صحيفة تتساءل: هل تتضمن الخطة الأمريكية تعديلات طلبتها عواصم عربية؟

الإثنين 27 يناير 2020 08:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
صحيفة تتساءل: هل تتضمن الخطة الأمريكية تعديلات طلبتها عواصم عربية؟



القاهرة /سما/

تترقّب الأوساط المصرية الرسمية الصيغة النهائية لخطة السلام الأميركية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمرجّح إعلانها خلال الأيام أو الساعات القليلة المقبلة، وما إذا كانت "ستتضمن تعديلات وملاحظات جوهرية اقترحتها القاهرة وعواصم عربية أخرى على صيغتها الأساسية لتأخذ في الحسبان الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني"، حسبما ذكرت مصادر، مرجّحة "عدم إمكانية تطبيق الخطة على أرض الواقع في ظل الإصرار الفلسطيني على رفضها".

وعلمت "إندبندنت عربية"، من مصادر رسمية، "أن القاهرة أبدت خلال النقاشات التي جرت في الشهور السابقة مع كل الأطراف الأميركية المعنية بطرح الخطة عدداً من الملاحظات الجوهرية على خطة السلام لجعلها قابلة للتطبيق على الأرض، باعتبار أن صيغتها الأولى من الصعب التوسط بها لدى الأطراف الفلسطينية لقبولها، لا سيما أنها لم تحافظ على الحدود الدُّنيا لحقوقهم".

والخميس الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنّه يعتزم كشف خطّته للسلام قبل الزيارة التي سيُجريها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومنافسه في الانتخابات بيني غانتس إلى واشنطن الثلاثاء. وقال ترامب، "على الأرجح سننشرها قبل ذلك بقليل"، معتبراً إياها "خطة ممتازة".

وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت هناك اتصالات بين إدارته والفلسطينيين، أجاب ترامب بصيغة مبهمة، وقال "لقد تحدّثنا معهم بإيجاز"، دون مزيدٍ من التفاصيل. وأضاف، "أنا واثق من أنّهم قد يردّون في بادئ الأمر بصورة سلبية، لكن الخطّة في الحقيقة إيجابية للغاية بالنسبة إليهم".

واستبقت السلطة الفلسطينية تصريح ترامب بـ"تجديد رفضها خطة السلام"، مهددة بـ"تصعيد خطواتها السياسية والقانونية تجاه تل أبيب".

تعديلات طلبتها عواصم عربية

ومن دون الحديثِ عن تفاصيل خطة السلام الأميركية، ذكر مصدرٌ رسميٌّ مصريٌّ أن "الخطة تُطالب الفلسطينيين بتقديم تنازلات مُجحفة لمصلحة إسرائيل، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية المُحتلة، وحق عودة اللاجئين، فضلاً عن اختفاء مفاهيم حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية والقوانين الدولية ذات الصلة".
وحسب المصدر ذاته، "فإن ما تطرحه الخطة من بدائل وخيارات اقتصادية لن تقود في النهاية إلى إرضاء الفلسطينيين وتحفيزهم على الدخول في مفاوضات سلام على أساس المسعى الأميركي"، كاشفاً "أبلغنا الفلسطينيين في أكثر من مناسبة بموقف مصر الواضح والتاريخي لدعم القضية الفلسطينية، ودعم مبدأ حل الدولتين على أساس حدود 1967".

ورسمياً تتمسّك القاهرة بضرورة التوصّل إلى حلٍ شاملٍ للقضية الفلسطينية، على أساس حل الدولتين.

وفي أواخر العام الماضي، نشرت وزارة الخارجية المصرية ما يعدّه مراقبون "الخطوط العريضة لسياستها في العام الجديد 2020"، تعهدت فيها فيما يتعلق بفلسطين، إنها ستستمر في الدفع قدماً بالموقف المصري الثابت من القضية الفلسطينية، ودعم كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، وذلك في كل الاتصالات مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، وكذا داخل المحافل الدولية، استناداً إلى القرارات الأممية والمرجعيات الدولية ذات الصلة، فضلاً عن مساندة دور المنظمات الإقليمية والدولية الداعمة الحقوق الفلسطينية.

وأكدت أنها ستواصل جهودها من أجل الدفع قدماً بتحقيق المُصالحة الوطنية وتوحيد الصف الفلسطيني، وكذا الحفاظ على الهدوء في الأراضي الفلسطينية، وتفادي التصعيد العسكري.
ووفق مصدر رسمي آخر، فإنه "خلال الجولات التي قام بها المستشار الخاص للرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر للمنطقة، للترويج لخطة السلام، سمع العديد من الملاحظات والتعديلات التي طلبتها عواصم عربية منه، لتكون خطته قابلة للتطبيق".

