حول سياسة "الانتظار" ونظرية "قلة الحيلة"..غسان زقطان

الإثنين 20 يناير 2020 12:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
حول سياسة "الانتظار" ونظرية "قلة الحيلة"..غسان زقطان



ثمة استرخاء غير مفهوم يكتنف الجهات المعنية بالتحرك بكل ما يتعلق بقرار المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية «فاتو بنسودا»، وتحويل قرار مباشرة إجراء التحقيقات بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في فلسطين الى «الهيئة التمهيدية».
الحقيقة، يصعب إحالة هذا الاسترخاء الغريب لـ»الحكمة» والتروي، ولا ينبغي وضع مثل هذا التحرك على رفوف الانتظار التي تكدست عليها أفكار وقضايا ونوايا، لا شك في وطنيتها، انتظار أفقدها ملامحها وفعاليتها وقدرتها على التواصل مع الواقع والمتغيرات، انتظار بدّد الكثير من مناطق العمل وإمكانيات الإنجاز.
الانتظار ليس دائما حكيما، ثمة انتظار ينبع من حكمة الخائف وتردده، ومن عجز الأدوات و»قلة الحيلة». 
في السياسة، لا يوجد شيء يمكن تسميته «قلة الحيلة».
عندما تتحمل مسؤولية البحث عن العدالة، وتتولى مهمة الدفاع عن حقوق الشعب ومستقبله، لا ينبغي أن تضع في قاموسك «قلة الحيلة» و»الانتظار» بمفهوم «لا بد أن تحدث معجزة تغير الأمور».
هناك ثغرة واسعة تحولت الى سمة في المشهد السياسي الفلسطيني، ثغرة تفصل بين الموقف السياسي المعلن، وبين أدوات التعبير عن هذا الموقف وترجمته الى حالة شعبية في الشارع وتحرك دولي ضاغط، فجوة مؤلمة تسببت في قطار العثرات الذي صعدنا إليه منذ محطة «أوسلو»، وتفاقم مع الانتفاضة الثانية ثم انقلاب «الإخوان المسلمين»، وبلغ ذروته مع «الانقسام».
نظريا، يمكن الحديث عن بنية واضحة وشجاعة في الموقف الفلسطيني من «صفقة القرن» وإدارة ترامب ومبعوثيها، رغم قصور الأدوات، موقف يستمد قوته وجدارته مما تبقى، وهو قليل على أية حال، من حضور منظمة التحرير الفلسطينية في وعي الناس والعالم.
حضور اتضح خلال العقد الأخير انه يعاني، بدوره، من انفصام حاد بين وعي الناس، أو أغلبيتهم، الذي يرى في المنظمة ممثلا شرعيا وحيدا للشعب، ووعي النخبة السياسية التي ترى في المنظمة إناء للفصائل، مع التأكيد على أن «النخبة» هنا تعبير دارج لا أكثر.
«الاسترخاء» الذي أشير إليه، بمعنى أكثر دقة حالة عدم الفعالية التي تعيشها مؤسسات السلطة الفلسطينية، هي النتيجة الوحيدة التي يمكن الحصول عليها في ظل انعزال السلطة وافتراقها عن هموم الشارع وهواجسه، الانعزال عن الشارع هو انعزال عن مكونات الصراع مع الاحتلال، هو خروج غير آمن من هذا الصراع. وهذا ينفي دون شك سبب وجود السلطة نفسها.
الوصول الى «محكمة الجنايات الدولية» يمثل نقطة مفصلية في مجريات الصراع مع الاحتلال، وهي ليست وليدة قرار الانضمام الى المحكمة الدولية وتقديم الملفات الثلاثة؛ الاستيطان والأسرى ومقتلة مسيرات العودة، الملفات الثلاثة ستفتح حقبة جديدة في مقاومة الاحتلال فيما لو قرر القضاة الثلاثة في الهيئة التمهيدية المباشرة في فتح التحقيقات.
وهي، المواجهة، محصلة لتراكم طويل من التضحيات والصبر والعمل بدأ منذ عشية «النكبة»، وشاركت فيه قوى ومؤسسات وأفراد على مدى أكثر من جيل، ولمواصلته ينبغي توظيف المشاركة الممكنة الأوسع والتحرك على أكثر من مستوى، إذ سيكون من المحزن احتكاره وتفسيره والتعامل معه على غير ذلك الضوء وبعيدا عن تلك الحقيقة.