هل ستندلع الحرب مع إيران بشكل مفاجئ في تشرين الأول/أكتوبر؟ يجيب جونا شيب بـ “نيويورك ماغازين” بمقال أشار في بدايته لسلسلة التفجيرات والحرائق الغامضة التي شهدتها إيران في الأسابيع الأخيرة والتي ضربت المنشأة النووية في البلاد ومصنعا للصواريخ ومصانع للألمنيوم والكيماويات ومرفأ للسفن.
ومع أن بعض هذه ربما كانت حوادث إلا أن قسما منها قد يكون تخريبا قامت به إسرائيل، حيث تثير الاستفزازات هذه مخاوف من خروج النزاع في الشرق الأوسط عن السيطرة في وقت تتحول فيه إيران إلى موضوع في الحملة الرئاسية الأمريكية.
ومن خلال التسريبات الإعلامية ألمحت مصادر استخباراتية إسرائيلية إلى مسؤولية بلدهم عن بعض الهجمات. وبعد الانفجار الذي ضرب مفاعل ناتنز الذي أخر عمليات التخصيب لأشهر وربما سنوات نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن “مسؤول استخباراتي شرق أوسطي” قوله إن إسرائيل هي وراء الهجوم. وقال السياسي الإسرائيلي المتطرف أفيغدور ليبرمان إن مصدر “نيويورك تايمز” هو يوسي كوهين، مدير الموساد، مقترحا أن التسريب هو جزء من حملة يخوضها كوهين لكي يخلف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تلاحقه المشاكل في زعامة حزب الليكود. وفق ما اوردته صحيفة القدس العربي.
لكن كوهين ليس هو الوحيد الذي يقوم بالتسريب، فقد أخبر مسؤول دفاعي إسرائيلي “بزنس إنسايدر” أن “بعض هذه الأحداث هي جزء من عمليات إسرائيلية“. وقال: “لا أعرف أيا منها ولو عرفت فلن أخبرك على أي حال لأن النقطة هي الضغط على الإيرانيين لكي يعرفوا ما قمنا به”.
وقال مسؤول أوروبي أمني إن العمليات هي جزء من إستراتيجية أقصى ضغط ولعرقلة البرنامج النووي. وإسرائيل ليست الجهة الوحيدة التي تحاول نسبة العمليات لنفسها فهناك مجموعة مجهولة تطلق على نفسها “فهود الوطن” أرسلت رسالة إلكترونية إلى “بي بي سي” معلنة مسؤوليتها عن تفجير منشأة ناتنز. وزعمت أن العملية هي جزء من حملة تخريب ضد النظام الإسلامي. وتزعم الجماعة أنها مكونة من معارضين داخل المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية، مما يقترح أنهم على معرفة مسبقة بالهجوم.
ويرى الكاتب أن هذا الفعل كان لحرف النظر وزرع الشك حول الفاعل الحقيقي. ولكن الأمر ليس افتراضا، فقد قامت إسرائيل سابقا بهجمات مشتركة داخل إيران مع الجماعات المعادية للنظام مثل مجاهدي خلق. وفي تسريبات أخرى لنيويورك تايمز قارن “مسؤولون على اطلاع بالانفجار” تعقيد ناتنز بالهجوم عبر فيروس ستاكسنت، العملية الأمريكية- الإسرائيلية المشتركة ضد المشروع النووي الإيراني عام 2010. ولا يعرف إن كان الهجوم الأخير نتيجة تفجير حقيقي أم هجوما إلكترونيا حفز اشتعالا في إمدادات الغاز.
وتعد إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك القدرات الأمنية للقيام بهجوم بهذا التعقيد. ولا يوجد غموض حول السبب الذي يدعو إسرائيل لملاحقة عدوتها إيران، فهو معروف ونابع من ضعف الجمهورية الإسلامية نتيجة للحصار والعقوبات ومرض كوفيد-19 والسخط الشعبي على الظروف الاقتصادية. وأثارت التظاهرات الشعبية العام الماضي آمال الصقور في الولايات المتحدة أن حلمهم بتغيير النظام الإسلامي قد اقترب. ولم ينهار النظام لكن ضعفه بدا عندما فشل في شن هجوم أو عملية انتقامية ضد مقتل القائد المعروف في فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني بداية العام الحالي. ثم أثار غضب الإيرانيين عندما أسقط بالخطأ طائرة ركاب أوكرانية ثم كذب حول السبب. وعانت إيران أكثر من غيرها بالمنطقة من انتشار فيروس كورونا. وكانت الأعداد أكبر مما اعترفت به الحكومة. وأثارت تصريحات الرئيس حسن روحاني الدهشة عندما قال إن 25 مليونا من الإيرانيين أصيبوا بكورونا أو هناك 35 مليون نسمة يتعرضون لخطر الإصابة به. وهذه الأرقام تتفوق على الرقم الرسمي الإصابات وهي 271.606 إصابات ووفاة 14.000 شخص وهو عدد يبدو صغيرا ضمن تصريحات روحاني.
