وقّعت واشنطن اتفاقا تاريخيا مع حركة طالبان المتطرفة في الدوحة السبت يمهد الطريق لسحب آلاف الجنود الأميركيين من أفغانستان ضمن فترة زمنية من 14 شهرا، وذلك بعد 18 سنة من اندلاع الحرب.
ويأمل الأفغان أن يؤدي الاتفاق لإنهاء أربعة عقود من النزاعات وكذلك فتح باب الحوار بين حكومة كابول والحركة المتطرفة بهدف وضع حد للمعاناة في البلد الفقير.
وستبدأ القوات الاميركية فورا عملية الانسحاب التدريجي من أفغانستان بعد توقيع الاتفاق التاريخي مع حركة طالبان، على أن ينخفض عديد الجنود من 13 الفا إلى 8600 “خلال أشهر معدودة”، بحسب الاتفاق ومسؤول أميركي.
وتستند عملية الانسحاب إلى برنامج زمني مبدئي ومشروط، يرتبط بشكل رئيسي بمدى احترام الحركة المتطرفة لضمانات أمنية التزمت بها، وبالتقدم في المفاوضات بين الأطراف الأفغانية.
وقال المسؤول الأميركي لوكالة فرانس برس “إذا فشل الحل السياسي، وفشلت المفاوضات، فلا شيء يجبر الولايات المتحدة على سحب جنودها”.
ومن المفترض أن تبدأ مفاوضات سلام مباشرة غير مسبوقة بين حركة طالبان وسلطات كابول بحلول 10 آذار/مارس، استكمالا للاتفاق التاريخي الموقع في الدوحة بين الولايات المتحدة والجماعة المتطرفة، وفقا لمسؤولين أميركيين.
وقال مسؤول لوكالة فرانس برس ان “الاتفاق ينص على تاريخ 10 آذار/مارس، لكن علينا أن نكون واقعيين”، بينما رجّح مسؤول آخر أن تبدأ المفاوضات في النصف الاول من آذار/مارس وأن تعقد في اوسلو.
وبحسب المسؤولين، فإنّ التحدي الرئيسي يكمن في صعوبة تشكيل وفد موحد يجمع الحكومة الأفغانية والمعارضة والمجتمع المدني في ظل الخلافات القائمة حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ويجسّد الاتفاق الذي بدات الولايات المتحدة مراسيم توقيعه السبت مع حركة طالبان للخروج من أطول حرب في تاريخها، منعطفا دبلوماسيا مهما إذ إنّه يؤشر إلى تراجع زخم التدخلات الأميركية في أنحاء العالم.
ولم تواجه “الحرب على الإرهاب” التي أعلنتها واشنطن غداة هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 اعتراضات واسعة في بلد ستظل صدمة انهيار برجي نيويورك ماثلة في أذهانه.
ولكن مع مرور الوقت، أدى تراكم الخسائر البشرية في أفغانستان والعراق، وكذلك تخصيص المليارات للنفقات العسكرية، إلى تراجع القناعات بالخصوص. ووصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعدما تعهد بالانسحاب من “الحروب التي لا تنتهي”.
وسوف يتيح الاتفاق الذي ستوقعه الولايات المتحدة في قطر مع طالبان انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، ليُّعلق مصير هذا البلد بعد عقدين من النزاعات بحبل المفاوضات الغامضة التي يفترض أن تقوم بين المتمردين وحكومة كابول.
ويعتبر آدم وونيش، المتخصص في الشؤون الأفغانية في معهد كوينسي الأميركي والمناهض للتدخلات الخارجية، أنّ الرمال بدأت تتحرك حتى بما يخص المسألة الأفغانية التي ظلّت لوقت طويل في خانة المحرمات في الولايات المتحدة.
ويعتبر أنّ “الطبقة السياسية تخاف من فكرة الإعداد لهجوم إرهابي انطلاقاً من أفغانستان، واضطرارها في ما بعد إلى تبرير ذلك أمام الناخبين”، مشيراً إلى أنّ سبب ذلك “الجرح” الذي خلّفته أحداث 11 أيلول/سبتمبر.
ويوضح أنّ “انتخاب ترامب رئيساً لم يمثّل منعطفاً بحد ذاته، وإنّما جاء كمؤشر إلى أنّ التحوّل حصل”، مستبعداً في الوقت نفسه عودة الولايات المتحدة إلى الوراء في هذه المسألة.
حتى إنّ كل المتنافسين ضمن الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي الهادفة إلى اختيار مرشح يواجه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر، أبدوا تأييدهم للانسحاب من أفغانستان، وإن بدرجات متباينة.
