إغلاق ملف شخصي وفتح ملفّات إستراتيجيّة..رازي نابلسي

اغتيال سليماني وإسرائيل

الثلاثاء 14 يناير 2020 05:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
اغتيال سليماني وإسرائيل



رام الله /سما/



إعداد 

 لجنة السياسات في مركز مسارات

مقدمة
جاء اغتيال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوريّ الإيرانيّ، على يد قوّات أميركيّة في العراق، كتحقيق لأمنية إسرائيليّة تُغلق أحد الأبواب وتفتح الآخر. ففي البداية، يحقّق الاغتيال الهدف الإسرائيليّ بالتخلّص من الشخص، دون تحمّل تبعات الاغتيال بشكل مُباشر. وثانيًا، أدّى الاغتيال إلى تصعيد الصراع "الإيرانيّ - الأميركيّ" المُباشر والصريح، ودفع إسرائيل إلى الخلف مع تقدّم الولايات المتحدة إلى صدارة الصراع، ما يخفّف، ولو مؤقتًا، من التوتّر الإسرائيليّ الناجم عن انسحاب الولايات المُتحدة من الشرق الأوسط، وترك الأكراد في المعركة مع تركيا، وكذلك عن عدم الرد على إسقاط إيران للطائرة الأميركية المسيّرة.
ومن هذا المنطق، يشكّل اغتيال سليماني، بالنسبة إلى إسرائيل، إغلاقًا لملف الشخص، ولكنّه يفتح السؤال الأساسيّ حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستخوض الحرب مع إيران مباشرة، أم ستترك إسرائيل تخوض حربها، كما تركت السعوديّة والخليج والأكراد. ومن هذا الباب، يمكن فهم الأمر الذي صدر للنخب السياسيّة الإسرائيليّة بعدم التصريح على الاغتيال، بأنّه أمر بالبقاء خلف الولايات المتحدة لتخوض الحرب، وعدم الانجرار إلى واجهة الرد الإيرانيّ.
ترى الورقة في اغتيال سليماني الشخص، بالنسبة إلى إسرائيل، إغلاقًا للملف الشخصيّ. ولكنّها في ذات الوقت، ترى في اغتياله فتح سؤال، غاية في الأهمية، على الصعيد الإستراتيجيّ: موقع الولايات المُتحدة ودورها في المنطقة، ومدى تدخّلها المُباشر. وبالتالي، ستُحلّل الورقة الاغتيال، وإسقاطاته، وتأثيراته، والأسئلة التي يثيرها مستقبلًا بالنسبة إلى إسرائيل، وتأثيره على البرنامج النووي الإيرانيّ.
سليماني ومشروع الحلقة المغلقة
خطّت إسرائيل على مدار السنوات الماضية ملفًا شخصيًّا لقاسم سليماني، خرج إلى العلن عبر التحليلات العسكريّة التي تخرج عادة في إسرائيل بعد جلسات يجريها المستوى الإعلاميّ في الجيش مع المستوى المتخصّص في الشؤون العسكريّة في الإعلام، ويُطلق عليها عادة "توجيه". وفيها يستعرض المستوى العسكريّ أمام الإعلام العسكريّ آخر التطوّرات والقضايا التي تشغل إسرائيل، ويتحدّث عنها المحلّلون العسكريّون في الصحف والإعلام الإسرائيليّ علانية، وهي ما تفسّر مثلًا أن ينشغل كافة المحلّلين العسكريين في الصحف المُختلفة بالتهدئة مع غزّة، أو بالجبهة اللبنانيّة، أو بخلافة الرئيس محمود عباس، سويًا وفي أماكن مُختلفة.
