عقدت المحكمة المركزية في مدينة القدس المحتلة اليوم الأحد، جلسة استماع أولية للنظر في ملفات فساد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ومن المتوقع أن يتم تحديد عدد الجلسات التي ستعقد كل أسبوع في هذه القضية.
وطلب الادعاء محاكمة عاجلة تعقد فيها أربعة جلسات كل أسبوع، بينما عارض طاقم الدفاع عن نتنياهو، وطلب بعقد جلستين، فيما تشير التقديرات إلى أن تذهب المحكمة لعقد ثلاث جلسات أسبوعية، وستحدد المواعيد لانعقاد جلسات الاستماع وبدء المحاكمة بشكل فعلي.
وستعقد الجلسة دون حضور المتهمين، وستقتصر على مشاركة وحضور طواقم الدفاع ومن ضمنهم طاقم الدفاع عن نتنياهو. وأهم قضايا الفساد التي يواجهها نتنياهو، القضية الأولى التي تسمى “الملف 1000″، ويتهم فيها بأنه تلقى أنواعا فاخرة من السيجار وزجاجات الشمبانيا ومجوهرات تتجاوز قيمتها 240 ألف دولار مقابل حصول من قدموها على امتيازات مالية شخصية.
وفي القضية الثانية، التي تسمى “الملف 2000″، يقول المحققون إن نتنياهو حاول التوصل إلى اتفاق مع الناشر أرنون موزيس مالك صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أكثر الصحف انتشارا في إسرائيل، للحصول على تغطية إيجابية له.
أما في القضية الثالثة هي “الملف 4000” وتعتبر الأخطر على نتنياهو، إذ يشتبه المحققون بأنه حاول الحصول على تغطية إيجابية في الموقع الإلكتروني “واللا”. في المقابل يشتبه بأنه أمّن امتيازات حكومية درت ملايين الدولارات على شاؤول إيلوفيتش رئيس مجموعة بيزيك للاتصالات وموقع “واللا” ويؤكد نتنياهو أنه لم يقبل سوى هدايا من أصدقاء بدون مقابل.
هجوم كاسح
في سياق متصل، قال رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود أولمرت، إن بنيامين نتنياهو يفهم قبل الجميع أن الجمهور الإسرائيلي لم يعد معه، ويدرك أن الاحتجاج على سياساته سيتعاظم. لافتا إلى أن نتنياهو سيواصل مراكمة القوة والطاقة، وفي النهاية سينجح في المكان الذي لم تنجح فيه الانتخابات، الأحزاب، صناديق الاقتراع وكل أولئك الذين حلموا بتغيير بنيامين نتنياهو وفشلوا.
وتابع أولمرت: “من فهم هذا قبل الجميع هو نتنياهو نفسه. يعتقد الكثيرون بأن نتنياهو هو لاعب شطرنج سياسي على أعلى المستويات. أما أنا فأشك في ذلك. نتنياهو هو أولا وقبل كل شيء لاعب كفؤ، بل وربما عبقري. يظهر كل مساء ويكاد لا يفوت فرصة. في الإذاعة، في التلفزيون او في مجرد اللقاء مع معجبيه. جلسات الحكومة والخطابات في الكنيست هي أيضا إطار للظهور وإن كان مختلفا بعض الشيء، إلا أنه هو أيضا يحتاج إلى إعداد، مكياج، تصميم الشعر، لباس لائق وبالطبع جمهور. يستعد نتنياهو لكل ظهور كهذا بجذرية، بعناية شديدة وبمهنية تبعث على الإعجاب. كل هذه تضاف إلى الكفاءة الطبيعية، التي ليس فيها أي شك. نتنياهو هو مهني بموهبة عليا. مثل كل الممثلين الكبار، لديه كفاءة في أن يشخص الأحاسيس الأكثر خفة في أوساط جمهوره. مثل لورانس أوليفييه، يعرف كيف يشخص الذبذبات الأشد رقة، النظرة التعبة، حركات العيون والأيادي، الأعصاب المشدودة وانعدام الصبر بين الجمهور. هو حساس لهذا اكثر من كل المحللين، الخبراء والمستطلعين”.
كما يقول أولمرت في موضوع الأداء المسرحي وإطلاع الإسرائيليين على حقيقته، إن “ما يشعر به نتنياهو منذ الآن لن يفهموه إلا لاحقا. هذا سيتطلب مظاهرة كبرى أخرى، احتجاج في الشوارع آخر، تجمع صاخب آخر بجانب المنزل الرئاسي، ولكن في النهاية هم أيضا سيفهمون”.
