تساءلت صحيفة “فايننشال تايمز” عما حدث فعلا في المفاعل النووي الإيراني “نطنز”، مشيرة في تقرير أعده مراسلوها في طهران ولندن وتل أبيب إلى الغموض الذي يحيط بالتفجير وحوادث غامضة أخرى شهدتها إيران في الأيام الأخيرة.
ولم يبدد إعلان حركة تطلق على نفسها اسم “فهود الوطن” التكهنات أو الشائعات حول التفجيرات والحرائق وتسرب الغاز في بنى تحتية حيوية في البلاد. وقالت الصحيفة إن التكهنات زادت بالتحديد حول التفجير الذي حدث بمجمع لتجميع أجهزة الطرد المركزي الضرورية لتخصيب اليورانيوم. وكشفت صور للأقمار الصناعية من مفاعل نطنز حفرة بعمق 10 أمتار ومواد سقطت من سقف مدمر، وذلك حسب معهد العلوم والأمن الدولي بالعاصمة واشنطن.
وقال المعهد إن التفجير يعتبر “نكسة كبيرة لقدرات إيران على نشر أجهزة طرد مركزي متقدمة وعلى قاعدة واسعة ولسنوات قادمة”. وأكدت الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية مستوى الضرر الذي أصاب المفاعل وأنه “ضخم”. وقال المجلس الأعلى للأمن القومي إنه يعرف “السبب الرئيسي” للحادث في صباح الثاني من تموز/يوليو ولكنه لا يستطيع الكشف “لأسباب أمنية”.
وبحسب مقال نشر في صحيفة “هامشهري” شبه الرسمية فإن “مستوى الدمار يقوي إمكانيه أنه عملية تخريب“. وقالت إن التخريب نفذه “مهاجمون تحركوا في الصحراء وفي عتمة الليل إلى نطنز في الساعة الثانية صباحا، لأنهم لا يريدون خسائر بشرية أو إحداث انبعاثات شعاعية”. وقال محلل قريب من الدوائر الإصلاحية: “الهجوم يبدو بالتأكيد أنه من تنفيذ أمريكا وإسرائيل أو معا، وهو تحذير: نحن قريبون منكم جدا”، وأضاف: “الفعل كان كبيرا وتسبب بخسائر (مالية) كبيرة وجعل التوتر مع الولايات المتحدة معقدا أكثر مما كان عليه في الماضي”.
وأعلنت حركة تطلق على نفسها “فهود الوطن” المسؤولية عن التخريب من خلال رسالة عبر تطبيق تلغرام. وقالت إنها مجموعة من رجال الأمن والاستخبارات السابقين يريدون الإطاحة بالحكومة الإسلامية. وتعهدت بتنفيذ هجمات مماثلة للهجوم على نطنز. وكان المفاعل هذا قد استهدف في الماضي بهجمات إلكترونية. ففي عام 2010 استهدف بفيروس ستانكسنت الذي يعتقد أن إسرائيل والولايات المتحدة تقف وراءه. وتوقفت هذه الهجمات بعد توقيع إيران المعاهدة النووية مع الدول الكبرى عام 2015 وأوقفت بموجبها معظم نشاطات التخصيب. وبعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخروج من الاتفاقية قبل عامين وإعادة فرض العقوبات على إيران ضمن إستراتيجية “أقصى الضغط” عادت طهران واستأنفت جزءا من عناصر مشروعها. وضم هذا مصنع التجميع في نطنز الذي كان لديه منذ عام 2018 القدرة على بناء وفحص حوالي 60 جهاز طرد مركزي متقدما في وقت واحد.
وتقترح صور التقطتها الأقمار الاصطناعية أنه تم تدمير منشأة الإنتاج. وقال مسؤولون أمنيون في تل أبيب إن إيران قد تضطر لأن تستخدم أجيالا أولى من أجهزة الطرد ومواصلة التخصيب وإن بوتيرة منخفضة. وحدث الانفجار بعد أسبوع من انفجار في موقع بارشين العسكري نتيجة لتسرب الغاز. كما سجلت حرائق في عيادة طبية بالعاصمة طهران وتسرب غاز في عيادة طبية في طهران وحريق في محطة طاقة بمركز للبتروكيماويات بالأهواز وآخر في ميناء ماهشهر في جنوب إيران ومصنع صغير جنوبي طهران. وتقول الصحيفة لو ثبت أن التفجير في نطنز عمل تخريبي، فالجهة التي سيشك بتنفيذها له هي إسرائيل والولايات المتحدة.
وقبل عامين تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل استطاعت اختراق أرشيف إيران النووي. وقال إميل هوكاييم، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: “من الواضح أن لدى الإسرائيليين القدرة على القيام بتخريب”، وأضاف: “لو كان الإسرائيليون مسؤولين عن نطنز، فالسؤال، لماذا؟ فترسانة إيران النووية ليست تهديدا بعد كما أن انتهاكات إيران للاتفاقية النووية ليست صادمة. وربما أرادت إسرائيل منع إيران من إعادة برنامجها النووي خاصة أن لديها حليفا يتفق معها وتريد أن تفقد إيران توازنها”. وأضاف أنه لو كان فعلا عملا تخريبيا فسيشكل معضلة لإيران التي “لا تزال تريد تجنب تصعيد مباشر مع الولايات المتحدة على أمل النجاة من مرحلة إدارة ترامب. ويبدو أنها تحاول التقليل من خطورة النكسة”.
وقالت سيما شاين، المديرة السابقة في قسم البحث والتقييم بجهاز الموساد، “أيا كانت الجهة التي نفذته فإنها فعلته بطريقة لا تؤدي إلى حرب، أي عبر غارة جوية” و”يحاول كلا الطرفين تجنب مواجهة عسكرية مباشرة، وكلاهما يحاول العمل تحت الرادار بطريقة لا تؤدي للتصعيد”. وقالت شاين التي تدير البرنامج النووي في معهد دراسات الأمن القومي: “لكن هذه هي حادثة مهمة لأن فيها انفجارا”. وقالت شاين إن التفجيرات الأخرى قد تكون غير مترابطة لكن التفجير في نطنز هو بالتأكيد عمل تخريبي. وقال موقع “نور نيوز” المقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران إنه لو كانت إسرائيل هي وراء الهجوم فربما أشار إلى “تحول إستراتيجي” في طريقة تعامل الولايات المتحدة وإسرائيل مع الجمهورية الإسلامية فـ”الدخول إلى منطقة إيرانية محظورة واجتياز الخط الأحمر” سيقود إلى “تغيرات جذرية” بالمنطقة.