منذ تاريخِ اللحظة، بات لبنان في طولهِ وعرضهِ يخضع للإدارة الأميركية الذاتية. القائلون بفارسية لبنان وأنّه محكومٌ من جانب طهران من خلال حزب الله عليهم أن يعيدوا النظر في اتهاماتهم، فلو كان لبنان كذلك لما سُمِحَ لعميلٍ إسرائيليّ ذائع الصيت مثل عامر الفاخوري بالخروج من السجن ولمروحية أميركية من أن تهبطَ في باحة السفارة في عوكر وتقوم بإجلائه على مرأى من حطام الدولة. حسب تقرير نشره موقع "ليبانون ديبايت". يوم الجمعة، بعد قيام أمريكا بنقل العميل عامر فاخوري من بيروت بطائرة هليكوبتر.
وأضاف الموقع اللبناني، "ببساطةٍ، ما جرى منذ نهاية الأسبوع الماضي سطّر ورقة نعوة الدولة بكل ما فيها وأثبتَ بالوجهِ القاطع أن ما من كلامٍ يعلو فوق الكلام الأميركي في بيروت، حتى حزب الله الذي يحمل لواء مواجهة "الشيطان الأكبر" محليًا ثمة حدود لخطابه وتصرفاته. هو يعلم أكثر من غيره أن الاميركي متغلغلٌ في صفوفِ الدولة ولا يستطيع لا الحزب ولا غيره كفّ الجنوحِ الأميركي طالما أنّه ينمو وينشأ على أطرافِ بعضِ الزملاءِ في الدولة".
وأشار الى أن "هناك جزءٌ يسيرٌ في الداخل يوجه الانتقاد إلى حزب الله لجحوده في مقارعة الأميركي محليًا وإفساح المجال أمام إخلاء سبيل الفاخوري بقرارٍ مصدره المحكمة العسكرية الدائمة من دون أن ينتبهَ هذا الطرف إلى أنّ الحزب لا هو الدولة ولا حاكمها وحدود تدخله في مساراتها مضبوطٌ خلافًا لكلّ ما يُقال، فهل كان على حزب الله إسقاط المروحية الأميركية التي هبطت في عوكر يوم الخميس لكي يثبت أنه ضد الاملاءات الأميركية؟ وهل كان يفترض الطلب اليه قتل الفاخوري ليثبت وجهة نظره القائلة برفض إطلاق سراحه؟"
وتطرق الى "الحديث منذ أن صدر قرار المحكمة العسكرية يدور حول صفقة "مثلثة الاضلع" عقدت بين حزب الله والجانب السياسي اللبناني مع الحكومة الأميركية وقيل أنها تأتي من أجل إخلاء سبيل محتجزين لبنانيين في السجون الأميركية لكن أيًا من القائلين بذلك لم يقدم مجرّد إثباتٍ واحدٍ على كلامهِ، ثم أنّ المصادر اللبنانية ترقي هذا الكلام إلى مستوى الهراء".
ويضيف الموقع، "وأصلاً الأميركي ليس بحاجة إلى عقدِ صفقةٍ مع الجانب اللبناني لإخلاء سبيل الفاخوري أو غيره لكونه يستطيع تأمين أهدافه ببساطة وسهولة ومن دون بذل أدنى جهد يذكر من خلال اللعب على وتر الضعف اللبناني أو اعتماد سياسة التهديد والترويع في بلدٍ يعيش على "صوصِ العقوبات" فيستطيع أخذ ما يريد وسوق الجميع في طابور واحد من دون تكبد الأثمان.."
ويكشف التقرير، "قبل الفاخوري، أخذ الأميركي في السياسة ويستمر في الآخذ مجانًا. قال ممنوع التعاون في أي مجال مع إيران فـ"طأطأنا" الرؤوس وقلنا "أمرك سيدي". أفتى بحرمة الإتفاق مع الروسي فسلّمنا له وأحلنا القضية والاتفاقية على "جبانةِ القوانين" حيث الداخل مفقودٌ والخارج مولودٌ، والآن يسقط الحُرم على الشركات الأوروبية لمنعها من العمل في المجال اللبناني ولا أحد ينبس ببنت شفة".
وأشار "وفي الحديث عن الصفقات كان الأميركي أول من رفض أي إمكانية لإبرام صفقة تبادل محتملة لإطلاق سراح رجل الأعمال قاسم تاج الدين، رغم كل الجهود التي بذلها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فالنهج الأميركي كان ومازال "لا صفقة مدفوعة الثمن مع دولة نستطيع أن نأخذ منها مجانًا". خلاصة التفكير الأميركي حيال لبنان."
