رأت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ أنّ قلة الرغبة والقدرة لدى القيادتين الفلسطينيتين (السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة) لوضع العلاقات بينهما على أسس معقولة، حتى مع الإصابة بالفيروس التاجي عمّقت الانقسام بين الكيانين، ومع ذلك، فقد نجحوا على ما يبدو في الاستجابة بفعالية لتفشي الفيروس التاجي، ويبدو أنّ أفعالهم عززت ثقة الجمهور فيهما، وفي الوقت نفسه، أصبحت الساحة الفلسطينية مدركة بشكلٍ متزايدٍ لضرورة التنسيق مع إسرائيل واعتمادها على المساعدات الإسرائيلية واضح، وقد تم توسيع درجة من الشرعية للتعاون مع إسرائيل، إذْ ولّدت الأزمة أيضًا فرصة لتحقيق ترتيب وقف إطلاق نار طويل الأمد بين إسرائيل وحماس.
وتابعت أنّ القضية الأساسية التي تواجه الحكومة الجديدة في الساحة الفلسطينية هي تطبيق السيادة الإسرائيلية على الأراضي في الضفة الغربية، أيْ الضم، وهو مدرج في اتفاقية الائتلاف للحكومة القادمة، ومن المتوقع أنْ يؤدّي التقدم نحو الضمّ إلى دفع سلسلة من الأحداث المهمة ذات العواقب السلبية لإسرائيل، عبر إنهاء التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية، وانهيار السلطة الفلسطينية (أو رفضها للمسؤولية)، وتولي المسؤولية عن 2.5 مليون فلسطيني من قبل إسرائيل إذا كان الضمّ على نطاق واسع، وتخصيص الموارد الوطنية للضم على حساب الانتعاش الاقتصاديّ الإسرائيليّ.
وبشكل أعم، شدّدّت الدراسة على أنّ دعم “طريق المقاومة” المحدد مع حماس وإضعاف “مسار التفاوض” مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وقد تؤدي إجراءات الضم إلى إنشاء حدود دفاعية طويلة جدًا، ومنع المفاوضات المستقبلية، ويمكن أنْ تؤدي أيضًا إلى زيادة الاعتراف الدولي بمطالبات الفلسطينيين.
ولفتت إلى أنّ خطرًا كبيرًا آخر ينطوي على علاقات إسرائيل مع مصر والأردن، والرد الأردنيّ على الضمّ من شأنه أنْ يكون له تأثير سلبيّ على التعاون نحو حماية أطول حدود إسرائيل، وحتى على معاهدة السلام، وعواقب ممكنة مماثلة على العلاقات مع مصر، وبخلاف رئيس الولايات المتحدة الحالي، الذي يؤيد الإجراء، يبدو أنّه لن يعترف أيّ طرفٍ آخر في العالم أو الشرق الأوسط بالأراضي التي سيتّم ضمّها كجزءٍ من إسرائيل، بينما قد تعترف بعض الأطراف بحقوق الفلسطينيين في دولة في كل الضفة الغربية.
في هذه الظروف، أوضحت الدراسة، التوصية الواضحة للحكومة الجديدة هي الامتناع عن إجراءات الضمّ الأحادية في الضفة الغربية، لافتةً إلى أنّه يتعيَّن على إسرائيل رفع مستوى إجراءاتها في جانبين، بينما تديم الفصل بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة.
على الصعيد السياسي، أردفت الدراسة، يجب على إسرائيل تقوية السلطة الفلسطينية باعتبارها الطرف الشرعي الوحيد لتسوية مستقبلية وتشديد العلاقات معها، مع الاعتراف بأفعالها المسؤولة والناجحة في التعامل مع الوباء، وفي المدى القريب، ينبغي مساعدة السلطة الفلسطينية على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بسبب أزمة فيروس كورونا، ويجب على إسرائيل الإفراج عن المدفوعات المؤجلة، وإمداد الكهرباء والمياه، وتوسيع نطاق توظيف العمال من السلطة الفلسطينية، وإذا استمرت السلطة الفلسطينية في رفضها العودة إلى طاولة المفاوضات ومناقشة التسوية التي تعتبر أيضًا خطة ترامب، وليس كإجراءٍ أحاديٍّ، فمن المستحسن اتخاذ إجراءات لفصل إسرائيل عن الفلسطينيين في الضفة الغربية وفقًا لخطة نشرها مركز أبحاث الأمن القوميّ، وذلك في إطارٍ أمنيٍّ سياسيٍّ للساحة الإسرائيلية-الفلسطينيّة.