ويقول النائب رو خانا الداعم للمرشح الديموقراطي ذي الحظوظ الوافرة بيرني ساندرز، “تبيّن خطأ الرأي القائل بأنّه بمقدور القنابل حمايتنا من الإرهاب”.
ويتساءل “كان ثمة توافق واسع على أنّ الضربات الأولى في أفغانستان كانت مبررة. ولكن ماذا نقول بعد 20 عاماً؟. … لم يقل أحد إننا كنا نريد تحويل المجتمع الافغاني”.
– أثمان إنسانية ومالية –
برغم وعود دونالد ترامب بشأن “الحروب التي لا تنتهي”، ثمة اكثر من 200 ألف جندي أميركي لا يزالون منتشرين في الخارج، علاوة على التعزيزات التي أرسلت العام الماضي إلى الشرق الأوسط.
وبرغم الإشارة إلى التركيز من الآن فصاعداً على التهديدات التي تمثلها روسيا والصين، فإنّ إدارة ترامب انخرطت في مواجهة شديدة مع إيران، ووصل بها الأمر إلى شن هجوم لاغتيال أحد أبرز جنرالاتها.
ويعتبر دبلوماسي رفيع في دولة حليفة للولايات المتحدة أنّ “ترامب ليس انعزاليا، ولكنّه شخص يفضّل اختيار الأمكنة التي يتوجب أن تتدخل فيها الولايات المتحدة”. ويضيف أنّ “هذا (النهج) يظلّ جيداً إلى حين أن تملأ الفراغ قوى أخرى أكثر إشكالية على غرار روسيا”.
وهذا شبيه بما يحصل في سوريا حيث تدعم روسيا نظام الرئيس بشار الأسد.
ولاقى قرار دونالد ترامب بسحب القوات الأميركية من شمال سوريا، ما فتح المجال أمام هجوم تركي على القوى الكردية الحليفة لواشنطن، الكثير من الانتقادات حتى ضمن الفريق الجمهوري. غير أنّ قلّة من هذا الفريق شككت بمبرر انتشار أميركي طويل المدى في الشرق الأوسط.
ومنذ 11 أيلول/سبتمبر، اسفرت الحروب التي قادتها الولايات المتحدة بشكل مباشر إلى مقتل أكثر من 800 ألف شخص وكلّفت واشنطن ما يقدّر بنحو 6 آلاف مليار دولار، بحسب دراسة أعدتها جامعة براون.
وهذا ما أدى إلى تراجع دعم الأميركيين للتدخلات العسكرية مع مرور الوقت. ففي إحصاء نشره معهد غالوب في أيلول/سبتمبر تبيّن أنّ 43% يعتقدون بأنّ الحرب في أفغانستان كانت خاطئة منذ البداية.
ويعتبر الجنرال الأميركي المتقاعد ديفيد بترايوس الذي عمل في العراق وأفغانستان، أنّه بمقدور الولايات المتحدة القيام بانتشارات عسكرية طويلة الأمد في الخارج ولكن بشرط تقليص “الكلفة الإنسانية والمالية”.
ويرى أنّ العقدين الأخيرين أظهرا أنّ “المناطق المحكومة بشكل سيء، أو غير المحكومة، في العالم المسلم، وخاصة في الشرق الأوسط” توفر أرضاً خصبة ل”المتطرفين الإسلاميين”.
وشدد أمام الحضور في معهد كوينسي على أنّه “من غير الممكن أن ننتظر أن تحل المشكلة مكتوفي الأيدي”.
من جهته ،رحب حلف شمال الاطلسي(ناتو)بالتقدم الذي تم احرازه صوب تحقيق السلام في أفغانستان وأعلن أن الاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة سيؤدي إلى تقليص الوجود العسكري للحلف منذ أمد طويل في البلاد.
وقالت الدول الأعضاء في الحلف في بيان “التقدم الذي تم احرازه مؤخرا بشأن تحقيق السلام يمهد الطريق لتقليص العنف ولإجراء مفاوضات بين الأطراف الأفغانية.. للتوصل الى اتفاق سلام شامل.”
وأضاف البيان “ندعو طالبان لاغتنام هذه الفرصة للسلام.”
وتابع “في هذا السياق ، سيقوم التحالف وشركاؤه في مهمة الدعم الحازم بتنفيذ التعديلات القائمة على شروط ، بما في ذلك خفض مستوى وجودنا العسكري”.
وذكر البيان “حلفاء الناتو يتوقعون الآن بدء محادثات داخل أفغانستان تفضي إلى اتفاق سلام دائم يضع حداً للعنف ، ويحمي حقوق الإنسان ، ويدعم سيادة القانون ويضمن ألا تكون أفغانستان مجددا ملاذا آمنا للإرهابيين”.