معاريف - بقلم: رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق إيهود أولمرت "لن يتوقف الاحتجاج، سيواصل مراكمة القوة والطاقة، وفي النهاية سينجح في المكان الذي لم تنجح فيه الانتخابات والأحزاب وصناديق الاقتراع وكل أولئك الذين حلموا بتغيير بنيامين نتنياهو وفشلوا. أن الذي فهم هذا الأمر قبل الجميع هو نتنياهو نفسه".
يعتقد كثيرون بأن بيبي لاعب شطرنج سياسي على أعلى المستويات، أما أنا فأشك في ذلك. فهو أولاً وقبل كل شيء لاعب كفؤ، وقد يكون عبقرياً، يظهر كل مساء ولا يكاد يفوت فرصة في الإذاعة والتلفزيون أو لقاء مع معجبيه. جلسات الحكومة والخطابات في الكنيست تعد أيضاً إطاراً للظهور، وإن كان مختلفاً بعض الشيء إلا أنه أيضاً يحتاج إلى إعداد وماكياج وتصميم شعر ولباس لائق، وبالطبع جمهور. يستعد نتنياهو لكل ظهور كهذا بجذرية، وبعناية شديد، وبمهنية تبعث على الإعجاب. كل هذه تضاف إلى الكفاءة الطبيعية، التي ليس فيها أي شك. نتنياهو مهني بموهبة عليا، مثل كل الممثلين الكبار، لديه كفاءة تشخيص الأحاسيس الأكثر خفة في أوساط جمهوره. مثل لورانس أوليفييه يعرف كيف يشخص الذبذبات الأشد رقة، والنظرة التعبة، وحركات العيون والأيادي، الأعصاب المشدودة وانعدام الصبر بين الجمهور. هو حساس لهذا أكثر من كل المحللين والخبراء والمستطلعين. ما يشعر به لن يفهموه إلا لاحقاً. وهذا سيتطلب مظاهرة كبرى أخرى، واحتجاجاً في الشوارع آخر، وتجمعاً صاخباً آخر بجانب منزله في بلفور، وفي النهاية هم أيضاً سيفهمون.
هو يعرف أن الجمهور ليس معه. صحيح أن هذا ليس كل الجمهور، ولكن الكتلة التي تحدث الفرق فقدها نتنياهو الآن. مثل كثير من الناس الذين اعتقدوا أنهم سحرة، نجح نتنياهو أيضاً في ذر الرماد طالما ظلت الكرات التي رماها، في الهواءولم تسقط. وحتى عندما كان يخيل أنه يفقد التحكم بإحداها، نجح في الثانية الأخيرة في التقاطها وإلقاء واحدة أخرى في الهواء، وفي هذه الأثناء الإبقاء أيضاً على نظرة مركزة والتحرك بوتيرة طيران الكرات إلى أن بدأت تفلت من سيطرته. وعندما تسقط الكرات ينتهي السحر. فجأة، يتبين بأن الساحر ليس كلي القدرة. وفي واقع الأمر، لم يكن ساحراً على الإطلاق. إنما كان يذر الرماد في العيون.
يمكن ذر الرماد في عيون قسم كبير من الجمهور لزمن ما، ويمكن ذر الرماد في عيون كل الجمهور لزمن أقصر، ولكن على حد قول أبراهام لينكولن، لا يمكن ذر الرماد في عيون كل الجمهور كل الوقت. والآن، أخذ نتنياهو يفهم هذا؛ فإن بعضاً من مجموعة المخصيين المستعبدين له يشعر بذلك. بعد قليل، سيردون.
الرد الأشد، الأكثر إيلاماً، والأكثر وحشية منها جميعاً، هو رد المعجبين الذين تحرروا من وهم السحر واكتشفوا بأن الملك عارٍ. يستقبل الاكتشاف بداية بعدم الثقة. لا يحتمل أن يكون الرجل الذي ظنناه كلي القدرة ولا شيء يقف أمامه، ويمكنه أن يلمس النقاط الأكثر حساسية.. هو في واقع الأمر جبان، مخادع، متردد، عديم الولاء الأدنى لأكثر الناس قرباً إليه. وفجأة، ينكشف بطل الخيالات العاصفة لجمهور المعجبين بكامل عاره وضعفه ووهنه. عندما يحصل هذا لا مغفرة ولا معذرة. ليس هناك وحشيةأكثر من خيبة أولئك الذين ضللوا. المعركة على بلفور. إجمالاً، هذه هي المرحلة الأخطر من ناحية الرد المتوقع للرجل الذي فقد عطف الجمهور. ونتنياهو الآن يقف وسط هذا المكان.. لم يهبط بعد على الأرض.. إنه الآن في مرحلة السقوط. ويؤمن حتى اللحظة بأن ثمة ألعوبة تأتي لتنقذه من التحطم. معقول أكثر أن يؤدي هذا السحر المنجي بدولة إسرائيل إلى طريق مسدود. سيجبي منها -من كل واحد من مواطنيها- ثمناً باهظاً وثمناً دموياً باهظاً.
