التحلل من اتفاقات أوسلو ..دولة فلسطين المحتلة في مواجهة اسرائيل ..العميد: أحمد عيسى

الثلاثاء 09 يونيو 2020 02:24 م / بتوقيت القدس +2GMT
التحلل من اتفاقات أوسلو ..دولة فلسطين المحتلة في مواجهة اسرائيل ..العميد: أحمد عيسى



المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

إجتمعت القيادة الفلسطينية في مقر الرئاسة بمدينة رام الله يوم الثلاثاء الموافق 19/5/2020، عقب إعلان حكومة إسرائيل التي تشكلت للتو عزمها على الشروع بضم مناطق من الضفة الغربية من جانب واحد، وفي ختام الإجتماع أعلن الرئيس محمود عباس قراراً للقيادة وزعت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا) نسخة منه، حيث نص أول بنودهذا القرار "أن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين في حِل من جميع التفاهمات والإتفاقات مع حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك الإتفاقات الأمنية".

وفور تلاوة القرار تباينت ولا زالت، ردود أفعال الفلسطينيينعلى القرار وتعددت تفسيراتهم وتأويلاتهم له، حيث أوله البعض بأنه حلقة من حلقات المؤامرة التي انخرطت فيها القيادة الفلسطينية منذ زمن طويل لتصفية القضية الفلسطينية، إذ وصف هذا البعض نص القرار بالسُم الذي دُس في الدسم، واضاف هؤلاء أن القرار ليس أكثر منخطوة من الخطوات التي إعتادت القيادة الفلسطينية على اتخاذها كلما دعت الحاجة، لغايات تخفيف الإحتقان المتراكم في صفوف الشعب الفلسطيني مما آلت اليه ظروفهم وأحوالهم الحياتية وغير الحياتية.

ورأى فيه آخرون أنه موقفاً جديداً للقيادة الفلسطينية يشي بتغيير قادم في شكل العلاقة مع الحكومة الإسرائيلية،وسيكون له تبعاته السياسية والأمنية، سواء قصدت القيادة ذلك أم لم تقصد، وراح أصحاب هذا الرأي يطالبون القيادة الفلسطينية بمزيد من القرارات والإجراءات لإثبات صحة نواياهم ومقاصدهم.

وعلى الرغم من أهمية ووجاهة الإختلاف في الرأي لضمانالوصول للأحسن في تفسير الأشياء وتحديد مآلاتها، إلا أنالإختلاف في هذه الحالة لا يبتغي هذه الغاية، بل ينطوي على شكل من أشكال تآكل ثقة الشعب بالقيادة لأسباب لا داعي للوقوف طويلاً أمامها في هذه الورقة، علاوة على أن الإختلاف هنا يكشف عن تلك الحالة من الإلتباس والإرتباكالتي تجادل هذه الورقة بأنها أصبحت ملازمة للعقل السياسي الفلسطيني في قراءة وتفسير ما جرى ويجري حوله من أحداث، إذ راح هذا العقل يستسهل إخفاء ضعفه وعجزه على تطوير ما يلزم من خطط وتدخلات، بإحالة كل شيئ لنظرية المؤامرة، بإعتبارها قد دُبرت في ليل من قبل أطراف أكثر منه قوة وحيلة وشدة، لا قبل له على مواجهتها وتفكيك ما تستبطنه من إستعصاءات.

من جهتها, وتأسيساً على قول الإمام الشافعي (رأيي صواب ويحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ ويحتمل الصواب)ترى هذه الورقة، أن قرار القيادة الأخير هو قرار حاسم لهذا الجيل من القيادة ببدء الخروج الآمن، أي الخروج بأقل المخاسر، من مسيرة أوسلو دون الإنقلاب على مبدأ التسوية السياسية للصراع برعاية دولية على أسس الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين، وذلك بعد أن توصل هذا الجيل لإستنتاج لا يقبل الدحض أن الخروج على أوسلو أقل خسارة من إستمرار التقلب على نارها الحارقة.

كما ترى هذه الورقة أن قرار الخروج على أوسلو في هذه اللحظة من الزمن، (لا سيما بعد أن بات واضحاً لأصغر الفلسطينيين سناً أن الإدارة الأمريكية الحالية وحكومة دولة إسرائيل عازمتان على تحويلها من مسيرة لتحقيق تسوية عادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى مسيرة لفرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني)، هو قراراً مصدقاًللقسم الذي قطعه الجيل المؤسس للثورة الفلسطينية المعاصرة على نفسه منذ تسلمه الراية من الجيل الذي سبقه،بأن لا يخون وان لا يسلم الراية (رغم كل ما علق بها من شوائب ودُرن) للجيل الآتي من  الفلسطينيين منكسة ذليلة،بل يسلمها مرتفعة هاماتها عزيزة سواريها من خلال العملوهو يغادر أوسلو على التأسيس لمسار نضالي جديد يمكنالأجيال القادمة من مواصلة الكفاح لنيل الحرية وتحقيق الإستقلال.

ولإثباث صحة هذا التفسير، ستقوم هذه الورقة أولاً بتحليل القرار من حيث الشكل والمضمون للوقوف على غايات ومقاصد الجهة المصدرة له، وستحاول ثانياً قراءة العقلالسياسي للجيل الحالي من القيادة الفلسطينية، لا سيما العقل السياسي للرئيس محمود عباس الذي يختصر في شخصه الجيل المؤسس، للوقوف على المحركات التي تقف خلف صناعة هذا الجيل للقرارات والسياسات المصيرية، وثالثاً ستستعرض هذه الورقة الموقفين الإقليمي والدولي من الضم لفحص مدى تأثير هذه المواقف على القرار الإسرائيلي، ورابعا ستلقي الورقة الضوء على القراءة الإسرائيلية للقرار لمحاولة الوقوف على خطواتها القادمة بشأن الضم بشكل خاص ومن رؤية صفقة القرن بشكل عام. 

أولاً: تحليل القرار

أ- القرار من حيث الشكل

تكون القرار من جزئين، الجزء الأول بمثابة ديباجة (مقدمة)شمل ست فقرات تضمنت 295 كلمة أي ما نسبته 42,3% من مجموع كلمات القرار التي بلغت 697 كلمة، وتضمن الجزء الثاني بنود القرار الثمانية التي شملت 402 كلمة أي ما نسبته 57,7% من مجموع كلمات القرار.