وفي هذا السياق، رسمت إسرائيل عبر الإعلام والتصريحات الإعلاميّة صورة سليماني على أنّه الجنرال المسؤول الأول والأساسيّ عن التوسّع الإيرانيّ في المنطقة، وخاصة إستراتيجيّة إحاطة إسرائيل بحلقة من التنظيمات الموالية لإيران، التي تزوّد بالصواريخ لضرب إسرائيل في أي لحظة محدّدة تقرّرها طهران. كما حمّلت إسرائيل سليماني، المسؤوليّة أيضًا عن تطوير مشروع الصواريخ الدقيقة لدى "حزب الله" اللبنانيّ، ودعم وتطوير قدرات حلفاء إيران في المنطقة بطائرات مسيّرة وصواريخ دقيقة، وكذلك المسؤولية عن عمليّة تفجير السفارة الإسرائيليّة في بوينس آيرس عاصمة الأرجنتين في العام 1992، وتفجير حافلة في مدينة بورغاس السياحيّة في بلغاريا في العام 2012، اللتين قتل فيهما إسرائيليون.
حوّلت إسرائيل في الأعوام العشرة الأخيرة اهتمامها الديبلوماسيّ والعسكريّ الأساسيّ إلى الجبهة الشماليّة والصراع مع إيران بدلًا من الصراع الفلسطينيّ، الذي بدأ يتراجع في سلّم الأولويات الإسرائيليّ. وبدلًا من أن يتخذ الصراع الفلسطينيّ الحيّز الأكبر من الديبلوماسيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، احتل الموضوع الإيرانيّ الأولويّة، وبقيت غزّة قضيّة عسكريّة، ولكنّها ليست الأولويّة مُقابل التصدّي للتوسّع الإيرانيّ و"حزب الله" في لبنان.
وما زاد من هذا التحوّل محاولة إيران التمركز في سوريا بالقرب من الحدود عشية الحرب الأهليّة السوريّة، ما دفع بالموضوع الإيراني إلى أعلى سلّم الأولويّات الإسرائيليّ عمليًا. ومع هذا التحوّل إلى الجبهة مع إيران، برز سليماني بوصفه المسؤول الأول عن إيران في الإقليم، ومهندس حلقتها حول إسرائيل. وهذا ما أكّده عاموس يدلين، مدير معهد أبحاث الأمن القوميّ، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة سابقًا، ، الذي قال خلال برنامج "أستوديو الجمعة" الإسرائيليّ إنّه "بعد حرب لبنان الثانية، كان سليمانيّ على رأس قائمة المطلوبين إسرائيليًا برفقة حسن نصر الله وعماد مغنية". وهذا ما تعزّز خلال السنوات الأخيرة، مع تعزّز دور إيران في الإقليم، ليغدو سليماني في إسرائيل على رأس سلّم الأولويّات، فيحضر بقوّة مع كُل تصعيد جديد في الجبهة الشماليّة، وكُل قراءة للتحدّيات المُستقبليّة أمام إسرائيل. وليس اعتباطًا، أن يكون أحد عناوين الأخطار الوجوديّة على إسرائيل في التقرير الصادر عن معهد أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ مشروع الصواريخ المُحيطة بإسرائيل من لبنان إلى اليمن، وهو المشروع الذي رعاه سليمانيّ، بحسب وسائل إعلام إسرائيليّة وغربيّة.
إسرائيل، إيران، الولايات المتحدة
بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيّته الانسحاب من شمال سوريا، ومنحه الضوء الأخضر لتركيا للدخول، تُرِكَ الأكراد لخوض حربهم وحدهم، وهُم من القوى المركزيّة المُتحالفة مع الولايات المُتحدة في الشرق الأوسط. بعدها، جاءت الضربة التي نُسبت إلى إيران، واستهدفت شركة "أرامكو" السعودية. وقبل ذلك، أسقطت إيران طائرة أميركيّة مسيّرة كانت تحلّق فوق مضيق هرمز، ولم يأت أي رد أميركيّ عسكريّ، واكتفت إدارة ترامب بالعقوبات الاقتصاديّة. هذه السلسلة من الأحداث، كانت المؤشّر على تراجع وانسحاب الدور الأميركيّ من المنطقة لصالح الدورَيْن الروسيّ والتركيّ. وهو ما أدّى إلى توتّر إسرائيليّ وصل في مرحلة معيّنة إلى حد استخلاص العبر علنيًا، كما صرّح نفتالي بينيت، وزير الأمن الإسرائيلي بعد انسحاب الولايات المُتحدة وترك الأكراد في وجه آلة الحرب التركيّة، بالقول إن "ما حصل مع الأكراد يؤكّد أن أحدًا لن يخوض حروبنا، وعلينا الاتّكال على نفسنا للدفاع عن بلادنا". وهذا التصريح، رافقته عشرات التحليلات الإسرائيليّة في أستوديوهات الأخبار التي ضجّت بأصوات تُشير إلى أن إدارة ترامب ستترك إسرائيل وحيدة في المعركة مع إيران، كما تركت السعوديّة والأكراد.
