هارتس : هكذا اعتقلوا ميس وعذبوها ونكّلوا بوالديها

السبت 11 يناير 2020 08:11 ص / بتوقيت القدس +2GMT
هارتس : هكذا اعتقلوا ميس وعذبوها ونكّلوا بوالديها



رام الله / سما /

قال محمد أبو غوش إن اعتقال ابنته اصعب عليه من موت ابنه. هو يلقي نظرة حزينة على الصورة الكبيرة لوجه ميس الجميل التي تضع سلسلة عليها خارطة فلسطين الكاملة، ويصمت. لقد مرت خمسة اشهر تقريبا على اعتقال ابنته البكر ميس.

هو شخص جرب المعاناة. فابنه حسين قضى عندما كان عمره 17 سنة، عندما شارك في عملية طعن في مستوطنة بيت حورون التي قتلت شلوميت كريغمان قبل اربع سنوات؛ وابن شقيقه حسين قضى في سن 19 عاما في الذكرى السنوية لموت ابنه في عملية دهس في معاليه مخماس، وابنه سليمان، 17 سنة الآن، اعتقل في السنة الماضية مرتين اداريا، في كل مرة اربعة اشهر. والآن ميس توجد في السجن. وحسب المحامين هي عذبت اثناء التحقيق معها.

بنود الاتهام الخمسة ضدها تحمل عناوين خطيرة وتثير الرعب، ولكن تفصيل معظمها يثير الضحك. "الاتحاد غير المشروع" المتهمة به هو لجنة الطلاب للاعلان في جامعة بير زيت والكتلة الطلابية لتنظيمات اليسار "القطب". "حمل، حيازة وانتاج سلاح" – ملء زجاجات من محطة وقود وادخال قطع من القماش كفتيل. "اتصال مع عدو" – مشاركة في مؤتمر حول العودة في لبنان، برنامج اذاعي تحدثت فيه عن اخيها المتوفى وكذلك نية تحضير مقال عن هديل الهشلمون، الفتاة من الخليل التي حملت سكينا واطلقت النار عليها وقتلت في الوقت الذي كانت فيه ملقاة على الشارع وهي مصابة. "التآمر على ادخال اموال للعدو" – خطة لفتح حساب بنكي لتمويل لجنة طلابية للاعلام التي عملت فيها.

بند 2.4 في لائحة الاتهام خطير بشكل خاص: "في آب 2019 تحدثت المتهمة مع قصي مسالمة وليان الكايد وسماح جرادات بشأن تنظيم مخيم صيفي من قبل الكتلة، وقد ترددوا حول اقامته أم لا على ضوء اعتقال عدد من الاشخاص". ولحسن حظ اسرائيل، هذه الخطة الخبيثة والخطيرة لعقد المخيم الصيفي تم احباطها وهي في مهدها بفضل الشاباك.

حوالي 50 فلسطينيا، معظمهم من الطلاب، اعتقلوا منذ قتل رينا شنراف في نبع بوبين في آب الماضي. العناوين في وسائل الاعلام المجندة لاسرائيل صرخت: "الشاباك كشف قتلة رينا شنراف – جزء من بنية تحتية ارهابية شملت 50 مخربا". مخرب؟ تقريبا لم ينسب لأي واحد منهم تهمة التآمر على القتل، حتى ولو بصورة غير مباشرة. هم ليسوا متهمين بالعضوية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. عدد منهم اطلق سراحهم، وعدد آخر تم وضعهم في الاعتقال الاداري، وضد اغلبيتهم تم تقديم لوائح اتهام.

الاتهامات هي سياسية في اساسها، في عملية ظهرت كانتقام للشاباك على عملية القتل وقرار بتصفية هذا التنظيم الايديولوجي الذي تقلص مع مرور السنين في الضفة الغربية، والتي فيها تقريبا كل اتحاد سياسي محظور حسب قوانين الاحتلال. احد المتهمين بقتل شنراف، سامر العربيد، تم تعذيبه في ساعات التحقيق معه الثلاثين الاولى، التي فيها كسر المحققون 16 ضلع من اضلاعه، 8 في كل جانب، وتضررت اعضاؤه الداخلية وتم علاجه وهو فاقد للوعي ومخدر ومربوط بجهاز التنفس الصناعي وفي وضع حرج جدا.