وفيما تضمن الجزء الثاني من القرار البنود الثمانية، تضمنت الديباجة موجبات القرار، وأهدافه التي هي أهداف الشعب الفلسطني مُصدر القرار، وآليات تحقيق هذه الأهداف، والمرجعيات القانونية التي إستندت اليها.

ب- القرار من حيث المضمون

جاء القرار كإعلان صادر عن منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، ولم يأتي البتة على ذكر السلطة الفلسطينية،الأمر الذي لا يخلُ من دلالة، وللمزيد من التأكيد على ذلكإستخدم القرار لفظ منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ثلاث مرات خلال النص، مرة في الديباجة ومرتين في البنود (الأول، والثامن)، واستخدم لفظ الدولة الفلسطينية ثمان مرات، اربعة مرات في الديباجة، ومثلها في البنود (الأول، والثاني، والرابع،والسابع).

ويكشف هذا التوظيف للألفاظ أن منظمة التحرير الفلسطينيةوالدولة الفلسطينية وليس السلطة الفلسطينية، كمفاهيم وكيانات سياسية قد أصبحتا منذ لحظة إعلان القرار، مفاهيم وكيانات مقابلة لدولة إسرائيل كدولة (إحتلال إستعمارية) التي أتى القرار على ذكرها بهذا الوصف 13مرة، فالسلطة الفلسطينية كمفهوم سياسي لم تعد قائمةحكماً في ذهن القيادة، وذلك نتيجة لجملة القراراتوالإجراءات الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية، هذه الإجراءات التي لم تخالف الإتفاقات والتفاهمات الثنائية وقرارات الشرعية الدولية التي قامت السلطة ككيان على اساسها وحسب، طبقاً لنص الفقرة الثانية من ديباجة القرار، بل تنكرت لها، ثم ألغتها صراحة، ومقابل ذلك أكد القرار كما ورد في البندين الخامس والسادس على إلتزام الجانب الفلسطيني (كمنظمة تحرير وكدولة) بقرارات الشرعية الدولية والإتفاقات والتفاهمات الثنائية.

وعلى ضوء هذا الإبطال من جهة اسرائيل دعى القرار دولة إسرائيل الى تحمل المسؤولية بصفتها دولة إحتلال تحتل دولة فلسطين وفقاً لنصوص القانون الدولي خاصة اتفاقية جنيف الرابعة العام 1949 طبقاً لنص البند الثاني من بنود القرار، وفي سياق متصل حمل القرار الإدارة الأمريكية الحالية المسؤولية الكاملة عن الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، كما اعتبرها شريكاً اساسياً مع حكومة الإحتلال في جميع القرارات والإجراءات العدوانية المجحفة بحق الشعب الفلسطيني، كإعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها، ثم إعلانها لما يسمى بصفقة القرن التي أسست لإعلان الضم.

وكان من اللافت حرص صائغ القرار على استخدام لفظ الإدارة الأمريكية الذي جرى إستخدامه ثلات مرات خلال النص، ولم يستخد البتة لفظ الإدارات الأمريكية أو لفظ أمريكا، وحسناً فعل الصائغ هنا وذلك لغايات التمييز بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة والإدارة الحالية التي ذهبت في ظلمها للشعب الفلسطيني الى ابعد مدى، لا سيما وأن هناك أطراف أمريكية رافضة لإجراءات وقرارات الإدارة الحالية نحو الشعب الفلسطيني.

وحول اتفاقات أوسلو وغيرها من التفاهمات، كان من اللافتأيضاً إستخدام القرار لفظ التحلل كما ورد في البند الأول بأن "منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين في حِل َ{...}،ويبدو هنا أن هناك تعمد باستخدام هذا اللفظ دون غيره من الألفاظ، إذ أن لفظ حِل يعني لغةً التحلل، أو التحرر، أوالتخلص من الإلتزامات التي يرتبها الإتفاق، دون التطرقلبطلان أحكام الإتفاق، وذلك عكس لفظ الإلغاء الذي يعني الإبطال صراحة، الأمر الذي لو تم كان سيدُخل الفلسطينيين في مطبات قانونية ستعزز يقيناً من محاججة ودفع إسرائيل في المحافل القانونية الدولية ضد المطالبات الفلسطينية.

وحول موجبات القرار فقد عددتها الديباجة بالموجبات التالية:

- النص المتضمن في اتفاق الإئتلاف الحكومي الأخير الذي أكد على أن رئيس الوزراء سيكون قادرا على جلب الاتفاقية التي تم التوصل إليها مع الولايات المتحدة بشأن تطبيق السيادة وعرضها على مجلس الحكومة والكنيست اعتبارا من 1-7-2020.

- خطاب رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي في الكنيست يوم الأحد الموافق 17/5/2020، والذي لم يتضمن أي التزام بالاتفاقيات الموقعة، بل الإعلان عن فرض السيادة الإسرائيلية على المستعمرات.

- تكرار رئيس حكومة الاحتلال إعلان الضم خلال أول اجتماع لحكومته، معتبرا ان الضم اولوية لهذه الحكومة، الأمر الذي يعني ضم اجزاء من أراضي دولة فلسطين لدولة الاحتلال، استنادا إلى ما يسمى "صفقة القرن"، التي رفضها الشعب الفلسطيني جملة وتفصيلا، ما يعني ان سلطة الاحتلال تكون قد ألغت اتفاق اوسلو والاتفاقات الموقعة معها كافة، بعد ان تنكرت طوال سنوات مضت لجميع هذه الاتفاقات، ولجميع قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.

- اعتراف الإدارة الأمركية بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، ثم اعلانها لما يسمى "صفقة القرن"، التي أسست لإعلان الضم الإسرائيلي، والتي تشكل خرقا صارخا لقرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي، فضلا عن دعمها للاستيطان والاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين.

وحول المرجعيات القانونية للقرار فقد إستند القرار الى ثلاث مرجعيات (فلسطينية وعربية ودولية)، وتنبع المرجعية الفلسطينية من قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذين تكرر ذكرهما في القرار مرة واحدة، أما المرجعية العربية فتنبع من مبادرة السلام العربية التي تكرر استخدامها في النص ثلات مرات، وتنبع المرجعية الدولية من القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وقرارات الشرعية الدولية (حيث تكرر ذكر هذه المفاهيم في سياق النص 19 مرة)، خاصة قرار مجلس الامن 1515 الخاص باعتماد مبادرة السلام العربية، والقرار 2334 الخاص بالقدس والاستيطان، وقرار الأمم المتحدة 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19 الخاص بعضوية دولة فلسطين فيها، واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.

