لم تخبُ انتفاضة العشائر وبعض القوى الدينية في الضفة الغربية رفضاً لتطبيق اتفاقية "سيداو"، حتى وصلت جائحة "كورونا" التي اجتاحت العالم، فتعمّقت أزمة النساء وأوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية خلال العزل والحجز المنزلي.
“والله لنغتصبك…”
هذا التهديد العلني والمباشر استهدف الإعلامية الفلسطينية ناهد أبو طعيمة عبر السوشيل ميديا، بعدما شاركت في إعداد وتقديم برنامج على فضائية “معاً”، يتولى تعريف المجتمع الفلسطيني باتفاقية “سيداو” المعنية بحقوق المرأة وقانون حماية الأسرة من العنف.
تقول أبو طعيمة إنها منذ شهر تقريباً ومنذ بداية إنتاج برنامج “كلمتين وبس”، تتعرض لهجمة ممنهجة على مستويات مختلفة هي وزميلة لها، وتبدأ هذه التهديدات من الفضائية نفسها من خلال عاملين في الإدارة والطاقم التحريري، وصولاً إلى الهجمة الشرسة عبر السوشيل ميديا.
وطوال الحلقات التى هدفت إلى التعريف باتفاقية سيداو وقانون حماية الأسرة، تعرضت ناهد للتهجم، “تحملنا السباب بأبشع النعوت حتى وصل الأمر إلى التهديد بالاغتصاب”، قالت.
وأضافت، “النهج الظلامي التكفيري محمّل بخطاب كراهية حاد وعنيف”. وبحسبها فإن البرنامج الذي تسبب لها بالهجمة الشرسة يهدف إلى القيام بدور تثقيفي بحقوق المرأة وبالاتفاقيات الدولية التي ترعاها مثل اتفاقية سيداو، لكن جهودها جوبهت بحملات تجريح وصلت حد التخوين والطعن في الذمة حتى وصلت إلى الدعوة إلى الاغتصاب في البث المباشر.
العشائر ضد حقوق المرأة
لم تخبُ انتفاضة العشائر وبعض القوى الدينية في الضفة الغربية أواخر العام الماضي رفضاً لتطبيق اتفاقية “سيداو” (بشأن حظر أشكال التمييز ضد المرأة كافة)، والتي وقّعها الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2014، وما نشر من معلومات مغلوطة حول الاتفاقية والمبادئ الواردة بها. حتى وصلت جائحة “كورونا” التي اجتاحت العالم، لا سيما فلسطين التي تعيش أصلاً أوضاعاً مأساوية، فتعمّقت أزمة النساء وأوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية خلال العزل والحجز المنزلي. ثبت ذلك من خلال ما رصدته ووثقته منظمات حقوق الإنسان والجمعيات النسوية التي تدافع عن حقوق المرأة حول حدوث انتهاكات ضدهن وحالات عنف متزايد ضد النساء والأطفال، وبقيت كثيرات في هذه الفترة محجوراتٍ في بيت واحد أو غرفة واحدة مع معنّف.
وفي ظل الصمت صعّدت نساء وجمعيات حقوقية ونسوية مطالبتهن بتسريع تشريع إقرار قانون حماية الأسرة من العنف المتزايد في فلسطين، والذي أيقظ غول العشائر وبعض الأحزاب الدينية والمحامين. وقبل انتشار “كورونا”، نُظّمت اجتماعات وتظاهرات ضد اتفاقيّة “سيداو”، التي اتُهمت بالاعتداء على العادات والتقاليد وتهديد البنية الاجتماعية والسلم الأهلي.
وعلى رغم العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعيّة، إلا أن الحكومة الفلسطينية لم تستطع السيطرة على بعض القوى والأشخاص، الذين يبثّون عنصريتهم وكراهيتهم، حتى الهديد بالعنف والتحريض على النساء، لمواقفهن المؤيدة مسودة قانون حماية الأسرة من العنف الذي قدمته الحكومة للنقاش. ولم يتوقف الجدل في فلسطين عموماً وفي الضفة الغربية خصوصاً، فالبعض دعا إلى رفع دعوى ردة على من يقفون خلف هذا القانون، وثارت مرة أخرى قوى دينية وعدد من المحامين ضد مشروع القانون.