وتابعت قائلةً إنّه يجب بذل جهدٍ للاتفاق على وقف إطلاق نار طويل الأمد مع حماس في قطاع غزة، بعد الإفراج عن سجناء أمنيين محتجزين في إسرائيل ولكنهم منفصلون عنه مقابل عودة المدنيين الإسرائيليين وجثث الجنود الذين تحتجزهم حماس، ويجب أنْ يتضمن هذا الترتيب أيضًا آلية لتقييد القوّة العسكريّة لحماس، وفي حالة نشوب صراع مع حماس، يجب أنْ تركز حملة “جيش الدفاع الإسرائيليّ” على إلحاق ضرر بالغ بالذراع العسكري للمنظمة.
واعتبرت أنّ وباء الفيروس التاجي زاد من الأزمة السياسية الطويلة في إسرائيل بأزمة صحية واقتصادية واجتماعية جديدة، وعلى هذا النحو، يشكل صدمة عميقة لأسس الأمن القومي بالمعنى الواسع، ومن المحتمل أنْ تكون للأزمة عواقب وخيمة في المجال الداخلي، بما في ذلك توسيع الفجوات الاجتماعية والاقتصادية، وتفاقم الخلافات الاجتماعية، وإلحاق الضرر بالصمود الوطني، وتم تشكيل الحكومة الجديدة لتلعب دورًا مهمًا للغاية في الإدارة المستمرة للأزمة وإستراتيجية الخروج، وستؤثر ثقة الجمهور في الحكومة، ومستوى التضامن الاجتماعي، ومدى الامتثال العام للقواعد التي وضعتها السلطات، على وتيرة خروج إسرائيل من الأزمة، مُضيفةً أنّه يجب دراسة مدى استعداد البلاد لإدارة الأزمة بشكل شامل من أجل استخلاص الدروس للمستقبل.
تشير الأزمة إلى الحاجة إلى نظام وطني خاص لإدارة الأزمات، والذي يجب أن يشمل الآليات القائمة، ويحدد الروابط بين هذه الآليات، ويرتكز في التشريعات. يجب أن تعطي الأجندة الوطنية، بما في ذلك ميزانية الدولة، أولوية واضحة للمجال المدني في العام المقبل: الصحة والتوظيف والتعليم والرعاية الاجتماعية. يتألف جوهر مهمة الحكومة الجديدة من التعامل مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، مع إعطاء الأولوية لمحركات النمو ومساعدة الفئات المحرومة والطبقة الوسطى. يجب السعي وراء فرص تقريب القطاعين العربي والأرثوذكسي من مجموعات الأغلبية السكانية. بشكل أعم، يجب اتخاذ إجراءات لرأب الصدع والشقوق المتفاقمة بين الجمهور الإسرائيليّ.
يجب صياغة خطة متعددة السنوات “لجيش الدفاع الإسرائيلي” ووضع ميزانية لها، وتكييفها مع قيود الميزانية المتوقعة، بالإضافة إلى ذلك، يجب تطبيق برنامج المشتريات الذي يستخدم أموال المساعدات الأمريكية بالعملة الأجنبية (التي تأخرت لمدة عامين) و تعزز الظروف الحالية الحاجة – كجزء من الخطة متعددة السنوات ومن منظور وطني شامل – لمواصلة تطوير الخطاب حول مفاهيم النجاح والنصر في العصر الحالي.
مُلاحظة: نشرنا يوم أمس الـ14.05.20 في (رأي اليوم) الحلقة الأولى من دراسة معهد الأمن القوميّ الإسرائيليّ، وهنا نحن ننشُر اليوم الجمعة الحلقة الثانيّة، لافتين في الوقت عينه إلى أننّا سنقوم بنشر الحلقة الثالثة والأخيرة يوم غدٍ السبت الـ16.05.20.