أما حول الأهداف الفلسطينية فقد حددها القرار بمواصلة الشعب الفلسطيني كفاحه الوطني لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة والمتواصلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين، وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، واطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من المعتقلات والسجون الإسرائيلية.

وحول أسلوب وآليات تحقيق هذه الأهداف فقد أعادالقرار التأكيد على مواصلة الكفاح دون مغادرة ساحة التسوية السياسية للصراع على اساس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين، مع استعداد الفلسطينيين للقبول بتواجد طرف ثالث على الحدود، على ان تجري المفاوضات لتحقيق ذلك تحت رعاية دولية متعددة (الرباعية الدولية +)، وعبر مؤتمر دولي للسلام.

وفيما يتعلق بتاريخ نفاذ القرار فقد نص القرار على انه نافذا منذ لحظة إعلانه، الأمر الذي يوجب على إسرائيل ابتداء من لحظة تلاوة القرار، ان تتحمل جمع المسؤوليات والالتزامات أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال في أرض دولة فلسطين المحتلة.

ثانياً: محاولة قراءة العقل السياسي للجيل الحالي من القيادة الفلسطينية

1- من هو هذا الجيل من القيادة الفلسطينية، ومن هو الرئيس عباس؟

كان هذا الجيل من القيادة قد نضج وتبلور وعيه الوطني والسياسي في ظل النكبة وما نتج عنها من لجوء وتشرد، الأمر الذي وجد معانيه في المشروع الوطني الفلسطيني،الذي ينسب لهذا الجيل وضع مرتكزاته الأولى، لا سيما ركيزة(الوطنية الفلسطينية) وحمايتها من الذوبان والتلاشي، حيث أكسب التمسك والحفاظ على هذه الركيزة هذا الجيل من القيادة شرعية قيادة المشروع الوطني.

من جهته ينتمي الرئيس عباس وجدانياً وأيديلوجياً لهذا الجيل، بل هو آخر من تبقى منه، ولذلك راح يردد مؤخراً أنه لن يُنهي حياته بخيانة، وفي هذا الشأن قال فيه شيخ المؤرخين الفلسطينين الأستاذ وليد الخالدي مؤخراً "رغم نبذه العنف بصدق، وإيمانه بالديبلوماسية حصراً، إلا أنه ليس يقيناً بالمفرط بالحق الوطني، كما أنه يقيناً ليس بالمتهور".

2- كيف ينظر هذا الجيل من القيادة للسلاموالمفاوضات؟

ينظر هذا الجيل من القيادة الفلسطينية بما في ذلك الرئيسين ياسر عرفات ومحمود عباس للسلام والمفاوضات كساحة من ساحات المقاومة، وذلك طبقاً للمقاربة التي قدمهاالمبدع المصري عمار علي حسن للسلام في كتابه (التغيير الآمن: مسارات المقاومة السلمية من التذمر الى الثورة)، حيتث قال "يعتقد كثيرون أن المقاومة والسلام خصمان لدودان وطريقان متوازيان لا تلتقيان أبداً، ومثل هذه الرؤية تنحدر بالسلام إلى مستوى الإستسلام، أو الخمود والقعود الكاملين، وهذا ما ليس من السلام في شيء، ولا يجب أن يحدث ذلك إلا في حال الخيانة الوطنية الكاملة".

  ت- كيف يقارب الجيل الحالي الدولة الفلسطينية المستقلة؟

يؤمن هذا الجيل أن قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، هي مصلحة وطنية عليا وحاجة أمنية ضرورية توفر للفلسطينيين وطناً وملاذاً آمناً قادراً على حمايتهم من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يواصل الإستعمار الإسرائيلي تنفيذه والتهديد بتنفيذه منذ بداية القرن الماضي، الأمر الذي يعني أن الدولة الفلسطينية المستقلة وفق الرؤية الفلسطينية لها هي خيار فلسطيني ذاتي، وقرار تبناه المجلس الوطني الفلسطيني العام 1988، وتحولاً نوعياً في مسار الكفاح الوطني المسلح.

ولتحقيق هذه الغاية إنخرط الجيل الحالي من القيادة في مسيرة التسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أسس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وقرارات القمم العربية لا سيما قمة بيروت العام 2002، وقرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، الأمر الذي أسفر عن توقيع إتفاقات أوسلو العام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة دولة إسرائيل وإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، كسلطة حكم ذاتي مؤقتة تتحول بعد إنتهاء المرحلة الإنتقالية لدولة مستقلة.

    ث- حل الدولتين في مسيرة أوسلو

تركت إتفاقيات أوسلو موضوعة الدولة الفلسطينية المستقلة لمفاوضات المرحلة النهائية، إذ نصت بنودها أن السلطة الفلسطينية هي سلطة انتقالية لحين انتهاء مفاوضات الحل النهائي التي كان من المقرر أن تبدأ العام 1999.

وعلى الرغم من فشل جولة مفاوضات الحل النهائي في كامب ديفيد العام 2000، إلا أن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود العام 1967 أصبحت غاية ثابتة تضمنتها نصوص وثائق مسيرة التسوية، لا سيما بعد خطاب الرئيس بوش الإبن العام 2002.

   ج- حل الدولتين في رؤية صفقة القرن

فيما لم تتجاهل رؤية صفقة القرن مبدأ حل الدولتين، إلا أن نص الرؤية قد فرغ هذا المبدأ من مضمونه وقدم الدولة كصيغة من صيغ الحكم الذاتي، إذ قدم النص حل الدولتين تحت عنوان (حل الدولتين الواقعي) أي الحل الذي يقوم على الحقائق القائمة على الأرض التي تشمل المستوطنات والطرق الإلتفافية والمناطق العسكرية.

وللمزيد من التأكيد على صيغة الحكم الذاتي، أشار النص بوضوح أن السلطات (السيادة) التي ستمنح للفلسطينيين لحكم أنفسهم بأنفسهم في المناطق المتبقية لهم من الضفة الغربية ستكون محدودة، بحيث لا تسمح للفلسطينيين أبداً بتهديد إسرائيل، إذ أكد النص أن المسؤولية الأمنية بما في ذلك السيادة الجوية غرب نهر الأردن ستبقي مسؤولية إسرائيلية.

