كتب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، مقالا بعنوان " المعضلة الفلسطينية" قال فيه: شاركت بشكل أو بآخر في عملية السلام في الشرق الأوسط منذ 12 عامًا. ونادرا ما أكتب عن ذلك لأن أي شيء يقال في العلن يسيء عادة لشخص ما، لكن نشر الخطة الأمريكية للسلام التي طال انتظارها تشكل مناسبة للتقييم.
أنا واحد من الأشخاص القلائل الذين ما زالوا يعتقدون أن إنشاء دولة فلسطين أمر مرغوب فيه وقابل للتنفيذ. ويستقبل معظم المراقبين الفكرة بضحك أجوف، حيث تخلى الكثير من الإسرائيليين والفلسطينيين عن ذلك.
ولدي قناعة، وربما غير عقلانية لكن المنطق يسود في النهاية. فيجب ألا يرغب الإسرائيليون أن يحكموا الفلسطينيين إلى الأبد، فهم يحتاجون إلى التحرر من الاحتلال والتمتع بكرامة في دولة، والدولة ثنائية القومية لا تحل شيئًا. وعلى أي حال، فإن ذلك يتطلب الموافقة الإسرائيلية.
وعليه، تظل الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة هي السبيل المعقول لحل النزاع. ويمكنني التفكير بألف شيء على إسرائيل فعله لجعل الدولة الفلسطينية أكثر احتمالاً. لكن الحقيقة هي أن مثل هذه الدولة لن تظهر إلا إذا كان هناك تحول أساسي في الاستراتيجية الفلسطينية.
وبالنسبة للكثيرين في المجتمع الدولي، فإن وضع القضية في هذه الشروط مهين وغير عادل للفلسطينيين. فهم يشيرون إلى التباين الهائل في الثروات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وطريقة العيش المروعة في غزة، والقيود المفروضة على الحياة اليومية الفلسطينية في الضفة الغربية وحكم القدس ويشعرون بالتعاطف العميق مع القضية الفلسطينية.
لكن الفلسطينيين ليسوا بحاجة إلى استراتيجية للتعاطف، بل بحاجة إلى استراتيجية لإقامة الدولة، لكن سلوكهم الحالي لن يوصلهم الى ذلك. كما أن أكبر مؤيديهم على المستوى الدولي أعاقوا أيضًا تطوير إستراتيجية جادة، لأنهم يشجعون القيادة الفلسطينية على التركيز فقط على العدالة التاريخية للقضية بدلاً من واقع البيئة السياسية التي يجب تحقيقها.
ونتيجة لذلك، ينغمس الفلسطينيون في القرارات والإيماءات والتعبيرات الخطابية للتضامن التي لا قيمة لها في العالم الحقيقي. ولتحقيق هدف سياسي يتعين البدء بالتحليل المتأني للواقع. فدولتان تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام في ظروف توجد فيها دولة بالفعل وتكون أقوى بكثير من الدولة التي لم توجد بعد، تعني أن الدولة الأولى يجب أن تشعر بالأمان عند إنشاء الثانية، تمامًا كما يجب إعطاء الثانية الدعم الدبلوماسي والسياسي. فعندها تتعايش الدولتان في مساحة إقليمية صغيرة، كما أن انعدام إمكانية الفصل بين السكان بسهولة من شأنه مضاعفة هذه الحاجة للأمن.
ولدراسة الوضع الفلسطيني، لنركن جانباً أيًا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، فلنفترض أن لدينا الرئيس الأمريكي الأكثر دعما للفلسطينيين ولنفترض أن تركيز المجتمع الدولي لا يزال ينصب على عملية السلام وأن الأوضاع في الشرق الأوسط هادئة، فكيف يمكن لأي مفاوضات أن تنجح مع الفوضى الحالية للسياسة الفلسطينية؟
فالدولة التي ستشمل غزة والضفة الغربية، تسيطر حماس على غزة، وحماس ما زالت ملتزمة رسمياً بتدمير إسرائيل. أما الضفة الغربية فهي تحت سيطرة فتح، وهي نفسها تعاني من الإنقسام العميق. كما أن حماس وفتح في معارضة شديدة لبعضهما البعض ومحادثات المصالحة أشبه بنصب تذكاري من انعدام الثقة المتبادلة. ولم يتم إجراء انتخابات ديمقراطية منذ 14 عامًا، وبالتالي لا توجد طريقة حقيقية لقياس شعبية الحكومة.