هذا الصوت، تبدّل كليًا مع اغتيال سليماني، وتحوّل إلى آمال بأن تعود أميركا إلى المنطقة لتقوم بدورها كلاجم لأي قوّة تقوم فيها خارج السقف الأميركيّ المسموح، هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى، فشكّلت السياسة التي اتّبعها الرئيس الأميركيّ مع كوريا الشماليّة واللقاءات وتبادل الإطراءات، مؤشّرَ قلقٍ حول ما إذا كان سيتعامل مع إيران بذات المنطق، خاصة أنّه أطرى على سلوك إيران في المفاوضات مرّات عدّة.
جاء الاغتيال عمليًا بالنسبة إلى إسرائيل على طبق من فضّة، فعلى الرغم من أهميّة الاغتيال إلّا أن وجود أميركا وإيران في حالة صدام مُباشر دون وُكلاء يُعد أهم إستراتيجيًا لإسرائيل من الاغتيال ذاته. وهذا ما صرّح به مثلًا هرتسي هلفي، قائد الجبهة الجنوبيّة في الجيش الإسرائيليّ، الذي شغل سابقًا منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة، وقال: "علينا أن ننظر إلى الاغتيال بوصفه جولة في صراع بين الولايات المُتحدة وإيران على العراق، وجيّد أن الاغتيال حصل بعيدًا عنّا، ولكنّنا نتابع بدقّة. وعلى الرغم من أنّه من الممكن أن يصل إلينا، لكنه الآن في جبهة بين أميركا وإيران، بعيدة عنّا".
وهذا هو الوضع المثاليّ بالنسبة إلى إسرائيل، إذ تخوض الولايات المُتحدة الحرب مع إيران بدلًا منها وبدلًا من أن تخوضها هي، خاصة أن التقديرات كانت تُشير إلى أن الحرب قادمة في الجبهة الشماليّة مع حزب الله وإيران، والمسألة مسألة وقت. وما يعود ويرجّح حقيقة أن إسرائيل أرادت الاغتيال لكنّها لم ترد تحمّل عواقبه أنها كانت تملك الفرصة، بحسب مصادر إسرائيليّة، أكثر من مرّة لاغتيال سليماني، أبرزها حينما كان برفقة عماد مُغنية عندما أرادت إسرائيل اغتيال الثاني، ولكنّها انتظرت انسحاب سليماني واغتالت فقط مغنية بعد مداولات. وهو ما قاله أيضًا أمنون أبروموفيتش، المحلّل السياسيّ: إن المستوى العسكريّ أوصى مرارًا باغتيال سليماني، إلّا أن المستوى السياسيّ كان يرفض بسبب التبعات.