حسب "لجنة شؤون الأسرى" الفلسطينية فان ميس أبو غوش عذبت ايضا. في بيتها في مخيم قلندية للاجئين، تحدث والدها عن طرق الجلوس المؤلمة التي وضعوا فيها ابنته، منها طريقة الموزة والضفدع. وعن منع من النوم ومن الذهاب الى الحمام، وهي الفتاة التي اتهمت بملء زجاجات حارقة وتنظيم مخيم صيفي. محامياها، سحر فرنسيس ومحمود حسان، يطلبان جلسة محاكمة مصغرة بخصوص الوسائل التي استخدمت ضدها اثناء التحقيق، وهو الامر الذي سيتبين في الايام القريبة.

ملثمون

مخيم قلندية كان يعج بالناس في هذا الاسبوع في ساعات المساء الاولى من يوم الاثنين. هذا احد المخيمات الكبرى في الضفة، 15 ألف نسمة على مدخل رام الله. ومشهده يذكر بمخيمات اللاجئين في الاردن. بيت عائلة ميس يوجد في نهاية زقاق، قريب من مدخل المخيم، يتكون من عدة طوابق ويعيش فيه اعمامها ايضا. الشقة التي توجد في الطابق الخامس مهدمة – الجيش الاسرائيلي هدمها في اعقاب العملية التي نفذها شقيقها حسين، ومنذ ذلك الحين تعيش العائلة في الطابق الثالث. الأب محمد استضافنا في كراج البيت في الطابق السفلي والذي يجمد فيه البرد العظام، وعلى جدرانه علقت صور للشهيدين من العائلة، إبنه وابن شقيقه، واسما٧هما حسين أبو غوش. إبنه سليمان تم اطلاق سراحه من السجن مؤخرا. في العام 2019 تم اعتقاله لمدة اربعة اشهر بدون محاكمة، واربعة اشهر كان فيها حرا، ومرة اخرى اربعة اشهر اخرى اعتقل بدون محاكمة، والآن هو يوجد في بيته. محمد يعمل في محل للادوات المكتبية واجهزة الطباعة في رام الله، وسليمان يعمل معه.

كسروا باب الشقة

محمد (49 سنة) يثير الاعجاب بسبب ضبط النفس. ميس ابنته هي طالبة في السنة الرابعة في كلية الصحافة في جامعة بير زيت. وقد بقي له ولزوجته نجوى اربعة اولاد وثلاث بنات بعد رحيل حسين. ميس اعتقلت ليلة 29 آب. حين كانت تدرس استعدادا للامتحان حتى ساعة متأخرة، وفي الساعة الرابعة فجرا سمعت ضجة غريبة في بيت الدرج. هي وشقيقها ايقظا الأب الذي سارع الى اشعال الضوء على مدخل الشقة من اجل منع تفجير الباب. ولكن جنود الوحدة الخاصة لحرس الحدود كسروا باب الشقة رغم ذلك.

لقد كانوا حوالي 10 رجال وثلاث نساء وعميل للشاباك وكلب. وكانوا يرتدون الزي العسكري وهم ملثمون. وقد جمعوا ابناء العائلة في الصالون وأخذا طفلين في الخامسة والثالثة من اعمارهما من السرير وحملوهما. رجل الشاباك المعروف باسم الكابتن حسام، تقدم مباشرة نحو ميس وشخصها. الأب عرف أنهم في هذه المرة جاءوا من اجلها وليس من اجل أحد الابناء الآخرين. وقد قال بأنه كان مصدوما مثلما لم يكن في أي اعتقال سابق.

ميس لم تجب على اسئلة الكابتن من الشاباك ورفضت اعطاءه هاتفها المحمول. وقد قالت له إن الجهاز قيد الاصلاح. وبعد ذلك، عندما وجد الجهاز، رفضت اعطاءه الرقم السري. الكابتن طلب من والدها الرقم السري الذي سأله: "هل تعرف انت الرقم السري لهاتف ابنتك؟". الكابتن أجاب بالايجاب.

الملثمون قاموا بتفتيش غرفة ميس والغرف الاخرى، وعاثوا في البيت. الكابتن قال لمحمد بأن عليه اعتقال ابنته. "هي طفلة، كيف تريد اعتقالها؟ سأحضرها في الصباح الى حيث تريد"، قال الأب، لكن الكابتن لم يوافق، وتم أخذ ميس من البيت.

في سجن عوفر

بعد اسبوعين تقريبا اتصل الكابتن حسام وقال لمحمد بأن المحققين مع ابنته يريدون الالتقاء معه في سجن عوفر. محمد خاف من أن يكون قد حدث سوء لابنته. محققة باسم نورا كانت في انتظاره. "أولا، أريد القول لك بأن ميس تفكر بك طوال الوقت، وهي تهتم بسلامتك"، بدأت حديثها.

