نشر اللواء فؤاد البلبيسي، واسمه الحركيّ موريس، وهو مُقاتِل من طائفة المقاومة من رعيل قوات العاصفة والقطاع الغربيّ، والذي عاش سنوات طويلة مع القائد أبو جهاد الوزير تفاصيل جديدةً عن معركة (السلطان يعقوب)، التي لم تأخذ نصيبها من الإعلام، وهي التي أدمت الجيش الإسرائيليّ عندما وجد نفسها معزولاً ومُحاصرًا حين خاض الفدائيين الفلسطينيين والسوريون واللبنانيين المعركة عام 82 وأسفرت عن قتل 30 ضابطًا وجنديًا إسرائيليًا، كما جرح المئات وتمّ أسر أربعة وتدمير عشرات الدبابات وعدد من العربات واستيلاء الجيش السوري والقوات المشتركة على 8 دبابات وفقد العدو ثلاثة جثث، وهنا ننقل تفاصيل بلسان كبار ضباط العدوّ أنفسهم عن الكمائن القاتلة التي وقعوا فيها، بعد أربعة أيام من بداية الاجتياح الإسرائيلي للبنان أوْ ما يسمى إسرائيليًا (بعملية سلام الجليل).
ووفقًا للواء البلبيسي كانت معركة منطقة عين السلطان (بالبقاع) في بقعة ضيقة احتشدت مئات الدبابات السورية وبشكل متقارب مع الدبابات الإسرائيلية ذالك الذي افقد سلاح الجو الإسرائيلي قدرته على التدخل من استطاع متابعة المعركة من أعالي الجبال كان سيفاجئ من غزارة النيران وكأن جهنم فتحت أبوابها آلاف الجنود السوريين الغاضبين والفدائيين الفلسطينيين كانوا في التحام مباشر يتسلقون منصات الدبابات ويفجرونها والجنود الصهاينة يخلون دباباتهم ويلوذون بالفرار، كانت معركة مشابهة لمعركة الكرامة.
ولفت إلى أنّه لم يكن المعدن يُواجِه المعدن بل كان كما قال موريس درايبر مساعد فيليب حبيب، إنّ الإسرائيليين أوّل من اعترفوا أنّ السوريين والفلسطينيين ابلوا بلاءً حسنًا، أرادت القيادة العسكريّة الإسرائيليّة السيطرة على طريق دمشق بيروت، إلّا أنّ قيادة الجيش قالت لرئيس الوزراء آنذاك، مناحيم بيغن، إنّها منيت بخسائر فادحةٍ جدًا.
وقد وصف ضابط الاستخبارات المُلقّب بـ”عيرون” ما جرى بقوله: “لم تكن تلك معركة، بل مطحنة حيث رغبنا فقط بالخروج من المكان على قيد الحياة، خرجنا من نار جهنم”، وقال ضابط آخر إنّ معركة الشجاعية بغزة تشبه عملية السلطان يعقوب وروى الضابط تفاصيل ميدانية حول المعركة وهو الذي خدم في سلاح المدفعية، وقال: إنّه سمع صراخ قادة فرق “غولاني” المتواجدين في منطقة الشجاعية عبر اللاسلكي وهم يقولون إنّه تمّت مهاجمتهم بوابل من الصواريخ المضادة للدروع ونيران القناصة ونيران من أسلحة خفيفة، بالإضافة لقذائف الهاون من عدة اتجاهات، لافتًا إلى أنّ الجنود لم ينجحوا في تشخيص مصادر النيران، وأنّه يعتقد بأنّ مجموعات القوات المشتركة الفلسطينية بدأت في الهجوم على القوات بشكل متزامن ومن كل الاتجاهات، مُضيفًا: إنّه بعد أنْ علِم مصدر النيران أصدر أمرًا بانسحاب القوات، واعتبر أن هذا الانسحاب أنقذ حياة الكثير من الجنود حيث انسحبت كامل قوات “غولاني” للوراء، طبقًا لأقواله.
ولفت الضابط إلى أنّ المرّة الأخيرة التي استخدم فيها الجيش كلّ هذا الكم الهائل من القذائف في فترة قصيرة كان خلال عملية “السلطان يعقوب” في حرب لبنان الأولى عام 1982 حيث انتهت تلك المعركة بالكثير من الخسائر البشرية للجيش مع عدد كبير من الجرحى والأسرى.
وخلال معركة (السلطان يعقوب)، تابع اللواء البلبيسي، أدركت قيادة الفرقة الإسرائيلية صعوبة الموقف عندما قال ضابط العمليات في الكتيبة لقائد الفرقة، إنّ الإمكانيات التي بقيت: هي الاستسلام، أوْ الانتحار، أوْ الانسحاب)، وقال الضابط (آفي راط)، بكيناهم ونحن نرقص لأننّا عرفنا أننّا نرقص بفضل أولئك الذين ماتوا، وكانت تلك أنشودة صعبة ونابعة من أعماق القلب الحرب بدأت بالرقص وانتهت بالرقص.
وتابع: لقد عبّر ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي عن كذب الحكومة بشأن الخسائر الحقيقية عندما قال لمجلة (هاعولام هازيه) العبريّة في شهر تموز 1982: لا تستمعوا أبدًا لما يقوله الناطق العسكري الإسرائيليّ فكلّ بياناته كاذبة وليست دقيقة )، وتابع إنّ الناطق العسكري هذا يجلس في مكتبه خلف الطاولة، ولا يعلم حقيقة ما يجري في الساحة ولا يجرؤ على الحديث بصدق بسبب الأوامر و الضغوط الصادرة له، لقد اختلقوا الأكاذيب والتضليل من أجل غزو لبنان، على حدّ قوله.
بالعودة لتوصيف المعركة: شوهد الجنود الإسرائيليون يتركون دباباتهم ويهربون
وأشار إلى أنّ أبو ناصر أبو غربية وهو من المناضلين الصلبين أصحاب الفكر المقاوم، كتب قائلاً كنت حينها في البقاع مع كتيبتي الدفاع الجوي والكتيبة الثانية للمدفعية وكنت المفوض السياسي لكتائب المدفعية والدفاع الجوي كتيبتي الجليل ونسور العرقوب في البقاع وقاتلا جنبًا إلى جنب مع قوات الجيش السوري في السلطان يعقوب، وقد تفاجأ العدو بلواء دبابات سوري ت.72 اصطدم بدباباتهم ودمر معظم دبابات العدو وآلياته وكانت هزيمة نكراء كما اعترفت بذلك قياداتهم الميدانية.
وخلُص اللواء البلبيسي، قائلاً إنّ معركة السلطان يعقوب أوْ بيادر العدس، هي إحدى المعارك المشرفة مثل معركة الكرامة التي استبسل بها الجيش العربي الأردني والفدائيين، ومثل معركة محور خلدة وقلعة الشقيف والجرمق والدامور وزلزال بيروت ومعارك خلف خطوط العدوّ، تلك المعارك المشرفة شكلت تاريخًا بالشرف العسكريّ، على حدّ تعبيره. وخلُص إلى القول: تحية لكلّ الذين قاتلوا واستبسلوا معًا في مواجهة العدو الإسرائيلي وامتزج دمهم نصرةً للحقّ العربي في (بلاد الشام التاريخية)، على حدّ قوله.