وقال "المشكلة راهنًا في لبنان والتي أتاحت إخلاء سبيل العميل الفاخوري تبدأ بالنصوص ولا شيء آخر غير النصوص، تمامًا كما في مسألة تحليق الطائرة الأميركية فوق عوكر وهبوطها في باحة السفارة ثم إقلاعها من هناك. النصوص دائمًا هي المشكلة، فكما في الأولى النصّ ملتبس ومفقود في الحالة الثانية ايضًا، هذه تتحمّل مسؤوليتها الحكومات المتعاقبة وتلك ايضًا، لا يعني إتهام الجيش اللبناني في هذا المقام بشيء. الجيش مجرد أداةٍ تنفيذيةٍ لتطبيق المعاهدات السياسية التي تبرمها الحكومة (أو الحكومات) لا أكثر ولا أقل".
يتجاهل هذا البعض أن هناك اتفاقيات ومعاهدات مبرمة بين الحكومتين اللبنانية والأميركية تنص على التعاون في المجالات العسكرية والأمنية، لذا فالجيش مرغمٌ على تطبيق بنودِ المعاهدات كما جرى التوقيع عليها حتى ولو كان معترضًا، وهنا يقع الدور على الحكومة في تعديل أية مواد أو تجميد العمل بأخرى تجدها مجحفة بحقها، أو في حال وجدت أن ما اقدمت عليه واشنطن من تدخل في مسار القضاء أو تحليق طائرة يمس السيادة اللبنانية ويخرج عن تلك الاتفاقيات.
المصادر المطلعة على موقف الجيش تستغرب كل الضجة المثارة حول موضوع هبوط الطائرة، مشيرة إلى اتفاقيات مبرمة بين الحكومتين ترعى أعمال التنقل وهذه التي لا تحدث للمرة الأولى. وفي ما له صلة بإجلاء الفاخوري، ترد القضية إلى المسار القضائي فهو صاحب الحق في البت بها، اما الموضوع الثاني المرتبط بالطائرة فيُحال على المؤسسة السياسية، إذا كانت ترفض المرور الاميركي فوق الأراضي اللبنانية، ما عليها سوى تعديل الاتفاقيات، فليس من صلاحية للجيش البت بشكل أحادي ومن خارج أي تفاهم سياسي.
كان يجب قبل هتك حرمة الجيش أو حزب الله أو ادعاء الحرص المُصطَنع من قبل البعض "المتذبذب" عليهما، التوقف ماليًا عند أسباب رفض الحكومة بشخص رئيسها ووزير خارجيتها التعامل مع التهديدات الأميركية في مسألة الفاخوري بجدية تذكر. لم يبادر الوزير مثلاً إلى استدعاء المفوض السامي الأميركي الجديد في بيروت لسؤالها عن تهديدات تسوقها إدارتها بحق لبنان أو أسباب البلاغات التهويلية التي كانت تُرسل إلى المقار الرسمية ممهورة بتوقيع السيد الأميركي أو كلامها أمام رئيس الجمهورية حول الفاخوري مثلاً!
أصلاً وقبل كل ذلك، كان يأتي مسؤولون أميركيون إلى بيروت ويُسمعون الساسة الكبار من عالية القوم، بدرجة رئيس وما تحت، تهديدات وتلويحات بعقوبات وما شاكل، ولم يقدر أحد منهم على القول أفًا أمام الغضب الأميركي، فهل على الجيش المكبل بالأوامر السياسية أو حزب الله المكبل بما يسمى "التوازنات الداخلية" أن يتوليا نقض ما لا تستطيع السلطة الداخلية نقضه أو تحمله؟
الآن لا يُمكن إلا الاقرار بالانتصار الأميركي في هذه الجولة، التي ما كان ليحصل لولا الاستسلام السياسي الكامل قبل كل شيء، ولا بد من الاعتراف بفشل حزب الله في شد أواصر جماعته في الداخل. لقد اثبتت الجولة الاخيرة رعونة جميع المقامات أمام الضغط الأميركي ومدى قدرة الأخير على التأثير. معه حق وئام وهاب حين قال "لبنان ما يقدر يرفض الطلب الأميركي". في الواقع، الأميركي "يكمش" كل شيء في بيروت وهذا الاقتصاد أمامكم.