اعتبر الفيلسوف الأمريكي البارز نعوم شومسكي، أن الولايات المتحدة تتجه نحو الكارثة، نتيجة افتقادها لاستراتيجية اتحادية في مواجهة وباء كوفيد-19 وعدم وجود ضمان صحي للجميع فيها.
وفي معرض تحليله للوضع في الولايات المتحدة كونها الدولة الأكثر تضررا بفيروس كورونا، قال شومسكي البالغ 91 عاما، إن البلاد تفتقر إلى "إدارة متماسكة"، حيث "يقود البيت الأبيض شخص معتل اجتماعيا مصاب بجنون العظمة، لا يكترث إلا لسلطته والاستحقاقات الانتخابية. عليه بالتأكيد أن يحافظ على دعم قاعدته، التي تضم الثروات الكبرى وأبرز أرباب العمل".
وأضاف شومسكي في حوار مع وكالة "فرانس برس": "منذ وصوله إلى السلطة، فكك ترامب آلية الوقاية من الأوبئة كاملة، فاقتطع من تمويل مراكز الوقاية من الأوبئة، وألغى برامج التعاون مع العلماء الصينيين الهادفة لتحديد الفيروسات المحتملة. الولايات المتحدة كانت غير مهيأة بشكل خاص".
وأوضح أن المجتمع الأمريكي مجتمع مخصخص، غني جدا، لديه ميزات كبرى، لكن تهمين عليه المصالح الخاصة. لا يوجد نظام صحي للجميع، وهو أمر شديد الأهمية اليوم. هذا ما يمكن وصفة بالنظام النيوليبرالي بامتياز.
واعتبر شومسكي، صاحب مئات المؤلفات والأستاذ في جامعة أريزونا، أن "أوروبا أسوأ من نواح عديدة، في ظل برامج تقشف تزيد من مستوى الخطر، والهجمات ضد الديمقراطية، ونقل القرارات إلى بروكسل وبيروقراطية الترويكا غير المنتخبة (المفوضية الأوروبية، البنك المركزي الأوروبي، صندوق النقد الدولي)"، لكنه أردف أنها "تملك على الأقل بقايا هيكل اجتماعي ديموقراطي يؤمن قدرا من الدعم، وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة".
وحذر شومسكي من وجود تهديد أخطر من وباء كورونا، وقال إننا "سنخرج من هذا الوباء مقابل ثمن عال جدا"، لكننا "لن نتعافى أبدا من ذوبان الغطاء الجليدي في القطبين، وارتفاع منسوب البحار، والآثار الأخرى السلبية للتغير المناخي".
وتابع أن "الولايات المتحدة.. تتوجه مسرعة نحو الهاوية، عبر إلغاء البرامج والتشريعات التي من شأنها التخفيف من وطأة الكارثة".
وردا على سؤال عن المخاوف من دخول البشرية حقبة جديدة من الرقابة الرقمية مع اعتماد العديد من الدول التكنولوجيا لمراقبة السكان من أجل مكافحة كورونا، قال شومسكي إن التطور التكنولوجي أمر عملي، لكن ذهاب المعلومات "إلى غوغل وفيسبوك والحكومة يعطي إمكانية هائلة للمراقبة والرصد".
وحذر من أنه "إذا تركنا هذه الشركات التكنولوجية العملاقة تسيطر على حياتنا، هذا ما سيحصل. وسيكون الأمر مشابها لما هو قائم في الصين، حيث يوجد أنظمة رصد اجتماعية، وتقنية التعرف على الوجه في كل مكان. كل ما تقومون به مراقب. إذا عبرتم في المكان الخطأ، يمكن أن تخسروا أرصدة".
من هو نعومي تشومسكي؟
مفكر وكاتب وأكاديمي وسياسي أميركي؛ يعد من أبرز مثقفي العالم، واشتهر بنقده الحاد لما يسميه "الليبرالية المتوحشة" وللسياسة الخارجية لحكومات بلاده، وخاصة تدخلاتها العسكرية منذ الثلث الأخير من القرن العشرين.