صعّدت نساء وجمعيات حقوقية ونسوية مطالبتهن بتسريع تشريع إقرار قانون حماية الأسرة من العنف المتزايد في فلسطين.
حتى أن نقيب المحامين جواد عبيدات، عبر عن موقف النقابة الرافض اتّفاقيّة “سيداو”، وقال: “لا نوافق على اتّفاقيّة سيداو، بل نحن نتمسّك بقرار المحكمة الدستوريّة، الخاصّ بكلّ الاتّفاقيّات الدوليّة الّتي وقّعت عليها دولة فلسطين؛ إذ جاء نصّ المحكمة الدستوريّة واضحاً وصريحاً، بأن لا تتعارض الاتّفاقيّات الدوليّة مع القيم والديانات في فلسطين”.
وبناء على هذه المواقف، تعرض مدافعون ومدافعات عن حقوق النساء للتهديد برفع دعوى ردة، إضافة إلى التلويح بتشويه سمعة كل من يؤيد جهود النساء في المطالبة بحقوقهن عبر وسائل إعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت المحامية والباحثة النسوية ومديرة وحدة السياسات في “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” خديجة زهران تعرّضت للتهديد بتعريض حياتها للخطر، ورفع دعوى ردة ضدها من قبل أحد المحامين، لمجرد تعبيرها عن رأيها ودعمها مشروع القانون.
دعوة إلى الجريمة
الصمت والتجاهل اليوم إزاء حملة التحريض العلنية يعني الموافقة على الترهيب ومن ثم الانتظار حتى الوصول إلى مرحلة الاعتداء على الأشخاص أو بيوتهم أو ذويهم.
معركة سيداو التي قادتها العشائر أواخر العام الماضي في الضفة الغربية لم تقابلها مواقف بارزة لـ”حركة حماس” التي فضلت حينها الصمت، غير أن الحركة اليوم أعربت عن رفضها مشروع قانون حماية الأسرة، معتبرة تشريع القانون تعدياً على صلاحية المجلس التشريعي. الموقف أعلنه القيادي في حماس محمود الزهار، الذي عبر عن رفض المجلس ومعارضته الكاملة قانون حماية الأسرة، الذي أقرته السلطة الفلسطينية في القراءة الأولى. وقال الزهار خلال وقفة نظمتها الحركة النسائية في حماس بعنوان: “لا لقانون تدمير الأسرة”، إن ما يسمى قانون حماية الأسرة يعتبر “في حكم المنعدم” قانوناً كونه صدر عن جهة غير شرعية وهي غير مختصة دستورياً بحسبه.
وعبر الزهاز عما قال إنه “تغول صارخ على القانون والقيم والأخلاق وإن السلطة لا تملك الحق في سن القوانين، وإن ذلك من مهمات المجلس وصلاحياته، بحسب القانون الأساسي”.
لا شك في أن هذه المواقف المعادية للنساء، ستصعب مهمة إقرار اتفاقية سيداو وتشريع قانون يحمي الفلسطينيّات من العنف ويؤمن لهن المساواة، لكن هذه المواجهة باتت أكثر من ملحة، خصوصاً مع تزايد حالات العنف ضد النساء والتي شهد المجتمع الفلسطيني زيادة فيها خلال جائحة “كورونا”.
في المقابل، يرتفع مستوى التحريض تجاه المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان على صفحاتهم الشخصية، ووصل الأمر إلى التهديد بالقتل والاغتصاب والأذية المباشرة. ويراد بذلك إسكات أي صوت مختلف أو محق، فقتل كل محاولة للتعددية والاختلاف يكرس وجهاً بائساً وبائداً للسلطة التي تتساهل مع نعيق الظلاميين ولا تفضح محاولاتهم للظهور على أكتاف النساء ووجعهنّ… أمّا ثمن هذا القمع وتكميم الأفواه، فكلّنا سندفعه، اليوم وغداً.