مع اغتيال سليماني، باتت إسرائيل عمليًا أمام حالتين: الفرحة الغامرة حيث وصلت إلى حد قال فيه إيهود يعاري، محلّل الشؤون العربيّة في القناة الإسرائيليّة الثانية، إن هذا الاغتيال هو الأهم منذ النكبة؛ وتساءل من ناحية أخرى حول مدى جديّة العودة الأميركيّة إلى الشرق الأوسط بعد سنوات من الانسحاب التدريجيّ. هذا التساؤل عمليًا، منوط بصورة مُباشرة بشخصيّة الرئيس الأميركيّ، غير القابلة للتوقّع، والتي تغيب عنها الإستراتيجيّة الواضحة: يُعلن الانسحاب من سوريا ومن ثُم يُبقي على الجنود في سوريا؛ ينسحب من الاتفاق النووي ولا يريد الحرب في ذات الوقت؛ يشيد بقدرات إيران التفاوضيّة دون أن تقبل بالتفاوض معه؛ يغتال أحد أهم قادة إيران وبعدها يُعلن أن الاغتيال لمنع الحرب وليس إشعالها. وهذا، ما يترك إسرائيل مع تساؤلات أكثر من الاحتفالات التي تمضي بعد يوم أو اثنين من الاغتيال. ومن هذا المنطق، يغدو المستقبل هو المُهم لإسرائيل، على صعيد إستراتيجيّ، أكثر من أهميّة الاغتيال ذاته، رغم أهميته. فعلى الرغم مثلًا من حقيقة أن رئيسيّ الوزراء السابقين في إسرائيل، إيهود أولمرت وإيهود براك، شدّدا على حقيقة أن إيران ليست دولة الرجل الواحد، وأن المشروع الإيرانيّ في المنطقة لن يتراجع بعد اغتيال سليماني، إلّا أن كليهما قالا إن سليمانيّ شخص مميّز، وسيكون من الصعب جدًا إيجاد شخص بمواصفاته.
السؤال الأساسيّ: هل تبقى الولايات المتحدة؟
جاء الرد الإيرانيّ بالشكل الذي فيه تنفّذ إيران وعدها بالرد على اغتيال أحد أهم قادتها، وفي ذات الوقت يمنح الولايات المُتحدة القدرة على احتوائه وإعلان نهاية جولة التصعيد. وهو عمليًا، ما جعل المنطقة عمومًا تتنفّس وتُزيل شبح الحرب مؤقتًا. أمّا الرد الرسميّ الإستراتيجيّ بحسب تصريحات كُل من جواد ظريف، وزير الخارجيّة الإيرانيّ، وحسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبنانيّ، فهو إخراج أميركا من منطقة غرب آسيا. هذا هو الرد الإستراتيجيّ الذي عبّرت عنه الشخصيّتين بصورة مُباشرة، ويُضاف إليه الرد العسكريّ الذي نفذّته إيران على قواعد أميركيّة في العراق، دون أن يؤدّي إلى حرب مُباشرة مع أميركا. وعلى الرغم من أن هذا أبعد شبح الحرب عن المنطقة، ولو مؤقتًا، إلّا أنه لم يلغ هذا الشبح كليًا، خاصة أن طهران وواشنطن تسيران على مسار تصعيديّ منذ سنوات، وتحديدًا منذ انسحاب الولايات المُتحدة من الاتفاق النووي ورفض إيران العودة إلى المفاوضات في ظل العقوبات الأميركيّة.
في الحقيقة، جاء الرد الإيرانيّ ليُعيد الوضع عمليًا إلى ما كان عليه سابقًا تقريبًا بشكل مؤقّت، رغم التصريحات المُتتاليّة من إيران وحلفائها، وعلى رأسهم نصر الله، أن ما قبل اغتيال سليمانيّ ليس كما بعده. ومع أنه لا يزال من المُبكر الحكم على مرحلة ما بعد سليمانيّ، إلّا أن الرد الإيرانيّ يُثبت أن ساحة الصراع المُباشر على الأقل بين إيران وأميركا، تبقى على ما هي عليه، وأن التصعيد وتغيير قواعد اللعبة إن كان من جانب إيران سيكون دون أن يؤدّي إلى حرب مُباشرة من شأنها هدم بنية الدولة الإيرانيّة وبرنامجها النووي التوسّعي في المنطقة.