ومن غير المعقول أن تسفر مثل هذه السياسة عن اتفاق ذي مصداقية لدولة ما. وبالتالي يصعب على أي رئيس وزراء إسرائيلي الموافقة عليه، كما لن يفرضه أي رئيس أمريكي.
التحقق من الواقع رقم 1: الوحدة السياسية الفلسطينية على أساس التوافق السياسي مع التعايش السلمي مع إسرائيل هي شرط مسبق، وليست مشكلة جانبية مثيرة للاهتمام. فهي أمر مركزي.
ومن جهتها، تعترض القيادة الفلسطينية بشدة على الخطة الأمريكية الأخيرة. وعلى سبيل المثال فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والإخفاق في تضمين أجزاء كبيرة من القدس الشرقية في الدولة الفلسطينية.
وفي الأيام الأخيرة، قال جاريد كوشنر أن الخطة مفتوحة للتفاوض وتلقى انتكاسة من بعض أقطاب السياسة الإسرائيلية بسببها.
لكن لغاية الآن، رفض الفلسطينيون التشاور حول الخطة ورفضوا حتى تلقي مكالمة من الرئيس الأمريكي.
وهذا لا يعمل. كان عليهم المشاركة والإنخراط والقول لماذا هذه الخطة غير مقبولة وليشيروا إلى ما يجب تغييره. وليطلبوا اجتماعات للبحث والإنخراط في التفاصيل.
وهناك ثلاث مجموعات من الناس يمكن أن يساعدوا عملياً في تحقيق إقامة دولتهم ولا يوجد أي منهم في أوروبا: الإسرائيليون والأمريكان والعرب. فاستنكار الأولى وعزل الثانية وازعاج الثالثة لا يمكن أن تكون استراتيجية قابلة للنجاح؟ ويكون الرد الفلسطيني بالطبع أن الأولتين متحيزتان والثالثة غير مبالية.
ولكن حقيقة التحقق رقم 2: لا يمكنك تحمل الكرسي الفارغ.
العرب ليسوا غير مبالين بأي حال. إنهم يهتمون بالفلسطينيين ويهتمون بشغف بالقدس. لكنهم مرهقون من الوقوع بين تحديات الاستقرار الإقليمي والحداثة التي تستلزم تحالفًا وثيقًا مع أمريكا وعلاقة متزايدة مع إسرائيل. كما انهم مستعدون لدعم اتفاق، لكنهم مستبعدون من إدارته.
فالشيء الذكي، بدلاً من الإصرار على أن العرب لن تكون لهم علاقة مع إسرائيل إلا بعد تفاوض الفلسطينيين على السلام، هو تشجيع العلاقات الإسرائيلية العربية الجيدة وإلزامهم بالمفاوضات واستخدامها للمساعدة في دفع الإسرائيليين إلى مواقف أفضل، وإنشاء إطار عربي إسرائيلي مشترك للمنطقة يكون حل القضية الفلسطينية جزءًا منه. وامنحوا الثقة لإسرائيل بأن السلام مع الفلسطينيين جزء من قبول إقليمي حقيقي وليس مكافأة للتنازلات المستخرجة ولكن نتيجة طبيعية لروح الصداقة الجديدة.
التحقق من الواقع رقم 3: جعل العرب شركاء في العملية وليسوا مشجعين مترددين.
لقد تمت الإشادة بالخطة الأمريكية أو إدانتها وفقا للإنتماء السياسي والتوقعات. لكن هذه هي المرة الوحيدة التي تنتج فيها الإدارة الأمريكية خريطة، فهي تفرض على الطاولة موضوعات طويلة جدًا، وربما في الوقت الحالي تمثل ما يمكن للسياسة الإسرائيلية أن تتحمله رغم أن السياسة الفلسطينية لا تستطيع تحمله.
ولكن بغض النظر عن الخطة المطروحة، يجب على السياسة الفلسطينية تغيير الإستراتيجية. وإلا، فإن قصة العقود الأخيرة، حيث يكون كل عرض جديد أسوأ من الماضي، ستتكرر. والفلسطينيون وحدهم يجعلون المستقبل مختلفا.