محمد قرر عدم التعاون معهم وعدم الاجابة على الاسئلة التي تتعلق بابنته. "لقد أحضرتك الى هنا كي اقول لك بأنني قمت بالتحقيق سنوات كثيرة، ولكني لم التق بفتاة قوية مثل ميس. فهي قامت بضربنا. ابنتك هي ارهابية كبيرة، هي حزب الله. حزب الله والجبهة الشعبية. وأنا أريد منك التحدث معها".

محمد رفض ذلك. "لماذا؟" سألته المحققة، "هل أنت غاضب عليها؟". ومحمد لم يجب. المحققة هددت بأن ابنته ستقضي عشرين سنة في السجن. "هي ستفقد حياتها" قالت له. عندها قالت له بأنه كان هناك من اراد أن يتزوجها، قسام البرغوثي، أحد المتهمين بعملية نبع بوبين. المحققة سألت الأب عما ينوي عمله، وهو اجاب "ارسلوهما لعشرين سنة سجن وليتزوجا هناك".

المحادثة استمرت لساعتين، حسب اقوال محمد. وقد سألت مرارا وتكرارا: "ماذا ستفعل ازاء علاقة ابنتك مع قسام؟ وكيف أنت تربي اولادك"، و "يجب عليك قطع رأس قسام". محمد فهم أنهم يريدون دق اسفين بينه وبين ابنته واثارة النزاع بينهما.

ماذا فعلوا لابنتي؟

عندما عاد الى البيت قال لزوجته بأنه على قناعة بأنهم سيستدعونها للتحقيق وأنه يجب عليها عدم التعاون مع المحققين. وقد قال بأنه عرف أن ابنته تعرف قسام من الجامعة. بعد بضعة ايام اتصل الكابتن وأمر الزوجين بالمثول في غرفة التحقيق في عوفر. وعندما وصلا شاهدا شابا في غرفة الانتظار. وهما لم يعرفا أن هذا هو عبد الكريم البرغوثي، والد قسام. المحققون أمروهما بعدم التحدث مع هذا الشخص الغريب.

بعد ذلك أخذوا نجوى ومحمد الى القدس، الى قسم التحقيق في المسكوبية. وهناك قالوا لهما بأنهم يريدون مقابلتهما مع ابنتهما. وتم ادخال ميس الى الغرفة. "هذه لحظة لن انساها طوال حياتي"، قال محمد. سأقوم بتربية ابني الصغير، ابن الثالثة، على هذه اللحظة. عندما رأيت ميس اعتقدت في البداية بأنها ليست ابنتي. وبعد بضع ثوان فهمت أنها حقا ابنتي. ولكن شيء ما حدث لها. ربما يظهرون هكذا بعد تعرضهم للصدمات الكهربائية. لقد كانت منكسرة. كنت مستعدا لأن اصرخ: ماذا فعلتم لابنتي؟ ولكن بعد مرور بضع ثوان ابتسمت، عندها هدأت قليلا. كانت منحنية وكانت تمشي بصعوبة بخطوات قصيرة ربما بسبب القيود.

فخورون بكِ

قمت وعانقتها وهمست لها: نحن نحبك ونقف الى جانبك، ونحن فخورون بك. وأردت القول لها شيئا عن قسام، ولكن والدتها اخذتها مني وعانقتها. وهي كانت نحيفة جدا، قبل الافتراق سألتني: هل اتصل معك قسام؟ وعندما اخرجوها من الغرفة رأيت الدموع في عينها. وزوجتي نجحت في ضبط نفسها ولم تذرف الدموع. كان يجب أن نظهر اقوياء امامها لأنهم هددوها باعتقالنا، وهي قلقت علينا جدا. وفي نهاية اللقاء القصير اخذهما المحققون الى حاجز قلندية.

عند عودته الى البيت سارع محمد الى الاتصال مع المحامي خضر الدبس الذي كان يمثل حينها ابنته وطلب منه محاولة الالتقاء معها بسرعة. وأن يقول لها على لسانه "أنت يمكنك أن تحبي من تريدين، وأنا أتمنى لك أن تحبي من تريدين". لقد عرف أن المحققين ارادوا خلق الانطباع لديها بأن والديها غاضبين عليها ويهددان بالتخلي عنها. وهو أراد محو هذا الانطباع الكاذب". في زيارة في سجن الدامون قبل شهر سألها من خلف حائط الزجاج: ماذا فعلوا بك؟ فاجابته: أنا لا اريد أن اجيبك الآن. وعيناها امتلأتا بالدموع.

جدعون ليفي واليكس ليبك - "هآرتس"