نشأ مع أخيه في بيئة يهودية وتعلم اللغة العبرية التي كان والده يدرّسها، وشهد نقاشات داخلية بين أفراد أسرته حول نظرية الصهيونية السياسية. تزوج مرتين وله ثلاث أولاد.
كما نال شهادة الماجستير عام 1951 بأطروحته "الصيغ الصرفية في العبرية"، والدكتوراه في اللغويات من نفس الجامعة 1955.
كان صهيونيا في بداية حياته، لكن "صهيونيته كانت من النوع الذي يريد صاحبها قيام دولة اشتراكية في إسرائيل، يعمل فيها اليهود والعرب جنبا إلى جنب على قدم المساواة". ثم اتهمته لاحقا الأوساط الصهيونية بمعاداة السامية لأنه دافع عن حق أستاذ جامعي فرنسي في حرية التعبير دفاعا عن حقوق الفلسطينيين، وهو الدفاع الذي ما فتئ تشومسكي يمارسه منذ عقود.
أصبح عام 1961 أستاذا في قسم اللغات الحديثة واللسانيات بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا. وحصل خلال 1966-1976 على لقب أستاذ فخري للغات الحديثة واللسانيات، ثم عُين عام 1976 برتبة بروفيسور في هذا المعهد الذي منحه وظيفة أستاذ فيه مدى الحياة.
وفي المجال السياسي؛ اهتم تشومسكي مبكرا بالفلسفة الفوضوية وتوسع في انتقاد الرأسمالية الليبرالية والدعاية في وسائل الإعلام إضافة إلى السياسة الخارجية الأميركية، ولذلك فإنه لا يتردد في وصف نفسه بـ"النقابي الفوضوي، والليبرالي الاشتراكي".
ساند حركة الطلاب الاحتجاجية عام 1968، واعتقل عدة مرات حيث أدرجه الرئيس الأميركي آنذاك ريتشارد نيكسون ضمن لائحة "أعداء البلاد". كما اشتهر عام 1967 بمعارضته للتورط العسكري الأميركي في فيتنام من خلال مقالته "مسؤولية المثقفين" فصُنف ضمن "اليسار الجديد".
ويقول إن الولايات المتحدة تخشى قيام أية ديمقراطية حقيقية في المنطقة العربية، خاصة مع اندلاع ثورات الربيع العربي وتداعي قوى هيمنتها على العالم.
زار تشومسكي قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012 تضامنا مع أهله المحاصرين، وهو يؤكد على الدوام أن إسرائيل تنتهج سياسات من شأنها زيادة المخاطر المحدقة بها إلى أقصى حد، "فهي سياسات تختار التوسع على حساب الأمن، وتقود إلى انحطاطها الأخلاقي وعزلتها ونزع الشرعية عنها، الأمر الذي سيؤدي إلى دمارها في نهاية المطاف، وهذا أمر غير مستحيل".
وأصدر عام 1969 أول كتاب سياسي بعنوان "سلطة أميركا والبيروقراطيين الجدد"، إضافة إلى كتبه: "حياة منشق"، و"الحادي عشر من سبتمبر"، و"هيمنة الإعلام"، و"القوة والإرهاب".
وفي عام 2010 حصل على جائزتين هما: "جائزة إريك فروم" في شتوتغارت بألمانيا، وأخرى من جامعة ويسكونسن تقديرا لإسهاماته النقدية، وأصبح بذلك العالم الثالث الذي يُمنح هذه الجائزة.
صُنف في استطلاع للرأي قام به الفيلسوف الأميركي بريان ليتر في المرتبة العاشرة ضمن أهم الفلاسفة في العالم الناطقين بالإنجليزية خلال 1945-2000.
وتلقى عام 2008 الميدالية الرئاسية من الجامعة الوطنية لإيرلندا بمدينة غالوي. كما حصل تشومسكي على درجات فخرية من نحو 39 جامعة عالمية من داخل أميركا وخارجها، إضافة إلى عضويته في عدة أكاديميات علمية أميركية ودولية.