    ح- ماذا غيرت رؤية صفقة القرن من مسيرة أوسلو للتسوية السياسية؟

قامت مسيرة أوسلو لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيليعلى أساس الشرعية والقرارات الدولية، وعلى مبدأ الأرض مقابل السلام، فيما تقوم رؤية صفقة القرن على أساس المراسيم الخاصة بالصراع التي يصدرها الرئيس ترامب والتي وضعها في مرتبة تسمو على مرتبة القرارات الدولية،وقد إستبدلت الرؤية مبدأ الأرض مقابل السلام بمبدأ التنمية مقابل السلام.

كما حولت الرؤية مسيرة أوسلو، من مسيرة لتسوية الصراععبر المفاوضات إلى مسيرة لفرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني، إذ يفيد تحليل النص أنه قد صُمم كصك إستسلام للفسطينيين لا خيار أمامهم إلا التوقيع عليه، وإلا جرى تنفيذه من جانب واحد، الأمر الذي يجد تفسيره في اتفاقية تشكيل الإئتلاف الحكومي بين حزبي الليكود وأزرق أبيض الذي جعل من ضم أجزاء من الضفة الغربية أحد بنوده.

وللتأكيد على مقاصدهم  ونواياهم كان التيارين المهيمنين على الحكم في أمريكا وإسرائيل في إطار التمهيد والتهيئة للرؤية قد نسقا فيما بينهما جملة من القرارت والمراسيم والإجراءات قبل الإعلان عن رؤيتهم، كإعتراف الإدارة الحاليةبالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ثم نقل السفارة الأمريكية اليها، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطع المساعدات الأمريكية عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأنروا UNRWA في إشارة لإلغاء حق العودة، وقطع المساعدات الأمريكية الرسمية والخاصة عن الشعب الفلسطيني، وتشريع الإستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وأخيراً إعطاء إسرائيل الضوء الأخضرلضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية لسيادتها، وفي الأثناء شرع البرلمان الإسرائيلي قانون القومية الذي يعطي اليهود فقط حق تقرير المصير في فلسطين الإنتدابية.

   خ- ماذا أخذت صفقة القرن من الفلسطيني، وماذا أعطت للإسرائيلي؟

في معرض إجابتها على هذا السؤال تجادل هنيدة غانم، أنه فيما سحبت الصفقة من الفلسطيني كل مطالبه، تبنت بالمقابل كل المطالب الإسرائيلية، فلا عودة لحدود العام 1967، ولا تفكيك للمستوطنات، ولا عودة للاجئين، وسيطرة أمنية كاملة لإسرائيل على الأمن والجو والمياه والحدود، والقدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية، الأمر الذي جعل من الصفقة صك إستسلام على الفلسطينيين توقيعه، أو يفرض تنفيذه من جانب واحد.

وأضاف الياس خوري أن الصفقة سحبت من الفلسطيني حقه في ملكية فلسطين، أو على الأقل ملكية ذلك الجزء من فلسطين الذي إحتلته إسرائيل العام 1967، إذ إعتبرت الصفقة أن المساحة من الأرض التي يقيم عليها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة هي منحة من إسرائيل (أصحاب الأرض التي منحهم اياها الرب)، على الفلسطينيين أن يثبتوا ولائهم وجدارتهم وإلا سيعاقبوا.

      د- كيف يقارب الجيل الفلسطيني الحالياللحظة السياسية الراهنة؟

ينظر الجيل الحالي من القيادة الفلسطينية للحظة الراهنة كمحطة حاسمة، ستحكم ليس على صحة خياراته السياسية فحسب، بل ستحكم كذلك على مدى مساهمة قراراته ومواقفه لمواجهة إستعصاءات اللحظة في صناعة مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، وتحديد سلوك الأجيال القادمة من الفلسطينيين، ويؤمن هذا الجيل كذلك أنه سيكون لمواقفه وقراراته في اللحظة الراهنة بالغ الأثر في تحديد مستقبل الرؤية الأمريكية للمنطقة، فضلا عن أثرها في تحديد مصير عملية التسوية السياسية برمتها.

فمن حيث الرؤية الأمريكية للمنطقة، يؤمن هذا الجيل وعلى ضوء جملة المراسيم والإجراءات التي أصدرها الرئيس ترامب منذ توليه الرئاسة العام 2016، لا سيما رؤية صفقة القرن أن هذه الإجراءات قد نقلت الولايات المتحدة الأمريكية من موقع الإنحياز للرؤية الإسرائيلية للمنطقة الى موقع التماهي والشراكة الكاملة معها، الأمر الذي يجعل من المشروع التساؤل هل تدعم الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية هذا التحول؟

أما من حيث مصير عملية التسوية فقد بات واضحاً لأصغر الفلسطينيين سناً أن التسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين قد وصلت إلى نهايتها، أو على الأقل لم يعد حل الدولتين حلاً متاحاً أو ممكناً في المدى المنظور، إذ أصبحت التسوية وفقاً لرؤية الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية الحالية مسيرة لفرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني وليس مسيرة لتسوية الصراع تسوية عادلة.

ومن حيث صحة خيارات الجيل الحالي من القيادة على مدى العقود الأربعة الماضية، فإن فشل حل الدولتين، وإكتفاء الجيل الحالي بمجرد الرفض يصور وفقاً لتوصيف السيد أحمد  قريع جيل فلسطيني بأكمله من السياسيين والأكاديميين والمناضلين الذين انخرطوا بصدق في التسوية السياسية للصراع، "بأنه جيل متهور وعديم المسؤولية، ويلعب بأوراقه بإستخفاف، ويقامر على المجهول"، الأمر الذي كان له دوره في دفع هذا الجيل للخروج على أوسلو ووضع دولة فلسطين تحت الإحتلال في مواجهة دولة الإحتلال والإستعمار (إسرائيل).

أما من حيث مدى مساهمة هذا الجيل (وقبل مغادرته المشهد) في التأسيس لمسار كفاحي جديد تصنع من خلاله الأجيال القادمة مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني، فتتجلى في الرؤية التي تأسس عليها القرار الأخير.