وذكر المصدر، "خلال مناقشات كوشنر إلى المنطقة، بدا أكثر انفتاحاً على إدخال بعض التعديلات والملاحظات على الخطة. في المقابل، ألمحت عدة عواصم عربية استعدادها لدعم هذه الخطة وممارسة ضغوط على الرئيس الفلسطيني للاستجابة لها".

ولم يكشف المصدر، أسماء العواصم العربية التي "أبدت استعدادها لدعم الخطة"، مدللاً في الوقت ذاته، على تصريحات لاحقة أبداها كوشنر، وتعهّد خلالها بأن "الشعب الفلسطيني لن يتضرر جراء خطة السلام في حالة تطبيقها". وحسب المصدر ذاته، فإن التعديلات أو الملاحظات التي أبدتها عواصم عربية، تتلخص في الأساس بالأوضاع النهائية المتعلقة بوضع القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات، وهي تلك التي تجاوزتها الملامح الأولى للخطة عند عرض خطوطها العريضة من قِبل الأميركيين، على حد وصفه.

وفي حديث سابق مع "إندبندنت عربية"، كشف القائم بأعمال السفارة الأميركية بالقاهرة، توماس جولدبرجر، "أن خطة السلام المُنتظرة تتكون من 60 صفحة، وصاغها فريقٌ مصغرٌ ومقربٌ من الرئيس الأميركي مكونٌ من نحو 20 شخصاً، ممن يعملون في الإدارة الحالية والإدارات السابقة وذوي خبرة في ذلك الملف الشائك والمعقد".

وأضاف، "الخطة ستُسهم في تلبية طموحات الشعب الفلسطيني مع الالتزام بأمن إسرائيل، وعلى الجميع أن ينظر إليها حين نشرها في مجملها، إذ إن هناك بالطبع بعض النقاط التي قد لا تعجب البعض، وتوجد نقاط أخرى يمكن أن يفضّلها البعض، لكن في النهاية هي شيء متكامل، وستكون مجرد أفكار للالتقاء". وإذ قلل المصدران المصريان من إمكانية تطبيق الخطة الأميركية على أرض الواقع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن أحدهما أرجع توقيت الطرح إلى "تطورات الأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة وإسرائيل".

وللمرة الثالثة خلال عام، من المقرر أن تشهد إسرائيل انتخابات للكنيست في مارس (آذار) المقبل، بعد فشل رئيس الوزراء الحالي نتنياهو أو خصمه غانتس في الحصول على أغلبية في الانتخابات السابقة لتشكيل الحكومة.

بينما يواجه الرئيس ترمب، مساعي حثيثة من خصومه الديموقراطيين لعزله وإطاحته من السلطة على خلفية اتهامات متعلقة بـ"إساءة استخدام السلطة وإعاقة عمل الكونغرس"، على خلفية سعيه للضغط على أوكرانيا من أجل التحقيق مع منافسه السياسي المُحتمل في الانتخابات الرئاسية 2020، الديموقراطي جو بايدن.

فترة تحضيرية 4 سنوات

والأحد، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، ما قالت إنه "الملامح النهائية لخطة السلام الأميركية". ونقلت عن مصادر إسرائيلية لم تُسمّها، إن "صفقة القرن ستشمل فترة تحضير مدتها 4 سنوات"، انطلاقاً من قناعة أميركية بأن الرئيس عباس "سيرفض تنفيذها"، لكن ربما "يقبلها خليفته".

وحسب الصحيفة، فإن الصفقة تقترح، وفق المصادر ذاتها، إقامة دولة فلسطينية على مساحة تصل إلى نحو 70% من أراضي الضفة الغربية، ويمكن أن تكون عاصمتها بلدة (شعفاط) شمال شرقي القدس، مضيفة أن الدولة الفلسطينية المقترحة ستكون "بلا جيش أو سيطرة على المجال الجوي والمعابر الحدودية، وبلا أي صلاحيات لعقد اتفاقيات مع دول أجنبية، كما أنها ستسمح لإسرائيل بضم ما بين 30 إلى 40 بالمئة من أراضي المنطقة (ج) بالضفة الغربية".
وقسّمت اتفاقية أوسلو (1993) الضفة الغربية إلى 3 مناطق، هي (أ) و(ب) و(ج)، وتمثل المناطق (أ) نحو 18% من مساحة الضفة، وتسيطر عليها السلطة الفلسطينية أمنياً وإدارياً، فيما تمثل المناطق (ب) 21%، وتخضع لإدارة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية.

