ألغت المحكمة الإسرائيلية العليا، مساء اليوم، الثلاثاء، "قانون التسوية" الذي يتيح البناء الاستيطاني على أراضٍ بملكية فلسطينية خاصة ويمنع إخلاء البؤر الاستيطانية غير الشرعية، في محاولة لتبييض وشرعنة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.
وجاء قرار المحكمة بأغلبية ثمانية قضاة مقابل اعتراض قاض واحد (القاضي نوعَم سولبيرغ)، ونظرت العليا الإسرائيلية إلى الالتماس الذي قدمه مركز "عدالة" ومركز "القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان" ومركز "الميزان لحقوق الإنسان في غزة"، باسم 17 مجلسًا محليًّا وإقليميًا فلسطينيًّا، بتركيبة موسعة وصلت إلى 9 قضاة، ترأستها رئيسة العليا الإسرائيلية، إستر حيوت.
وأقر الكنيست في السادس من شباط/ فبراير عام 2017 بصفة نهائية قانون تبييض المستوطنات المعروف إسرائيليا بـ"قانون التسوية"، بعدما أقره بالقراءة الأولى مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2016.
وأصبح هذا القانون نافذا بعد التصويت عليه في القراءتين الثانية والثالثة النهائية بأغلبية 60 عضوا داخل الكنيست ومعارضة 52. وشكل القانون خطوة في اتجاه ضم أجزاء من الضفة الغربية، ما يسعى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى تنفيذه خلال عمل حكومته الحالية.
ويعتبر "قانون التسوية" من أهم القوانين التي شرعتها حكومة نتنياهو السابقة، حيث طرح القانون بمبادرة من أعضاء الكنيست من حزبي "البيت اليهودي" والليكود، في محاولة للالتفاف على قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية بإخلاء البؤر الاستيطانية غير الشرعية التي بنيت على أراضٍ فلسطينية خاصة.
وكتبت القاضية في قرارها أن "القانون يطالب بشرعنة أعمال غير قانونية بأثر رجعي، في انتهاك لحقوق السكان الآخرين".
وأضافت أن "الانتهاك الذي يسببه القانون للحقوق واضح وخطير. ولا مفر من الاستنتاج بأن هذا الضرر غير متناسب، بحيث أن الضرر الذي يتسبب به القانون يفوق فائدته".
ولفتت إلى "وجود تدابير بديلة في القانون قد تعالج الغرض الذي جاء من أجله هذا التشريع، مع تقليل الإضرار بالحق في الملكية والحق في المساواة، في بعض الحالات".
وتابعت "القانون لا يعتبر تسوية تغافلت عن مجموعة من الأضرار التي قد تسببها، بل بتسوية تسبب الضرر عن قصد بشكل غير متساوٍ بحقوق الملكية للسكان الفلسطينيين فقط، ويعطي الأفضلية لمصالح الملكية للمستوطنين الإسرائيليين".
وأوضحت أن "القانون يسمح بانتهاك حقوق الفلسطينيين دون أي فحص عيني للظروف التي أقيمت فيها المستوطنة ومشاركة الدولة في إقامتها، ودون إعطاء الوزن الكافي للوضع الخاص للسكان الفلسطينيين باعتبارهم ‘سكان محميين‘ في منطقة سيطرة حربية وعسكرية".
وفي تعليقه على قرار المحكمة، أصدر الليكود بيانا مقتضبًا قال فيه: "من المؤسف أن المحكمة العليا تدخلت وألغت قانونًا هامًا للاستيطان ومستقبله. سنعمل على إعادة سن القانون".
من جانبه، أيد "كاحول لافان" قرار المحكمة، وقال في بيان مقتضب صدر عنه: "قانون التسوية في صياغته الراهنة يتعارض مع الوضع القانون في إسرائيل، والإشكالية القضائية التي بشأنها كانت معلومة حتى عندما تم طرح القانون لمصادقة الكنيست، نحن نحترم قرار المحكمة العليا وسنعمل على تنفيذه".
وما أن صدر قرار المحكمة العليا، حتى سارع أنصار الصهيونية الدينية وقادة المستوطنين، بإصدار بيانات هاجموا من خلالها العليا الإسرائيلي واتهموها بـ"تقويض أسس النظام الديمقراطي"، منددين بما اعتبره "سطوة الجهاز القضائي على الجهازين التشريعي والتنفيذي".
في المقابل، شدد مصادر مقربة من نتنياهو، أن "إجراءات الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة ستعالج مسألة البؤر الاستيطانية غير الشرعية المقامة على أراضٍ فلسطينية خاصة".
في حين، قال مسؤولون في الليكود إن على شركائهم في الحكومة، في إشارة إلى "كاحول لافان" الموافقة على سن قانون بديل في هذا الخصوص، مهددين بأن رفض "كاحول لافان" التوافق مع الليكود في هذا الخصوص، قد تؤدي إلى تفكيك الائتلاف الحكومي حديث التشكيل، والذهاب إلى انتخابات جديدة.
من جهة أخرى، اعتبر الملتمسون أن القرار "إنجاز مهم خاصة ضد مخططات الضم التي تعتزم إسرائيل تنفيذها، إذ يشدد قرار المحكمة العليا على أن الكنيست لا يمكنها سن قوانين تخالف القانون الدولي ولا يمكن لأي ظروف أن تبرر ارتكاب جرائم حرب، وعلى رأسها تهجير الفلسطينيين وسلب أراضيهم من أجل الاستيطان اليهودي فيها".
وحذّر الملتمسون من إمكانية الالتفاف على القرار واستعمال وسائل أخرى من أجل مصادرة الأراضي الفلسطينية، أو ابتكار وسائل جديدة، خاصة مع تصريحات الحكومة الإسرائيلية حول ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية لسيادتها مطلع الشهر المقبل.
وجاء قانون التسوية أو ما يعرف بـ"تبييض المستوطنات" لشرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وإعطاء صبغة قانونية شرعية لمبان من دون ترخيص أقيمت بصورة عشوائية وغير قانونية، في مناطق متفرقة من الضفة.
ويجيز قانون شرعنة المستوطنات بصيغته مصادرة أراض فلسطينية بملكية خاصة إذا ما بنيت عليها مستوطنات بـ"طيب نية"، أو بتشجيع من الدولة، ونقل هذه الأراضي للدولة مقابل حصول الفلسطينيين على أرض بديلة أو تعويض مادي بقيمة 125%. بالتوازي يتم استصدار تراخيص بناء بأثر رجعي للمباني التي أقيمت على هذه الأراضي بدون ترخيص.