وللمزيد يظهر تحليل مضمون القرار، وتكشف محاولة التعرف على المحركات التي تحرك الجيل الحالي من القيادة في صنع القرارات وتحديد السياسات والإستراتيجيات المصيرية الفلسطينية النقاط التالية:

- إنخرط الجيل المؤسس للمشروع الوطني الفلسطيني في مسيرة أوسلو لتحقيق تسوية عادلة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس قرارات الشرعية الدولية تضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة إسرائيل.

- وعلى الرغم مما تطلبه هذا الهدف من تحول في المطلب الوطني الفلسطيني، حيث تحول هذا المطلب من إقامة دولة فلسطينية تحل محل دولة إسرائيل، الى دولة تقوم بجانب إسرائيل، إلا أن هذا التحول حظي بتأييد الشعب الفلسطيني، والأهم أنه جعل من تحقيق قيام الدولة الموعودة المصدر الأساسي الذي يستمد منه هذا الجيل من القيادة شرعية قيادة الشعب الفلسطيني.

- تحويل مسيرة أوسلو بعد ثلاثة عقود على بدايتها من مسيرة لتحقيق تسوية عادلة للصراع الى مسيرة لفرض الإستسلام على الشعب الفلسطيني كما تجلى في رؤية صفقة القرن، الأمر الذي وضع هذا الجيل في مواجهة ثلاث خيارات :

الخيار الأول: الإنتقال من مربع التسوية لمربع المقاومة، (وهو خيار رغم مشروعيته، إلا أن فيه إستعجال وينطوي على مغامرة غير محسوبة وتغلب عليه الحماسة والرومانسية)

الخيار الثاني: الإعتراف بالفشل ومغادرة المشهد، (وهو خيار يخل من المسؤولية وينطوي على شعور باليأس وإعتراف بالهزيمة)

الخيار الثالث: الخروج الآمن على مسيرة الإستسلام دون مغادرة مربع التسوية السياسية للصراع، مع تحميل كل من أمريكا وإسرائيل مسوؤلية الإفشال، وفي نفس الوقت التأسيس لمسار كفاحي جديد تقرر الأجيال القادمة من الفلسطينيين مساراته وتطوراته.

- يظهر تحليل مضمون القرار أن القيادة قد إعتمدت الخيار الثالث، وفقاً لحسابات الربح والخسارة التي دأبت القيادة على إجرائها بدقة منذ صيف العام 2007 الذي شهد الإنقسام في الساحة الفلسطينية ثم بدء القيادة بتطوير إستراتيجية الخطوات السبع.

- وفيما يصطف الشعب الفلسطيني برمته خلف إعلان القيادة رفضها الإستسلام من خلال رفض صفقة القرن، وإعلانها في نفس الوقت الإستعداد لتحمل تبعات هذه الرفض، إلا أن فحص تأييده للخيارات المحددة سابقاً،يبين أن هذا التأييد يدور ما بين الخيارين الثالث والأول، الأمر الذي يعكس أن الشعب يدرك من جهة، ومستعدمن جهة أخرى لتحمل الصعوبات الناجمة عن كلا الخيارين، لا سيما وأن إعتماد أي من هذه الخياراتينطوي على إحتمالات قوية قد تؤدي الى إنهيار أجهزة الدولة تحت الإحتلال التي أصبحت المشغل الأكبر للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة مما سيضاعف من معاناة مئات آلاف العائلات الفلسطينية التي تعاني اصلاً من تردي أوضاعها المعيشية والإقتصادية نتيجة لإجراءات الإحتلال وتداعيات أزمة الكورونا التي لم تنهي بعد، لا سيما وأن هذه الأجهزة ستتوقف عن تقديم الخدمات للشعب الفلسطيني.

ويستند هذا الخيار إلى رؤية مفادها ايمان القيادة الحالية بأن إسرائيل لم يعد بواردها التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين، الأمر الذي يعني أن حل الدولتين على اساس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين لم يعد ممكناً في المدى المنظور، لا سيما بعد إنتقال الإدارة الأمريكية الحالية من موقع الإنحياز للرؤية الإسرائيلية إلى موقع التماهي والشراكة الكاملة معها.

وعلى الرغم من هذا التحول، إلا أن هذا الجيل يؤمن أنه إذا قدر لهذا الصراع أن يحسم فلن يكون ذلك إلا في ساحة التسوية السياسية، لا سيما وأن التسوية السياسية ليستخياراً فلسطينياً محضاً، بل هي خياراً دولياً، فضلاً عن أن حل الدولتين لا زال هو المشروع الوحيد المتوافق عليه دولياً على أوسع نطاق، الأمر الذي يعني أن تحول السلطة الى دولة ليست مصلحة فلسطينية فقط، بل هي مصلحة إسرائيلية وعربية وإقليمية ودولية، ولذلك فليس من الحكمة أن ينفض الفلسطينيون أيديهم من مسيرة التسوية ذاتياً، إنما تقتضي الحكمة عدم مغادرة ساحة التسوية والإستعداد لما بعد وقوف إسرائيل الإستعمارية العنصرية لوحدها في مواجهة العالم الذي إستثمر في التسوية كثيراً ولم يعد من السهل على إسرائيل إقناع الراي العام في هذا العالم أن الفلسطينيين هم من يرفضون التسوية، خاصة وأن الإدارة الأمريكية الحالية لن تبقى في البيت الأبيض للأبد

وتجدر الإشارة هنا أن هناك رؤية أخرى تنافس الرؤية السابقة في الساحة الفكرية والسياسية الفلسطينية، حيث تنادي هذه الرؤية بضرورة مغادرة ساحة التسوية السياسية والإنتقال لمربع المقاومة المسلحة، وعلى الرغم من مشروعية هذه الرؤية لا سيما في ظل تنكر الإحتلال الإسرائيلي لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، إلا أن هذه الورقة ترى أنالإنتقال السريع لمربع المقاومة فيه إستعجال وينطوي على مخاطر ربما ليس بمقدور الشعب الفلسطيني مواجتها في هذه اللحظة من الزمن.

ثالثا: الردود الدولية والإقليمية على الضم من جانب واحد

1- إقليميا

تباين رفض القوى الإقليمية لعزم إسرائيل على ضم مناطق من الضفة الغربية من جانب واحد، وكان موقف الأردن هو الموقف الأبرز في هذا الشأن، إذ لم يكتفي الأردن بالرفض فقط، بل أعلن على لسان جلالة الملك ورئيس الوزراء ووزير الخارجة، أنه سيتخذ مواقف حازمة إذا ما أعلنت إسرائيل من جانب واحد ضم منطقة غور الأردن لسيادتها بما في ذلك إعادة النظر في الإتفاقات الموقعة بين الطرفين.