فقدان الشعبية
وعلى خلفية اتهام نتنياهو بمحاولة شراء ذمم الإسرائيليين بتوزيع ميزانيات ضخمة على كل مواطن في ظل تفشي كورونا، تابع أولمرت: “يعرف نتنياهو أن الجمهور ليس معه. صحيح أن هذا ليس كل الجمهور، ولكن الكتلة التي تصنع الفرق، فقدها نتنياهو منذ الآن. مثل الكثير من الناس ممن اعتقدوا أنهم سحرة، نجح نتنياهو هو أيضا في ذر الرماد طالما لم تسقط أي من الكرات التي رماها في الهواء أرضا. وحتى عندما كان يخيل أنه يفقد التحكم بإحداها، نجح في الثانية الأخيرة في التقاطها وإلقاء واحدة أخرى في الهواء، والإبقاء أيضا على نظرة مركزة والتحرك بوتيرة طيران الكرات إلى أن بدأت تفلت من سيطرته. وعندما تسقط الكرات ينتهي السحر. فجأة يتبين بأن الساحر ليس كلي القدرة. وفي واقع الأمر هو ليس ساحرا على الإطلاق. بل هو يذر الرماد في العيون”.
وردّد أولمرت مقولة ابراهام لينكولن، إنه يمكن ذر الرماد في عيون قسم كبير من الجمهور لزمن ما، ويمكن ذر الرماد في عيون كل الجمهور لزمن أقصر، ولكن لا يمكن ذر الرماد في عيون كل الجمهور كل الوقت.
وبرأي أولمرت الآن، بات نتنياهو أيضا يفهم هذا، وبالتأكيد فإن بعضاً من مجموعة “المخصيين المستعبدين” له يشعر بذلك، هم أيضا سيردون. معتبرا أن الرد الأشد والأكثر إيلاما، والأكثر وحشية منها جميعا، هو رد المعجبين الذين تحرروا من وهم السحر واكتشفوا بان الملك عارٍ.
ويمضي أولمرت في استعراض سيناريو السقوط لدى نتنياهو: “يستقبل الاكتشاف بداية بعدم الثقة. لا يحتمل أن يكون الرجل الذي اعتقدنا انه كلي القدرة وأنه لا يوجد أي شيء لا يستطيع تنفيذه، ويمكنه أن يلمس النقاط الأكثر حساسية هو في واقع الأمر جبان، مخادع، متردد، عديم الولاء لأكثر الناس قربا له. وفجأة ينكشف بطل الخيالات العاصفة لجمهور المعجبين بكامل عاره، ضعفه ووهنه.عندما يحصل هذا لا مغفرة ولا معذرة. لا يوجد اكثر وحشية من خيبة أولئك الذين ضللوا. المعركة على رئاسة الوزراء. هذه إجمالا المرحلة الأخطر من ناحية الرد المتوقع للرجل الذي فقد عطف الجمهور “.
ويرى أولمرت أنه في هذا المكان يوجد الآن نتنياهو وهو لم يهبط بعد على الأرض كونه ما يزال في مرحلة السقوط، يؤمن بأنه لا تزال هناك ألعوبة يمكنها أن تنقذه من التحطم. مرجحا أنه معقول أكثر أن يؤدي هذا السحر المنهجي بإسرائيل إلى طريق مسدود وأنه سيجبي منها –من كل واحد من مواطنيها– ثمنا باهظا وثمنا دمويا باهظا”.
فقدان السيطرة
يتابع أولمرت في تحذيراته: “نحن قريبون جدا من المرحلة التي تدخل فيها الأحداث إلى وتيرة مدوية وإلى فقدان السيطرة. اليوم لا يزال هذا يجد تعبيره في أحداث صغيرة. لجنة في الكنيست تقرر بخلاف توصية رئيس الوزراء بفتح برك السباحة والنوادي الرياضية، وبالتالي يهددون بإقالة رئيستها التي لم تطع الأوامر. وغدا ستكون معارضة للإغلاق في الأحياء الأصولية وفجأة يتبين أن قادة اليهود المتزمتين ( لحريديم) درعي، ليتسمان وغفني، ليسوا في جيب بدلة نتنياهو.
