قال الدكتور نبيل شعث، المستشار السابق للرئيس محمود عباس إن الكثير من الإخفاقات الفلسطينية في السنوات الأخيرة تعود إلى حالة الانقسام الوطني الفلسطيني بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة المحاصر.
وكان شعث تحدث، الإثنين، في ندوة عبر الإنترنت نظمها "معهد كارنغي للسلام الدولي" بمشاركة وزير خارجية إسرائيل السابق شلومو بن عامي، ومساعدة وزير الخارجية الأميركية بين عام 2009 و 2012 تمارا ويتيس (تعمل حالياً في معهد بروكينغز في واشنطن)، وآرون ميلر ، المفاوض الأميركي السابق (يعمل حاليا في معهد كارنغي) تحت عنوان " دولة واحدة أم دولتين: أين يذهب الفلسطينيون والإسرائيليون من هنا؟"، تناولت في حقيقتها مرور 20 عاماً على قمة "كامب ديفيد" بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون وأخفقت بالخروج بنتائج، بل على العكس أدى فشلها إلى مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي عبر سنوات ما يعرف بـ"الانتفاضة الثانية".
وقال شعث في معرض رده على سؤال وجهه له آروون ميلير الذي أدار الجلسة بخصوص "الغلطة الدبلوماسية الفلسطينية القاتلة" التي ارتكبها الفلسطينيون في السنوات الأخيرة، وأودت بالفلسطينيين إلى وضعهم الحالي الضعيف والمعزول: "لا شك أن الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني أضعف الفلسطينيين، ووضعهم في موقع محاصر، ومكّن إسرائيل من الاستفراد بهم، واستهدافهم في الضفة الغربية المحتلة، وفي قطاع غزة المحاصر".
وشرح شعث: "بعد أن تمكنت حماس من السيطرة على قطاع غزة – في عملية انقلاب حقيقة- أصبحت غزة منفصلة تماماً عن الضفة، ليس جغرافياً فقط، بل وسياسياً".
وأضاف: "الانقسام الفلسطيني الداخلي قوض من قدرات التحرك ألفلسطينيي على المستوىات المحلية والعربية والدولية في مواجهة محاولات إسرائيل القضاء على القضية الفلسطينية".
وأعرب شعث عن أمله في أن تسير مساعي المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" قدماً، كي يتمكن الفلسطينيون من مواجهة العدوان الإسرائيلي الممنهج ضد الفلسطينيين، وعملية الضم المحتملة، التي اعتبرها شعث المسمار الأخير في نعش حل الدولتين.
وحول آفاق حل الدولتين، قال شعث: "لقد تراجع احتمال حل الدولتين لدرجات متدنية جداً بسبب ما قامت وتقوم به إسرائيل لتغيير الواقع على الأرض وخلق حقائق جديدة كما يرى الجميع ، عبر استشراء الاستيطان ويد الاحتلال الذي يزداد ثقلا وقمعا، أصبح غير محتملة على الإطلاق، ولذلك، في الواقع أننا نقترب من دولة واحدة ـ وليس هناك خطأ في حل الدولة الواحدة"، مذكراً مستمعيه بأنه "لقد كنا منذ البداية نطالب بدولة ديمقراطية واحدة تقوم على العدل والمساواة ، ولكننا قبلنا بحل الدولتين إرضاءً للعالم ولإسرائيل، وبالطبع أثبت ذلك فشله".
بدوره، رد بن عامي على سؤال ميلير عن "الخطأ الإسرائيلي الدبلوماسي الكبير الذي أوصلنا إلى حيث نحن اليوم" بالقول :"الهوس الإسرائيلي بالاستيطان، وفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، بدلاً من مساعدة الفلسطينيين في مد جسور ثقة، وعلاقات مشاركة حقيقية، تجعل من الاتفاقات التي وقعها الطرفان مستدامة وثابتة".
كما وجه بن عامي لوماً مركزاً للفلسطينيين بسبب اندلاع الانتفاضة الثانية التي أبعدت الإسرائيليين عن مسيرة السلام وضربت الثقة باحتمال انتهاء العنف والمواجهات الدامية من وجهة نظره.
وحول مؤتمر كامب ديفيد قبل 20 عاماً، قال بن عامي: "كان الرئيس الراحل لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ياسر عرفات ، محقا في رفض اقتراح السلام الذي قدم في كامب ديفيد قبل 20 عاما هذا الشهر. ولكنه ارتكب خطأ فادحاً في رفض ما يسمى نقاط (الرئيس السابق) كلينتون، التي اقترحت بعد ستة أشهر من كامب ديفيد (بداية عام 2001)، ما أدى إلى دفن احتمال قيام الدولة الفلسطينية".
وشرح بن عامي أنه تحت ما يسمى بمعايير كلينتون، كان سيتم تفكيك مساحة كبيرة من المستوطنات الإسرائيلية، من أجل إنشاء دولة فلسطينية تشمل 100% من قطاع غزة و97% من الضفة الغربية، مع تبادل ألأراضي من إسرائيل، مقابل الأرض التي تنازل عنها الفلسطينيون في الضفة الغربية، مدعياً أن الدولة الفلسطينية كانت ستشمل الأجزاء العربية من القدس، التي ستكون عاصمتها، فيما ستصبح الأجزاء اليهودية من المدينة عاصمة لإسرائيل، وأن هذه التقسيمة كانت لعطي الفلسطينيين السيادة على الحرم الشريف (الذي يسميه اليهود جبل الهيكل)، على الرغم من أن الإسرائيليين سيحتفظون بالسيطرة على الحائط الغربي (حائط المبكى) والمنطقة المحيطة به.
وحذر بن عامي: "اليوم، بالكاد يسجل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أي وجود على جدول الأعمال الإقليمي، ناهيك عن الأجندة الدولية، خاصة في أعقاب طرح إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لخطة سلام خاصة بها (صفقة القرن)، التي تميل بشدة لمصلحة إسرائيل، دون أن يرد العالم"، وأن ذلك "سيقحم الصراع في أتون مواجهات عنيفة وساخنة في المستقبل القريب، وتجعل احتمالات أي حل أمراً صعباً".
وقال بن عامي: "بالنسبة لإسرائيل، ليس هناك فعلياً قوى سلام يمكن إيجادها بين قيادتها، بل على العكس، تخلت إسرائيل عن أي مظهر من مظاهر التعاطف مع المحنة الفلسطينية. وبدلاً من ذلك، وبتشجيع من تحالفه المارق مع ترامب، يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الآن، وبقوة أكبر من أي وقت مضى، إلى حلمه القومي المفرط بضم الأراضي الفلسطينية بشكل فعال، من خلال "تطبيق السيادة" من جانب واحد عليها".
وحذر بن عامي من أن الفلسطينيين سيبقون في هذه المناطق (الضفة الغربية المحتلة)، بما في ذلك ما يصل إلى 30% من الضفة الغربية التي ستضمها إسرائيل عديمي الجنسية أو، في أحسن الأحوال ، "غير محددين سياسياً".
وقال بن عامي: "إن حل الدولتين مات ودفن. ومهما كان "الحل" الذي يمكن العثور عليه في المستقبل فلن ينشأ من عملية سلام منظمة، ولكن من الفوضى، التي من المستحيل التنبؤ بطبيعتها الدقيقة. يمكن أن يكون ضماً من جانب واحد. قد يكون فك ارتباط إسرائيلياً عنيفاً مفاجئاً من أجزاء من الضفة الغربية. أو قد يكون نزاعاً مباشراً".