2- دولياً

الأمم المتحدة: اعتبرت الأمم المتحدة خلال جلسة لمجلس الأمن عقدت في نهاية آيار/ مايو الماضي أن التهديد الإسرائيلي المستمر بضم أجزاء من الضفة الغربية يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي، ويوجه ضربة مدمرة لحل الدولتين.

و في ذات السياق اضاف المبعوث الأممي الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ميلادينوف أن إقدام إسرائيل على الضم من جانب واحد يغلق الباب  أمام تجديد المفاوضات ويهدد بنسف الجهود الدولية للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

الصين: أعرب مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة تشانغ جيون عن قلق الصين إزاء الخطة الإسرائيلية المزعومة لضم أراضي فلسطينية محتلة الأمر الذي تعتبره الصين مخالفاً للقانون الدولي  وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

روسيا: أكدت روسيا معارضتها لخطط إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية، وشددت على أن هذا الإجراء قد يقوض تسوية الصراع على أساس حل الدولتين، واضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن تطبيق خطة الضم المزعومة تقوض إقامة دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة.

الإتحاد الأوروبي: لم يكتفي الإتحاد الأوروبي برفض العزم الإسرائيلي بضم مناطق من الضفة الغربية من جانب واحد، بل هددت دول الإتحاد مجتمعة ومنفردة بفرض عقوبات إقتصادية على إسرائيل إذا ما أقدمت على خطوة الضم من جانب واحد.

من جهتها تأخذ إسرائيل هذه التهديات على محمل الجد لا سيما وأن الإتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول والأكبر لإسرائيل.

وفي هذا الشأن صرح وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن أن الضم سيكون بمثابة ضربة قاتلة لحل الدولتين كما أنه سيسهم في تفكيك النظام العالمي الذي تأسس على مجموعة من القوانين التي بنيت بعد الحرب العالمية الثانية، واضاف أسيلبورن أن الإتحاد الأوروبي سيواجه هذه الخطوة بفرض عقوبات على إسرائيل.

وكان زعماء كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا قد وجهوا في أواخر شهر مايو الماضي رسائل شخصية لرئيس الوزراء نتنياهو يحذرون فيها من ردات الفعل الدولية الغاضبة على إسرائيل إذا ما أقدمت على ضم أجزاء من الضفة الغربية من جانب واحد.

وفي سياق متصل كشف مراسل القناة 13 الإسرائيلية دافيد رافيد أن وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس سيزور تل ابيب يوم الأربعاء القادم لنقل رسالة تحذيرية ألمانية لإسرائيل بشأن الضم من جانب واحد، واضاف رافيد أن ألمانيا ستترأس كل من الإتحاد الأوروبي ومجلس الأمن في مطلع تموز/يوليو القادم.

ثالثاً: القراءة الإسرائيلية للقرار

  أ- القرار بعيون إسرائيلية

فيما لم يصدر عن إسرائيل أي رد فعل رسمي على القرار الفلسطيني، إلا أن الأوساط الإسرائيلية الإعلامية والأمنيةوالأكاديمية المتخصصة في دراسات الأمن القومي رأت في القرار إنذاراً فلسطينياً شديد اللهجة، مختلفاً عن الإنذارات السابقة التي كان الفلسطينيون قد وجهوها لإسرائيل، لا سيما فيما يخص التنسيق والتعاون الأمني.

وإعتبر البعض من المتخصصين بالأمن القومي الإسرائيلي القرار الفلسطيني بوقف التعاون الأمني كخطوة عملية أولىيُقدم عليها الفلسطينيون من قائمة طويلة للتهديدات بعيدة المدي للأمن القومي الإسرائيلي، الأمر الذي سيكون له يقيناًتداعياته السلبية على الأمن القومي الإسرائيلي، لا سيما وأن الجيش الإسرائيلي كان قد أعلن في العام 2017 أن التعاون الأمني مع الفلسطينيين قد أفشل ما نسبته 40% من الهجمات الفلسطينية على أهداف إسرائيلية.

وفي فحصها الدقيق للمقاصد الكامنة خلف الألفاظ التي وظفها القرار، رأت هذه الأوساط أن القرار يعتبر فرصة يمنحها الفلسطينيون لأطراف عربية ودولية وأمريكية لثني الحكومة الإسرائيلية عن عزمها على ضم أجزاء من الضفة الغربية لسيادتها من جانب واحد وفقاً لنصوص خطة الرئيس ترامب، وتضيف هذه الأوساط أن الفرصة الفلسطينية هذه المرة محددة بسقف زمني، إذ تنتهي في الأول من تموز/يوليو القادم الموعد المحدد لطرح موضوع الضم وفرض السيادةعلى الكنيست الإسرائيلي.

وللتأكيد على صحة ما ذهبت إليه هذه الأوساط، اشارت هذه الأوساط أن الفلسطينيين في قرارهم قد حرصوا أن لا يحرقوا الجسور في علاقاتهم مع إسرائيل والمجتمع الدولي، إذ أكدوا أن التحلل من الإتفاقات لا يعني الدعوة للعنف، كما أنهم لميشرعوا بتفكيك أجهزة الأمن بعد إصدار القرار، ولم يترك الوزراء مكاتبهم، ولم تغادر قيادة المنظمة المناطق الفلسطينية لتتخذ من الجزائر أو غيرها من العواصم العربية مقراً لها، كما أنهم لم يعلنوا التحرر من الإتفاقات مع الإتحاد الأوروبي، رغم أن هذا الأخير طرفاً في الإتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل، الأمر الذي يشير الىأن الفلسطينييين سيلجأوا لمثل هذه الخطوات إذا لم يلتقط المجتمع الدولي والعقلاء في كل من أمريكا وإسرائيل الفرصة المتضمنة في القرار الفلسطيني وأجبروا إسرائيل على التراجع والإنصياع للشرعية الدولية.

