عصام يونس يكتب: إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية.....الضرورات والمحظورات

السبت 07 مارس 2020 08:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
عصام يونس يكتب: إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية.....الضرورات والمحظورات



غزة / سما/

أكدت وزارة الصحة الفلسطينية، يوم الخميس الماضي الخامس من الشهر الجاري، إصابة سبعة مواطنين من محافظة بيت لحم بفايروس كورونا قبل أن يرتفع العدد إلي ١٩ مصابا وبأن هناك عشرات الحالات الأخرى المشتبه بها وحالات أخرى من العائدين عبر معابر الكرامة ورفح تخضع للحجر الصحي الوقائي، على الرغم من الإجراءات المتخذة من قبل الوزارة والارشادات الوقائية التي جرى تعميمها على المواطنين.

في مساء اليوم ذاته أصدر السيد الرئيس مرسوما أعلن بموجبه فرض حالة الطوارئ في كافة أنحاء الأراضي الفلسطينية على أن تستمر لمدة ثلاثين يوماً اعتباراً من تاريخه. وجاء المرسوم كتدبير احترازي لمواجهة خطر فايروس كورونا ومنعاً لتفشيه وأناط بجهات الاختصاص اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمواجهة المخاطر الناتجة عن فيروس كورونا، وحماية الصحة العامة، وتحقيق الأمن والاستقرار، ومنح رئيس الوزراء الصلاحيات والاختصاصات اللازمة لتحقيق غايات الإعلان.

أعلن رئيس الوزراء د. محمد اشتيه، في نفس اليوم، عن جملة من الإجراءات الاحترازية، من بينها الإيعاز للأجهزة الأمنية باتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من يخترق الحجر البيتي، أو يعرض صحته وصحة الآخرين للخطر بتوقيفه وحجزه وكذلك تعطيل المدارس والجامعات، وحظر منع نشر أو تداول أسماء المصابين، واختراق خصوصيتهم منعا باتا تحت طائلة المسئولية القانونية، وإلغاء جميع الحجوزات السياحية في فنادق فلسطين كافة وغيرها من الإجراءات.  

حالة الطوارئ هي الحالة التي قد تمر بها أمة وتتعرض فيها حياتها للتهديد وهي حالة استثنائية ينظمها القانون الدولي والقانون الأساسي لأي بلد.

تنص المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام ١٩٦٦، على جواز اتخاذ إجراءات وتدابير في أضيق نطاق لا تتقيد بالالتزامات المترتبة على الدولة وفقا لأحكام العهد شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وأن ما يتخذ من تدابير يجب الا ينطوي على تمييز مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي وقضى العهد بعدم جواز التحلل أو مخالفة أحكام عدة من بينها عدم التعرض للتعذيب والحق في الحياة. 

إن فرض حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية يعكس، بلا شك، حقيقة المخاطر الحقيقية القائمة بعد اكتشاف حالات الإصابة بفايروس كورونا، وتفشيه في حوالي 80 دولة، من بينها دول مجاورة، وتحذيرات منظمة الصحة العالمية، ضرورات أوجبت إصدار المرسوم الرئاسي.

جاء المرسوم الرئاسي متوافقا مع المادة ١١٠ من القانون الأساسي، والتي تنص على أنه يجوز للرئيس فرض حالة الطوارئ لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية.

كما أكدت المادة ١١٠ على ان ينص مرسوم إعلان حالة الطوارئ على الهدف منه والمنطقة، التي يشملها، والفترة الزمنية، وهو ما تحقق في المرسوم الرئاسي بإعلان حالة الطوارئ حيث يهدف إلى مواجهة خطر الفايروس ومكافحة تفشيه كما وجرى زمانيا تحديد الفترة بثلاثين يوما من تاريخ إصداره ومكانيا، بأن يسري على كافة أنحاء الأراضي الفلسطينية.

ما يجدر ذكره أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية، حيث تم فرضها مرتين ولكن لأسباب مختلفة تماما، الأولى في العام ٢٠٠٣، حيث نص المرسوم الرئاسي رقم ١٨ للعام ٢٠١٣ على انه بالنظر "للظروف الراهنة الصعبة التي يمر بها الوطن ولغايات الضرورة القصوى وبناء على مقتضيات المصلحة الوطنية العليا" فقد تقرر اعلان حالة الطوارئ على كامل الأراضي الفلسطينية وتشكيل حكومة طوارئ من تسعة وزراء مهمتها العمل على تكريس الوحدة الوطنية وترسيخها ويؤكد المرسوم على أنه بعد مرور الفترة القانونية المنصوص عليها في القانون سوف يتم عرض الإجراءات والتدابير التي اتخذت على المجلس التشريعي.
والثانية، في العام٢٠٠٧ عندما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة حيث نص المرسوم الرئاسي رقم ٩ للعام ٢٠٠٧، على اعلان حالة الطوارئ في جميع الأراضي الفلسطينية "بهدف تحقيق الأمن والإستقرار للمواطنين وحماية المؤسسات الشرعية الفلسطينية لمدة ثلاثين يوما".

وفي رأيي أن الإجراءات المتخذة في حالة الطوارئ يجب أن تراعي أربعة قضايا أساسية لابد من توفرها مهما كان الخطر الداهم الذي يهدد وحدة الأمة ووجودها أو وحدة أراضيها ونظامها السياسي:

أولا: مبدأ التناسب، إن أي اجراء تتخذه الحكومة سواء التحلل من بعض الأحكام الملزمة أو وضع أحكام جديدة ولو مؤقتة أو القيام بإجراءات أو تدابير يخولها لها القانون يجب أن يتناسب حصرا مع التهديد والخطر الماثل والهدف المرجو تحقيقه.