عمليًا، ترك الرد الإيراني إسرائيل أمام ذات الظروف والأسئلة التي كانت أمامها بعد الاغتيال مُباشرة: ماهيّة الدور الأميركيّ في المنطقة؟ مبدئيًا، أكد الرئيس الأميركيّ في افتتاحيّة مؤتمره الصحافيّ أن "إيران لن تكون دولة نوويّة" خلال فترة رئاستي، ولكنّه اختتمه بالدعوة إلى مُفاوضات مع إيران. وهذا ما يترك إسرائيل مع ذات الأسئلة القديمة - الحديثة: هل ستهدم الولايات المُتحدة إيران وتُدمّر برنامجها النوويّ؟ هذا هو الهاجس الإسرائيليّ الأساسيّ.
وفي هذا السياق، يترك التصعيد الإيرانيّ - الأميركيّ إسرائيل أمام ثلاثة احتمالات رئيسيّة: إمّا أن تنجح حرب الاستنزاف الإيرانيّة ضد الولايات المُتحدة عبر استهداف قوّاتها، من خلال تفعيل الوكلاء في المنطقة، كالعراق واليمن وسوريا، وبالتاليّ ستكون إسرائيل أمام أكبر مخاوفها، وهو انسحاب الولايات المُتحدة وتركها وحيدة في الصراع مع إيران؛ وإمّا أن تندلع حرب مُباشرة بين الولايات المُتحدة وإيران تفضي إلى تدمير برنامج إيران النووي وبنية الدولة الإيرانية والنظام فيها، وهذا سيكون أفضل ما تتمنّاه إسرائيل وتدفع باتجاهه، أو تتحوّل إلى حرب إقليميّة شاملة؛ والخيار الثالث سيكون تخفيف حدّة التوتّر بين الطرفين، وفتح قنوات مفاوضات مُباشرة وغير مُباشرة، وهذا ما تمقته إسرائيل بقوّة، وحذّرت منه مرارًا، ولكنّها لن تكون أمام ذات الوضع الذي كانت فيه خلال المفاوضات والاتفاق الذي وقّعته إدارة الرئيس باراك أوباما، وهو ما يعود أساسًا إلى حقيقة أن نتنياهو لا يستطيع خوض الصراع ذاته مع شخص ترامب كما خاضه مع شخص أوباما، خاصة أن الأول منحه الكثير الذي يبدأ من الاعتراف بالقدس والانسحاب من الاتفاق النووي، وينتتهي مرحليًا مع الاعتراف بالجولان.
ووسط هذه الاحتمالات، تبقى شخصيّة الرئيس الأميركيّ هي الهاجس الإسرائيليّ الأساسيّ: اليوم يغتال سليماني، ومن الممكن أن يتصوّر غدًا مع روحاني. ولكن الموضوع الأساسيّ يبقى متعلقًا ببقاء القوّات الأميركيّة في الإقليم أو انسحابها. وهذا ما يكتسب أهميّة قصوى، خاصة بعد فشل الجهود الإسرائيليّة في استمالة الروس إلى صفّهم بشكل مفهوم ضمنًا كما يحصل مع الولايات المُتحدة، فروسيا أثبتت أنها تتعامل مع إسرائيل وفق مصالحها، ومن الممكن أن تتركها في أي لحظة، كما تلعب معها وفق قواعد اللعبة الإقليميّة، ولا يمكن الاتّكال على أنّها حليف إستراتيجيّ، وهو ما تبيّن في قضيّة اعتقال الفتاة الإسرائيليّة، وإسقاط الطائرة الروسيّة، وتوقّف التنسيق العسكريّ بين الطرفين إلى مدّة محدودة. وأيضًا، بعد الفشل المؤقت إسرائيليًا في إنجاز حلف عربيّ بين إسرائيل وما يُسمّى "الدول السنيّة المُعتدلة" بهدف مُحاربة إيران. وهو ما وضّح عمليًا لإسرائيل أن تحالفها مع الولايات المُتحدة، هو التحالف الوحيد الإستراتيجيّ الذي لا يوجد فيه شوائب ولا عوائق في المنطقة، وهو توأمة أكثر ممّا هو تحالف سياسيّ.