ويتساءل أولمرت عن مصير الحكومة وموعد الذهاب لانتخابات عامة رابعة. ويقول إنه لا يمكن معرفة كيف ستتطور الأمور، لكن شيئا واحدا واضحا لا يرتقي إليه الشك: “نحن بتنا ندوخ في مهب الريح التي تأتي من اتجاهات مختلفة وتهدد بجرفنا جميعا. في هذه النقطة الزمنية يمكن أن تحصل أمور تنتهي بمصيبة. منذ زمن بعيد ونتنياهو يعمل بقوة الخوف التي تهدد بتحطيم الغلاف الملكي الذي يحميه ويحمي أبناء عائلته. وهو مستعد لأن يفعل كل شيء تقريبا كي يحمي هذا الغلاف الذي بدونه، حياته، حياة زوجته سارة وابنه يائير ليست حياة. هذا الغلاف هو مقر رئاسة الحكومة. هذا المقر الرئاسي في عيونهم هو قصر القيصر، السور الواقي الذي يفصل بينهم وبين كل الباقين الذين في معظمهم إن لم يكونوا كلهم اعداء، أصحاب نوايا شريرة، يكرهون الدولة، يساريون خطيرون يجب القتال ضدهم”. موضحا أيضا أن مقر رئاسة الوزراء بالنسبة لنتنياهو وأسرته هو قافلة السيارات مع الأضواء الزرقاء المشجعة والسكرتاريا، المساعدون، المنظفات والجنائيون. إنه حمام السباحة الفاخر في قيساريا الذي تدفع الدولة لمياهه المتجددة.
ويمضي أولمرت في هجومه على نتنياهو: “إنه الهدايا، إنه الشمبانيا التي يسمح لرئيس الوزراء أن يتلقاها من الأصدقاء والمجوهرات التي يطلب شراءها لزوجته”.
بين الخيال والواقع
يكمل أولمرت: “الآن، فجأة يتبين لنتنياهو أيضا الفجوة بين الحياة الخيالية الحالية، وبين الحياة العادية بعد السقوط، وهي مجرد حياة ينبغي فيها النهوض في الصباح والكفاح ضد كل قوى السواد المهددة”، لافتا إلى أن هذه الفجوة آخذة في التناقص وبعد قليل سيختفي الغلاف، وكل شيء سيهرب ولن يكون معنى للحياة”.
ويضيف: “هذا هو الزمن الذين تقع فيه بشكل عام المصائب التي تغير حياة الناس والدول. هذه بالضبط هي اللحظة التي يكون فيها أناس مثل نتنياهو، فقدوا الاتجاه وأضاعوا السيطرة والقدرة على تحديد جدول الأعمال – قادرين على القيام بالأمور الأكثر خطرا، والتي لا عودة عنها ولا مخرج منها. في هذه النقطة نوجد كلنا. هذه تقترب من أن تكون لحظة الحقيقة. الاحتجاج سيستمر وسيتعاظم، ولا يمكن لأي رشوة من أموال الدولة أن توقفه. لا يمكن شراء الثقة بالمال ولا يمكن خلق الولاء بالخداع. ومن اللحظة التي تضيع فيها الثقة يكاد يكون من غير الممكن إعادتها”.
في المقابل، يدعو أولمرت لتوخي الحذر ولضرورة أن يكون الاحتجاج غاضبا ولكن أكثر هدوءا، حازما وغير عنيف. منبها لعدم وجود اي شرطة يمكنها أن تقف في وجه الاحتجاج. معتقدا أن شرطة إسرائيل لن تحاول عمل ذلك، إذ في نهاية المطاف، أفراد الشرطة أنفسهم يأتون من الإسرائيليين، حتى عندما يكونون أحيانا مخطئين وعنيفين اكثر من اللازم، عندما يعودون إلى الديار، فإن بيتهم هو بالضبط مثل بيتنا.
ويخلص أولمرت للقول مشجعا الإسرائيليين على التمرد: “عندما يقف كل الجمهور أمام مقر رئاسة الحكومة، عندها سيفقد نتنياهو وزوجته سارة وابنهما يائير ما تبقى من السيطرة، من اللجام، من ضبط النفس، من المسؤولية، من النزاهة، من إشارات قف.. وعندها هذا سينتهي”.
ويتابع: “فجأة، سيكون واضحا بأن نتنياهو لم يعد. كل الباقي، سيتدبر أمره مثلما ينبغي أن تكون الأمور. وكورونا أيضا سننتصر عليه”.