نحن قريبون جداً من المرحلة التي تدخل فيها الأحداث إلى وتيرة مدوية وإلى فقدان السيطرة. وهذا يجد تعبيره اليوم في أحداث صغيرة. لجنة في الكنيست تقرر، بخلاف توصية رئيس الوزراء، بفتح برك السباحة والنوادي الرياضية، وبالتالي يهددون بإقالة رئيستها التي لم تطع الأوامر. وغداً ستكون معارضة للإغلاق في الأحياء الأصولية وفجأة يتبين أن درعي وليتسمان ودفني ليسوا في جيب بدلة نتنياهو. وبعد غد سيصر “أزرق أبيض” على احترام الاتفاق الذي يلزم بتقديم ميزانية لسنتين، ويتعين على نتنياهو أن يقرر إذا ما كان يطيع القانون الغريب والهاذي الذي بموجبه بنيت الحكومة أم أنه سيفكك الحكومة ويجذب إسرائيل إلى جولة انتخابات رابعة. إذا ما أغري، فهل سينجح في إيقاف السقوط الذي هو الآن في ذروته، وهذا تقول له الاستطلاعات أيضاً، أم سيركض بكل القوة ويتحطم مع عائلته المشاغبة ومع آخر الموالين له؟
لن نعرف كيف ستتطور الأمور. شيء واحد واضح لا يرتقي إليه الشك.. بتنا ندوخ في مهب الريح القادمة من اتجاهات مختلفة وتهددنا جميعاً.
في هذه النقطة الزمنية، قد تحصل أمور تنتهي بمصيبة. منذ زمن بعيد ونتنياهو يعمل بقوة الخوف التي تهدد بتحطيم الغلاف الملكي الذي يحميه ويحمي أبناء عائلته. وهو مستعد لأن يفعل كل شيء تقريباً كي يحمي هذا الغلاف الذي بدونه؛ أي بدون حياته حياة زوجته سارة وابنه يئير، ليست حياة. هذا الغلاف هو بلفور. بلفور في عيونهم هو قصر القيصر، السور الواقي الذي يفصل بينهم وبين كل الباقين الذين هم في معظمهم، إن لم يكونوا كلهم، أعداء ذوو نوايا شريرة، يكرهون الدولة، يساريون خطرون يجب القتال ضدهم. بلفور هو قافلة السيارات مع الأضواء الزرقاء المشجعة. بلفور هو السكرتيريا، المساعدون، المنظفات والجنائنيون. إنه تلك البركة في قيساريا التي تدفع الدولة لمياهها المتجددة. إنه الهدايا، الشمبانيا التي يسمح لرئيس الوزراء أن يتلقاها من الأصدقاء والمجوهرات التي يطلب شراءها لزوجته.
والآن، وفجأة، يتبين لنتنياهو أيضاً المسافة بين كل هذا وبين العزلة التي ليس هناك ما هو أصعب منها، الفجوة بين بلفور والحياة التي ليس لها خدم، ومساعدون، وسكرتيريا، ومنظفات وهدايا. إنها مجرد حياة ينبغي فيها النهوض صباحاً والكفاح ضد كل قوى السواد المهددة. هذه الفجوة آخذة في التناقص. بعد قليل سيختفي الغلاف، وكل شيء سيهرب ولن يكون معنى للحياة.
هذا هو الزمن الذين تقع فيه المصائب التي تغير حياة الناس والدول. هذه هي اللحظة التي يكون فيها أناس مثل بيبي، فقدوا الاتجاه وأضاعوا السيطرة والقدرة على تحديد جدول الأعمال – قادرين على القيام بالأمور الأكثر خطراً، التي لا عودة عنها ولا مخرج منها.
نحن كلنا الآن في هذه النقطة. هذه تقترب من أن تكون لحظة الحقيقة. سيستمر الاحتجاج وسيتعاظم، ولا يمكن لأي رشوة من أموال الدولة أن توقفه. لا يمكن شراء الثقة بالمال، ولا يمكن خلق الولاء بالخداع. من اللحظة التي تضيع فيها الثقة يكاد يكون من غير الممكن إعادتها. ولكن يجب الحذر والاحتماء. على الاحتجاج أن يكون غاضباً ولكن أكثر هدوءاً.. حازماً ولكن غير عنيف.. مستمراً ولكن غير مقتحم للجدار. حرية التعبير لن تمنع – لا توجد أي شرطة يمكنها أن تقف في وجهها، وشرطة إسرائيل لن تحاول عمل ذلك، إذ إن أفراد الشرطة أنفسهم في نهاية المطاف يأتون من داخلنا، حتى عندما يكونون أحيانا مخطئين وعنيفين أكثر من اللازم والمناسب. فعندما يعودون إلى الديار، فإن بيتهم هو تماماً كبيتنا.
عندما يقف كل الجمهور –مع التشديد على كل الجمهور– أمام بلفور، عليه ألا يفقد السيطرة وينجر إلى أعمال تحطم الأواني. وإلا فإن نتنياهو وسارته ويئيرهما، هم من سيفقدون ما تبقى من السيطرة واللجام وضبط النفس، ومن المسؤولية والنزاهة، ومن إشارات قف… وعندها سينتهي هذا. فجأة، سيكون واضحاً بأن بيبي لم يعد. كل الباقي، سيتدبر أمره كما ينبغي أن تكون الأمور. وحينئذ، سننتصر على كورونا أيضاً.