إسرائيل اليوم - بقلم الصحفي والاكاديمي الاسرائيلي آفي بار-ايلي: "الأكثر تأثيراً من بين تلك التخويفات التي ضد فرض القانون الإسرائيلي على نحو 30 في المئة من أراضي الضفة هو ذاك الذي يحذر من أن ضماً كهذا إلى دولة إسرائيل يفرض نظام تفرقة اجتماعية ومنح حقوق سياسية مختلفة لفئات مختلفة (“أبرتهايد”). ولكن لو كان مطلقو هذه الحجة منسجمين مع أنفسهم لتعين عليهم الاعتراف بأنها تنطبق على كل تقسيم لا يتخلى عن المصالح الحيوية لإسرائيل. فكل تسوية تضمن وجود إسرائيل ملزمة بفرض قيود متشددة على سيادة الدولة العربية. المبدأ: تقييد قدرتها على الاتصال عسكرياً أو ديمغرافياً مع الأغلبية العربية الهائلة في المنطقة".
من هنا، لا يفترض أن يقوم “أبرتهايد” هنا. لا منطق في المقارنة بين النظام الديمقراطي الواضح السائد في نطاق إسرائيل السيادية الذي يشمل عموم مواطنيها، بما فيها الحقوق الشخصية واللغوية والدينية للعرب، وبين النظام العنصري الذي استبعد السكان السود الغفيرين في جنوب إفريقيا كلها. ولكن، مع ذلك، فإن لـ “حجة الأبرتهايد” وجهاً معيناً يجدر البحث فيه: التشبيه بالدول المرعية السوداء التي تضمنت أقلية غير كبيرة من السكان السود في جنوب إفريقيا وسميت “بانتوستانات”.
هل يمكن تشبيه الدول المرعية السوداء لقبائل البانتو التي أقيمت داخل جنوب إفريقيا، بتلك الدولة ذات السيادة المحدودة الموصوفة في خطة ترامب، والـ “دولة ناقص” لنتنياهو، والحكم الذاتي لبيغن، وأفكار مشابهة ليغئال ألون وموشيه دايان؟
إسرائيل ستسيطر تماماً على الكيان التابع والمقترح للفلسطينيين، هكذا زعم، مثلما سيطرت جنوب إفريقيا البيضاء على البانتوستانات. ستكون إسرائيل أقوى منه بلا قياس، عسكرياً اقتصادياً وعلمياً ودبلوماسياً، وسيكون صراعه ضد إسرائيل انتحاراً (وإن كان هذا ممارسة فلسطينية متكررة، شخصياً وجماعياً)، وسيحظر عليه عقد التحالفات، وسيجرد من السلاح، وستسيطر إسرائيل على سمائه ومياهه واقتصاده والطرق المؤدية إليه. وعليه، لن يكون هذا كياناً سياسياً مستقلاً، وستكون كل غايته – كغاية البانتوستانات– حرمان سكانه الفلسطينيين من حق الانتخاب للمؤسسات السياسية التي تقرر مصيرهم وتسيطر على كل مجالات حياتهم؛ أي الكنيست والحكومة والسلطة القضائية لدولة إسرائيل.
ولكن من الواضح أن “حجة الأبرتهايد” تنطبق بكل مفعولها على الدولة الفلسطينية التي أراد مؤيدو مسيرة أوسلو (وأنا بينهم) أن يقيموها. فكل المتفاوضين، والموالين لدولة اليهود، ومن أرسلهم، مثل إسحق رابين، وإيهود باراك، وارئيل شارون، وإيهود أولمرت –وليس فقط بنيامين نتنياهو– كلهم أصروا على التجريد من السلاح، وحظر التحالفات، والسيطرة على المعابر والتداخل الاقتصادي الذي معناه سيطرة اقتصادية إسرائيلية.. أصروا على “دولة ناقص”. لقد قامت مسيرة أوسلو على دولة كانت في واقع الأمر حكماً ذاتياً يسمى دولة، وإلى جانبه قوة عظمى عسكرية واقتصادية أقوى بكثير. وهذه المطالب كانت من نصيب الجميع، باستثناء الأحزاب العربية في إسرائيل، بما في ذلك ميرتس (على الأقل حتى وقت أخير مضى).
من يرفض الشيء لا يمارسه. كل من يريد أن يقيم دولة قومية ديمقراطية لليهود لن يسمح للفلسطينيين غربي نهر الأردن إلا بـ”سيادة محدودة” – هذا هو التعريف المناسب. إذا كان هذا مشوهاً فهو “تشويه” كل الصهاينة، من الوسط–اليمين، واليسار، بما في ذلك اليسار الصهيوني. ولكن هذه مطالب حيوية لوجود إسرائيل. ومن يسعى لإحباطها، يسعى بذلك إلى إعادة اليهود إلى مكانة أقلية مضطهده في العالم، بل وفي بلادهم. دعاية الأبرتهايد تعد غطاء رقيقاً وكاذباً لهذا التطلع الهدام.
خطة ترامب بشرى مهمة؛ لأنها ترسم حدوداً إسرائيلية فاعلة ومستقرة دون جدال على نهر الأردن، ولأنها تحبط خطة فلسطينية لإغراق إسرائيل بالهجرة والإرهاب من الشرق. ولكنها لا تغير المبدأ بأن دولة إسرائيل في كل أجنحتها السياسية ملزمة بأن تتمسك به: لا تحتمل إلا سيادة فلسطينية محدودة. لقد علمتنا السنوات الأخيرة بأن تقييد الهجرة إلينا أمر مهم للغاية، ومن الحيوي تثبيتها بسيادة إسرائيلية على غور الأردن.