية الصعوبة لأنه ترك أيضا أوضاعًا مأساوية عند الشعب الفلسطيني، وللأسف تم استبدال الاحتلال بالانقسام، وله أيضا تداعياته وانقساماته على القضية الفلسطينية".
كما تحدث أسامة شعث، السياسي الفلسطيني البارز لـ"سبوتنيك": "الحقيقة أن الفرحة الوطنية بالانسحاب، والتي بدأت السلطة استثمارها سياسيا واقتصاديا بهدف التنمية والبناء لم تكتمل، وخاصة بعدما بانت نوايا الاحتلال بخروجه من غزة وأحكام قبضته عليها وحصارها من الخارج، ثم جاءت الانتخابات التشريعية يناير 2006، والتي شاركت حماس فيها بعدما استثمرت الانسحاب من غزة وصورته كأنه بفعل عملياتها العسكرية".
وأردف بقوله "بالتالي أظهرت السلطة ومفاوضاتها وعملية السلام بأنها فشلت، وهكذا فازت حماس بالانتخابات التشريعية، استولت على السلطة بقواتها، والتي أدت إلى ما نحن فيه من انقسام جيوسياسي بعد 2007، لهذا تبدوا فكرة الانسحاب الإسرائيلي من الأراض المحتلة ضرورية من حيث المبدأ، لكنها تحولت من كابوس الاحتلال إلى كابوس الانقسام".
وأكمل السياسي الفلسطيني قائلا ""فعليا لم يتحقق شيئا على الأرض حيث يعاني المشروع الوطني الفلسطيني من علة الانقسام وأصبح تجسيد قيام الدولة على الأرض أمرا بعيد المنال بينما يواصل الاحتلال الضم والسرقة والمصادرة للأرض الفلسطينية في الضفة والقدس المحتلة".
وحتى حركة حماس التي توصف بأنها أحد أكبر المستفيدين من الانسحاب الإسرائيلي، قال إنه بعد الانسحاب ساءت الأوضاع بصورة كبيرة.
وقال مشير المصري، القيادي في حركة حماس، وعضو البرلمان الفلسطيني الحالي، والذي كان يشغل منصب الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقت الانسحاب الإسرائيلي من القطاع لـ"سبوتنيك": "الاحتلال الإسرائيلي انسحب من داخل القطاع، لكن بقى يحاصرنا على الحدود برا وبحرا وجوا، ويمارس إجرامه وعنجهيته ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ولا شك أن الحروب التي خاضها الاحتلال في أعوام 2008 و2009 و2012 و2014 دللت على مدى بشاعة ممارسات إسرائيل وارتكابها الكثير من المجازر".
ولكن قال الناطق باسم "حماس" حينها إن الانسحاب ساعد على "استطاعة المقاومة أن تشكل اليوم جبهة عسكرية قوية أحدثت توازنًا استراتيجيًا، أدخلت الرعب في قلب العدو الذي لم يعد مرتاحًا داخل القطاع".