وفي يوم الأحد علقت إيران إعدام ثلاثة أشخاص من المتظاهرين في تشرين الثاني/نوفمبر بعد حملة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي طالبت بالإفراج عنهم. إلا أن التفجيرات لم تتوقف وسجلت في نهاية الأسبوع خمسة تفجيرات في مراكز صناعية.
وفي ظل هذا الوضع تجد حكومة نتنياهو الصقورية الفرصة لعرقلة الطموحات العسكرية والنووية الإيرانية في وقت تنتقد فيه الحكومة الإسرائيلية بأنها لم تقم بما يكفي للحد من النشاطات النووية الإيرانية. وتعرف حملة إسرائيل الحالية ضد إيران “الحملة بين الحروب”، وهي جهود تستهدف إيران ومنعها من مهاجمة إسرائيل من خلال الجماعات الوكيلة لها في سوريا ولبنان والعراق. وتهدف الأعمال الإسرائيلية التي تتجنب إشعال حرب لمنع إيران من بناء مواقع لها تستطيع من خلالها تهديد إسرائيل. وتوسعت الحملة خلال السنوات الماضية وبمباركة من دونالد ترامب الذي يشترك مع نتنياهو الاهتمام بتغيير النظام في إيران ولكنه لا يريد نشر القوات الأمريكية لتحقيق الهدف. وأطلقت إسرائيل على نهجها الجديد منذ 2018 “عقيدة الأخطبوط” التي تستهدف المستشارين والمسؤولين الذين يوجهون الجماعات الوكيلة، مثل سليماني، وليس استهداف الجماعات الوكيلة نفسها. ومن هنا فالتفكير المشترك بين نتنياهو وإدارة ترامب هو ما يدفع التوقيت الحالي لحملة التخريب. فالحكومة الإسرائيلية واعية باستطلاعات الرأي وتفهم أن ترامب قد لا ينتخب في تشرين الثاني/نوفمبر وسيخرج من البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير. ولن تواصل إدارة جوزيف بايدن سياسة أقصى ضغط التي تمارسها الإدارة الحالية ولن تقبل بأي عمليات سرية ضد إيران تقوم بها إسرائيل. ولا يعرف إن كانت واشنطن قد باركت هجمات الشهر الأخير ولكنها لم تشجبها. ويبدو أن إسرائيل تريد استغلال ما تبقى من وقت أمام ترامب ومواصلة عمليات التخريب والتسبب بأقصى ضرر على إيران. وهناك الخوف من خروج هذه العمليات عن السيطرة وجر إسرائيل إلى حرب تريد تجنبها. وتشير تقارير لم يتم التأكد منها إلى أن إيران تحضر لانتقام عسكري من إسرائيل والقوات الأمريكية وسط تهديدات من المسؤولين الإيرانيين بالرد على هجمات إسرائيل في سوريا. لكن إيران تجنبت الرد بعد مقتل سليماني وهي في وضع أضعف اليوم مما كانت عليه في كانون الثاني/يناير. ويرى بعض الخبراء نقل عنهم موقع “فوكس” أن إيران لن ترد على عمليات التخريب في ضوء ضعفها الحالي. لكن المسؤول الأمني الأوروبي الذي تحدث إلى “بزنس إنسايدر” قال إن الهدف هو استفزاز إيران للرد وتوسيع المواجهة العسكرية قبل أن تنتهي إدارة ترامب. وربما كان قرار التصعيد بيد نتنياهو لا إيران، فربما قدر أن مستقبله السياسي يرتبط بحرب. وربما توصل ترامب الذي كانت معالجته كارثية لفيروس كورونا إلى نفس النتيجة. وعلى أي حال فقادة إسرائيل يعتقدون أن المواجهة مع إيران هي مخاطرة يجب عليهم المضي بها طالما حصلوا على دعم الولايات المتحدة. ولو استمرت إسرائيل في عمليات التخريب للقدرات الإيرانية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة ففرص الحرب ستتزايد، سواء أرادت إسرائيل الحرب أو أنها تريد جر ترامب لها. هل نفعت الحرب هذه حظوظ ترامب الانتخابية؟ أمر مشكوك به؛ ذلك أن موضوع إيران يكتنفه الخلاف الحزبي الأمريكي وأن نتائج الانتخابات المقبلة ستقررها القضايا المحلية لا تلك المتعلقة بالسياسة الخارجية. ومهما كان الأمر، فأي تصعيد يزيد من حس الفوضى وحالة الطوارئ القومية بالولايات المتحدة لم يتم الترحيب بها في ظل انتخابات يعتقد أنها ستكون أكثر الانتخابات الرئاسية اختلالا. وبانتظار مفاجأة جديدة في شهر تشرين الأول/أكتوبر فلن نستطيع منع حرب مدمرة وجديدة في الشرق الأوسط.