ثانيا: عدم التمييز، فلا يجوز التمييز في فرض الإجراءات والتدابير أو تعطيل الأحكام بين المواطنين على أي خلفية كانت، فلا يجوز فرض الأحكام في المنطقة المحددة على خلفية الدين أو الجنس أو اللون أو الرأي السياسي، فعلي سبيل المثال، لا يجوز تقييد حرية حركة مواطن على خلفية دينه أو رأيه السياسي حصرا.
وغني عن القول إن عموم المواطنين، دونما تمييز، ربما يخضعون لقيود على حركتهم في حالة انتشار الأوبئة أو الكوارث مثلا وهو تعطيل، مقبول ومعلل، لما يحميه القانون من حقهم في التنقل بحرية داخل حدود بلدهم وحققهم في مغادرته والعودة اليه متى شاءوا.

ثالثا: فرض حالة الطواري لا تكون إلا بالإعلان عنها والأسباب الموجبة لها وعن مدتها الزمنية بشكل صارم والمنطقة التي تخضع لها.
إن حالة الطوارئ، كحالة استثنائية، مرتبطة حصرا بالمكان/الأماكن التي تتعرض للتهديد والمخاطر وكذلك بالمدة الزمنية، حتى لا تترك لجهة التنفيذ أن تنشئ حالة دائمة أو مزمنة تتجاوز الهدف الذي يسعى الإعلان لتحقيقه والذي أسبغ عليه المشروعية القانونية، فالحالة استثنائية واجراءاتها استثنائية والأصل هو الحالة الطبيعية لا الاستثناء.
وكما يجيز القانون والفقه الدولي تمديد حالة الطوارئ فإنه يضع شروطا صارمة لذلك بقيام البرلمان بإقرار حالة الطوارئ بأغلبية ثلثي أعضائه، في اول جلسة له والتحقق من الإجراءات والتدابير المتخذة والموافقة على التمديد لثلاثين يوما آخر فقط أو إنهاء حالة الطوارئ ذاتها.

إن فرض حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية بالنظر لخطر تفشي الفيروس وضرورة مكافحته لا يشوبها أي عوار، بل وتقتضي المسئولية من المواطنين ومختلف مكونات المجتمع  ضرورة الالتزام بما ورد في المرسوم الرئاسي وما اتخذه رئيس الوزراء من إجراءات وتدابير حفاظا على المصالح العليا، وسلامة المواطنين في مواجهة المخاطر الحقيقية والماثلة لمكافحة الفايروس والعمل على عدم تفشيه.

أن الإجراءات المتخذة يجب أن تكون دائما منسجمة روحا ونصا مع القانون الأساسي، عند إعلان حالة الطوارئ، لاسيما ما تنص عليه المادة ١١١ والتي تؤكد على أنه " لا يجوز فرض قيود على الحقوق والحريات الأساسية إلا بالقدر الضروري لتحقيق الهدف المعلن في مرسوم حالة الطوارئ.".

إن الإجراءات المتخذة في حالة الطوارئ يجب دائما أن تكون ضرورية وتتناسب مع الأخطار الكامنة والأهداف المتوقع تحقيقها، كما ورد في نص المرسوم الرئاسي، ويجب أن تكون متاحة وخاضعة للرقابة الصارمة، لاسيما واقع الحقوق الأساسية التي ينص عليها القانون الأساسي وتلك المتعلقة بالحجر الصحي وظروف احتجاز من يفرض عليهم الحجر وكذلك كل من تخضع حريتهم للتقييد ومثالهم، نزلاء مراكز التأهيل والإصلاح والنظارات وحتى نزلاء المستشفيات ومن على شاكلتهم، وأن ما أعلن عنه رئيس الوزراء من حظر نشر أسماء المصابين تحت طائلة المسئولية القانونية هي خطوة مهمة حفاظا على خصوصية المواطنين.

إن حل المجلس التشريعي كسلطة منوط بها الرقابة على الإجراءات وإقرار إعلان الطوارئ وربما تمديده، يجعل من ضرورة الرقابة  وتعزيزها عملا بالغ الأهمية، وهو ما يجب أن يدفع نحو تعزيز الأدوات الرقابية النظامية والأدوات الأخرى كالهيئة المستقلة لحقوق الانسان، لا سيما وأن القانون الأساسي في المادة ٣١ منه ينص على انشائها وعلى تقديم تقاريرها لكل من الرئيس والمجلس التشريعي. إن الهيئة على وجه الخصوص ومؤسسات حقوق الإنسان على وجه العموم يجب أن تمكن من القيام بدور رقابي فاعل ومنظم، وذلك بتعزيز ما هو قائم من تعاون مع جهات الاختصاص وإتاحة المعلومات والإجراءات أمامها وتسهيل زياراتها للأماكن المختلفة وتقديم كل أشكال التعاون والمساعدة الفنية تحقيقا للمصلحة العامة والأهداف المعلنة. إن القيود التي قد تفرض على مباشرة بعض الحقوق والحريات الأساسية يجب إخضاعها للرقابة وللمراجعة المستمرة ولا سيما تلك غير المرتبطة مباشرة بمنع تفشي الفايروس كحرية التعبير والصحافة وحق الوصول إلى المعلومات، لما في ذلك من دور مهم في تحمل المواطنين لمسئولياتهم وفي القضاء على الشائعات التي قد تنطوي على إثارة الذعر بينهم، والذي ربما يكون أكثر خطورة من الفايروس نفسه، وبما يساهم به، من جهة أخرى، في نشر الوعي بين المواطنين وتعزيز التدابير الوقائية.
*المفوض العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان
المدير العام لمركز الميزان لحقوق الإنسان