أمّا المناطق (ج)، التي تشكّل 61% من مساحة الضفة، فتخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، ما يستلزم موافقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على أي مشاريع أو إجراءات فلسطينية بها.

وحسب المصادر ذاتها، فإنه خلال فترة التحضير لتنفيذ "صفقة القرن" سيتم تجميد البناء في كل المنطقة (ج) التي تسيطر عليها إسرائيل، ما يعني أن بإمكان إسرائيل مواصلة النشاط الاستيطاني داخل المستوطنات القائمة دون توسيعها.

كما تقترح الخطة إقامة "نفق" بين غزة والضفة الغربية يكون بمثابة "ممر آمن"، مشيرة في هذا السياق، إلى أن الحديث يدور عن مسألة "حسّاسة للغاية لم تُبحث بعد على يد منظومة الأمن الإسرائيلية"، نظراً إلى إمكانية استخدام النفق المذكور في "نقل أسلحة أو مطلوبين".

ووفق الصحيفة أيضاً، تنصّ الخطة على الإبقاء على مدينة القدس المحتلة تحت "سيادة إسرائيل"، بما في ذلك الحرم القدسي الشريف والأماكن المقدسة التي تدار بشكل مشترك بين إسرائيل والفلسطينيين.

ولا تنصّ الخطة على تقسيم القدس، لكن سيحصل الفلسطينيون على كل ما هو خارج حدود جدار الفصل المحيط بالمدينة المقدسة، حسب المصدر الذي نقلت عنه. وتُبقي على 15 مستوطنة معزولة تحت السيادة الإسرائيلية رغم عدم وجود تواصل جغرافي لهذه المستوطنات مع إسرائيل، كذلك تطالب الخطة إسرائيل بإخلاء 60 موقعاً غير قانونية يعيش فيها نحو 3 آلاف مستوطن.

السلطة تتمسّك برفضها
في هذا الوقت، قال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، إن "صفقة القرن لن تمرّ دون موافقة شعبنا، والقيادة ستُفشل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، كما أفشلت عشرات المحاولات السابقة". وأضاف، في تصريح نقلته عنه "إذاعة صوت فلسطين" (حكومية)، إن "القيادة الفلسطينية ستعقد سلسلة اجتماعات على كل المستويات من فصائل ومنظمات وغيرها، للإعلان عن الرفض القاطع لأي تنازل عن القدس"، مشيراً إلى أن "جميع الخيارات ستُدرس بما فيها مصير السلطة الوطنية، وأي قرار سيخرج سيكون مدعوماً عربياً ودولياً".

وحذّر المتحدث باسم الرئاسة "من تداعيات خطيرة للغاية ستحلّ على المنطقة بأسرها حال أُعلن تطبيق صفقة القرن، لما فيها من مساس بسيادة دول المنطقة وهويتها"، مطالباً العالم العربي بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين "عبر رفض أي سلام أو تفاهم أو تفاوض دون القدس".

وقال، "إعلان واشنطن تطبيق هذه الخطة ما هو إلا محاولة لإخراج كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب من أزمتيهما الداخليتين على حساب القضية الفلسطينية".
ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2016، تعهّد ترامب بالتوسط في اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني، أطلق عليه تسمية "صفقة العصر" أو "صفقة القرن"، لكنه سرعان ما اتخذ الرئيس الأميركي سلسلة من القرارات المؤيدة بقوة إسرائيل، أغضبت الفلسطينيين الذين قطعوا علاقاتهم معه بعد إعلان اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل في السادس من ديسمبر (كانون الأول) 2017.
وألحق ترامب، الذي لطالما تباهى بأنه أكثر الرؤساء الأميركيين تأييداً لإسرائيل، قراره بشأن القدس، بإيقافه مساعدات بمئات ملايين الدولارات كانت تُقدّم للفلسطينيين، وقطعت تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). ويرى ترامب أن إنهاء الصراع بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني يمر عبر الاقتصاد وتشجيع الاستثمارات، وتعد إسرائيل القدس بشقيها عاصمتها الموحدة، فيما يريد الفلسطينيون إعلان القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية.

واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، بعدما كانت تخضع للسيادة الأردنية كسائر مدن الضفة الغربية، وضمّتها لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.