     ب- إسرائيل وفرض السيادة أو الضم .. تأييد واسع وإنقسام حول الإجراءات

أضاءت رؤية صفقة القرن الضوء الأخضر أمام إسرائيل لفرض سيادتها من جانب واحد على مناطق واسعة من الضفة الغربية، لا سيما منطقة غور الأردن والمناطق التي تقوم عليها المستوطنات، وفور كشف البيت الأبيض عن رؤيتهرحبت معظم القوى السياسية اليهودية في إسرائيل بالرؤية وإعتبرتها بمثابة العرض الأول الذي يقدم لإسرائيل من جهة دولية ويخدم مصالحها منذ بدء البحث عن حل سياسي للصراع في المنطقة، وذلك على الرغم من تضمن الرؤية دعوة للإعتراف بدولة فلسطينية فيما تبقي من مساحة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

من جهته حزب يمينة بزعامة نفتالي بينت ومجلس المستوطنات أعلنوا رفضهم إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من الضفة الغربية وفقاً لدعوة الرؤية، وكانت أيليت شكيد شريكة بينت في الحزب قد أعلنت "أن على إسرائيل العمل على ضم ما تبقى من الضفة الغربية لسيادتها في السنوات الأربع القادمة التي حددتها الرؤية للفلسطينيين للرد على ما ورد فيها.

أما حول تأييد المجتمع اليهودي في إسرائيل لفرض السيادةمن جانب واحد، فتظهر نتائج إستطلاع الرأي الذي نفذه معهد القدس للإستراتيجية والأمن أن ما نسبته 75% من المجتمع اليهودي في إسرائيل تؤيد ضم منطقة الأغوار، وما نسبته 64% تؤيد ضم مناطق المستوطنات.

ومقابل ذلك يكشف فحص ردود الأوساط السياسية والإعلامية والأكاديمية والأمنية في إسرائيل، أن هناك انقسام داخل هذه الأوساط حول الإجراءات والسياقات التي ينبغي أن تحكم عملية الضم.

فمن جهة يرى تيار اليمين النيوصهيوني بزعامة رئيس الوزراء نتنياهو، المهيمن على الحكم والساحتين الفكرية والسياسية في إسرائيل، أن اللحظة الراهنة تنطوي على نافذة من الفرص تسمح لإسرائيل بتنفيذ عملية الضم، ويجادل قادة ورموز هذا التيار أن هذه النافذة من الفرص لن تتكرر في المدى المنظور، الأمر الذي يوجب على الحكومة الشروع فوراً بإجراءات الضم، لا سيما وأن الحكومة الأخيرة تحظى بأغلبية برلمانية واسعة.

ومن جهة أخرى تعارض مؤسستي الجيش والأمن العام (الشاباك) ومعهم عدد لا يستهان به من جنرالات الجيش والمخابرات وخبراء الأمن القومي  في إسرائيل، فضلاً عن قوى سياسية (لا تحظى بدعم برلماني واسع مقابل تيار اليمين المهيمن)، إقدام إسرائيل على الضم من جانب واحد، حيث ترى هذه الأطراف أن إقدام إسرائيل على الضم من جانب واحد بدون اتفاق مع الفلسطينيين، أو على الأقل بدون محاولة إسرائيلية جادة للتوصل لإتفاق معهم، لن يحسن من وضع إسرائيل الإستراتيجي، فضلاً عن انه سيضعف من قدرة إسرائيل على مواجهة التحديات الإستراتيجية الآنية والمستقبلية، كما أنه سيقوض الأسس التي تقوم عليها إسرائيل كدولة يهودية، ديمقراطية، أخلاقية، آمنة، تسعى لتحقيق السلام مع جيرانها.

وفي هذا الشأن عللت مؤسستي الجيش والشاباك معارضتهما للضم من جانب واحد أو بدون إتفاق مع الفلسطينيين لأسباب ديبلوماسية واستراتيجية يمكن تلخيصها بالأسباب التالية:

- الآثار المباشرة التي سيتركها الضم على الشارع الأردني وتداعيات ذلك على اتفاقية السلام بين البلدين.

- ينطوي الضم على إحتمالات قوية للإنزلاق نحو الولة الواحدة، الأمر الذي يجعل من حل الدولتين حاجة وضمانة إستراتيجية لأمن إسرائيل ومستقبلها كوطن يهودي قومي وديمقراطي.

- الضم من جانب واحد سيقضي على إحتمالات التوصل لإتفاق سياسي مع الفلسطينيين في المستقبل.

- مساهمة الضم في انفجار موجة عارمة من الغضب في الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي سيضعف من استعدادات الجيش لمواجهة التهديدات على الجبهة الشمالية.

- مساهمة الضم في تعزيز رؤية حركة حماس في الساحة الفلسطينية، وتآكل الرؤية المؤيدة للتسوية السياسية للصراع في الساحة الفلسطينية.

وجادلت أوساط إسرائيلية متخصصة في أبحات الأمن القومي أن الضم من جانب واحد هو إجراء معادي للصهيونية ولا يخدم المقاصد النهائية للحركة الصهيونية بإقامة دولة يهودية ديمقراطية أخلاقية أمنة وذلك لأسباب سياسية وإقتصادية وأمنية وأخلاقية.

وعلى ضوء ذلك نصحت بعض هذه الأوساط خاصة معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، الحكومة الإسرائيلية الجديدة قبل الشروع بالضم بدعوة الفلسطينيين لطاولة المفاوضات على اساس مجموعة من المرجعيات بحيثتكون خطة الرئيس ترامب أحدها، وإذا ما واصل الفلسطينيون رفضهم مناقشة الخطة، فعلى الحكومة أن تعلن أن إسرائيل لن تبقى للأبد رهينة لرفض الفلسطينين مناقشة اتفاق مع إسرائيل، ثم تبدأ بعد ذلك بتنفيذ انفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد، حيث تضمن بذلك دعم وتأييد الرأي العام الإسرائيلي والدولي.

هل ستشرع الحكومة الإسرائيلية بالضم في الأول من تموز القادم، أم ستُجبر على التأجيل؟

على الرغم من الرفض الواسع لمبدأ الضم من جانب واحد على المستويين الدولي والإقليمي، وعلى الرغم من أهمية ووجاهة الأسباب التي تقدمت بها المؤسسات العسكرية والأمنية الإسرائلية في رفضها للضم من جانب واحد، وعلى الرغم من التقدير الإسرائيلي لعزم القيادة الفلسطينية على الذهاب في قرارها لآخر مدى بما في ذلك إنهيار مؤسسات الدولة، إلا أن موقف الإدارة الأمريكية الحالية يبقى العامل المؤثر الحاسم في تحديد موقف الحكومة الإسرائيلية.

وفي هذا الشأن يبدو أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك العقلاء في الجاليات اليهودية داخل وخارج إسرائيل، لا سيما الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية قد توصلت لإستنتاج مفاده أن إقدام إسرائيل على الضم من جانب واحد لن يؤدي الى إنهيار المؤسسات الفلسطينية فحسب، بل سيؤدي الى انهيار البنية التحتية لعملية التسوية السياسية للصراع التي بدأت أمريكا وغيرها من الأطراف الدولية الإستثمار فيها منذ نهاية حرب العام 1967، الأمر الذي سيصب في مصلحة الرؤية المناقضة للرؤية الأمريكية الإسرائيلية للمنطقة.

وعلى ضوء ذلك تواجه الحكومة في إسرائيل الخيارات التالية:

- عدم الإستجابة للضغوط والتحذيرات الداخلية والخارجيةوالمضي قدماً في فرض السيادة أو الضم حتى وإن لم يتوفر ضوء أخضر أمريكي.

- ولكن في هذه الحالة لن يكون الضم على مساحة واسعة كما دعت اليه صفقة القرن أي ما مساحته 30% من مساحة الضفة، الأمر الذي يعني تنفيذ الضم على مراحل على أن تبدأ المرحلة الأولى بفرض السيادة على منطقتي غوش عتصيون ومنطقة أرائيل باعتبارهما أكبر تجمع للمستوطنات.

- تطوير خطاب إعلامي يستهدف الداخل اليهودي والرأي العام العالمي يظهر أن إسرائيل وهي تنفذ هذا الخيار قد إستجابت للضغوط والتحذيرات واقتصرت الضم على أصغر مساحة ممكنة شريطة ممارسة ضغط إقليمي ودولي على الفلسطينيين لدفعهم للتفاوض على أساسرؤية صفقة القرن، لا سيما وأن الفلسطينيون قد أظهروا خلال جولات المفاوضات السابقة عدم معارضتهم لضم هذه المناطق ضمن مبدأ تبادل الأراضي.

- الإستجابة للضغوط والتحذيرات الداخلية والخارجية وتأجيل النظر في موضوعة الضم.

من جهتها ترى هذه الورقة أن الخيارات الثلاثة الأولى هي الخيارات الأكثر إحتمالاً للحدوث، الأمر الذي يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تحرص أن تبدو وكأنها تستجيب من جهة للضغوط والتحذيرات الخارجية والداخلية ومصممة من جهة أخرى على تنفيذ رؤية صفقة القرن

ماذا بعد الأول من تموز القادم؟

تشهد المنطقة نشاطاً ديبلوماسيا نشطاً منذ التاسع عشر من مايو/ايار الماضي، لغايات منع إسرائيل من تنفيذ مخطط ضم واسع لأجزاء من الضفة الغربية من جانب واحد، ومن المتوقع أن يزداد هذا النشاط بعد الأول من تموز القادم ولكن هذه المرة لغايات إعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لطاولة المفاوضات.

وفي هذا الشأن من المتوقع أن يدعو أحد أطراف الرباعية الدولية بعد الأول من تموز القادم إلى عقد مؤتمر دولي مصغر على شاكلة الدعوة الروسية التي تسربت للإعلام مؤخراً، وهناك إحتمالين، الأول أن يعقد هذا المؤتمر قبل نوفمبر القادم، الموعد المحدد لإجراء الإنتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني أن يعقد في بداية العام 2021 اي بعد ظهور نتائج الإنتخابات الأمريكية، ويتضمن الإحتمال الأخير إحتمالين، الأول نجاح الرئيس ترامب لفترة رئاسية ثانية، والثاني نجاح المرشح الديمقراطي جو بايدن.

ما مدى إستجابة التطورات الجارية إقليميا وإسرائيليا ودوليا للمعايير الفلسطينية؟

تضمن البند السادس من قرار التاسع عشر من مايو/ايار الماضي مجموعة من المعايير الفلسطينية للإنخراط في جولة جيدة من المفاوضات لغايات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويمكن تلخيص هذه المعايير بالتالي:

- أن تجري المفاوضات برعاية دولية (الرباعية الدولية +) وليس برعاية أمريكية منفردة.

- أن تبدأ المفاوضات من خلال مؤتمر دولي للسلام.

- أن تجري المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين.

وتظهر مقارنة الخيارات الإسرائيلية المحتملة وسيناريوهات الدعوة لمؤتمر دولي للسلام وكذلك احتمالات نتائج الإنتخابات الأمريكية المتوقعة مع المعايير الفلسطينية، أن استجابة التطورات الإقليمية والدولية لهذه المعايير لا زالت خجولة ولم ترتقي بعد الى مستوى المعايير الفلسطينية، الأمر الذي يعني أن الخيار الأمثل أمام الفلسطينين هو الذهاب بقرارهم إلى اخر مدى ممكن والإستعداد لليوم التالي للإنهيار.

التهديدات التي تواجه الإستراتيجية الفلسطينية

تضع الإستراتيجية الفلسطينية التي كشف القرار الأخير عن مضمونها كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية والمجتمع الدولي أمام مسؤولياتهم في تحديد مصير مسيرة التسوية في الشرق الأوسط وتحديد مكانة القواعد والقوانين الدولية في العلاقات بين الدول، الأمر الذي سيدفع هذه الأطراف لممارسة كل أنواع الضغوطات لمنع الفلسطينيين من مواصلة تنفيذ إستراتيجيتهم، وفيما ينطوي ذلك على تهديدات متعددة للفلسطينيين، إلا أن هذه الورقة ترى أن التهديدات الأخطر للإستراتيجية الفلسطينية تأتي من الداخل الفلسطيني، إذ لا زالت هذه الإستراتيجية غير واضحة لعامة الشعب الفلسطيني، كما لا زال الفلسطينيون لم يبدأوا بالتعديلات والتغيرات المطلوبة في وضع نماذج جاذبة وغير منفرة في قيادة تنفيذ هذه الإستراتيجية.

في النهاية تبقى هذه الورقة مجرد ورقة تحليلية نصيبها من الصواب ربما يوازي نصيبها من الخطأ، إلا أنها تثير جملة من الأسئلة المقلقة التي تنتظر أجابة من كل من يبتغي مستقبل أفضل.