هآرتس - بقلم حاييم ليفنسون: "في 27 ديسمبر 2018 وفي الساعة 14:28 ظهراً نشر رجل العلاقات العامة "إيتي بن حورين" بياناً قصيراً ومقتضباً، حدد الاضطراب السياسي الذي تعيشه إسرائيل حالياً: "قبل وقت قصير سُجل حزب المنعة لإسرائيل من قبل بني جانتس. تفاصيل أخرى ستأتي لاحقاً". بعد سنة بالضبط من ذلك أصبح بالإمكان إعطاء إشارات عن السلوك السياسي لرئيس الأركان السابق. الرجل اللطيف، والذي من نظرة عابرة يبدو بعيداً جداً عن الدهاء السياسي الذي يميز نتنياهو، تحول ليصبح الشخص الأول الذي يهدد سياسياً منصبه منذ "إيهود باراك" في 1999. في الخارطة السياسية الحالية، هو الشخص الأكثر قرباً اليوم من أن يكون رئيس الحكومة القادم لإسرائيل".
جانتس ليس هو نتنياهو. فعلياً، هو العكس المطلق له، وهذا أيضاً هو سر قوته. المصوتون الذين يشمئزون من نتنياهو وقفزوا في كل حملة انتخابية على عربة سياسية أخرى وجدوا فيه بيتهم. سلوكه السياسي مضلل. يوجد لنتنياهو شغف بالسياسة، جانتس يمقتها. نتنياهو يقفز من مؤامرة إلى مؤامرة، من برنامج إلى آخر- كل ذلك طبقاً لآخر نشرة أخبار. جانتس منظّم. الفرق بين الإثنين يمكن تمييزه من اللقاء الأول: عندما تأتي للمقابلة الأولى مع نتنياهو، يكون عليه التأكد من أن الضيف قد خرج بشعور بأنه قابل أحد الشخصيات المؤثرة في التاريخ.
نتنياهو يسعى وراء ضيوفه مثل عاشق لاتيني أخذ حقنة تستسترون: هو يضرب على الطاولة بحماس، يصرخ، هو يستعرض تحليلات استراتيجية واسعة المدى منذ بداية التاريخ وحتى لقائه الأخير مع وزير الداخلية الأمريكي مايك بومبيو. بالمقابل جانتس يبث جواً ناعساً. هو لا يكثر من الحديث ويصعب جداً فهم إلى أين تصل أفكاره. محادثات مع عدد من الأشخاص الذين زاروه تلخصت بالتسآؤل "لماذا هو أصلاً موجود في السياسة؟".
رئيس الأركان السابق معروف بتردده، في الحملة الدعائية التي قام بها قبل الانتخابات الأخيرة، نزع أعضاء "يوجد مستقبل" شعرهم بسبب عدم قدرة جانتس على إتخاذ القرارات. "ثلاثة رؤساء أركان في الغرفة، من المخيف التفكير كيف سيدار الجيش" قال أحدهم بخيبة أمل. عندما أوشك التفويض الذي أُعطي لجانتس على الإنتهاء، ويائير لبيد ضغط عليه لتشكيل حكومة مع القائمة المشتركة، وجد جانتس صعوبة في اتخاذ قرار. لقد تردد وتردد وأحب اقتراح موشيه يعلون القائل إن الحزب سيشكل حكومة بدعم القائمة المشتركة فقط في حالة كون رئيس "إسرائيل بيتنا" أفيجدور لبيرمان جزءاً منها. في نهاية المطاف، تخلى ليبرمان عن الفكرة وأنقذ جانتس من اتخاذ قرار، ولكن شركاءه السياسيين خرجوا عن طورهم.
أحياناً يكون في انعدام القدرة على اتخاذ القرار أفضليات: في ليلة 14 آذار، حينها نشر "عميت سيجل" في "حدشوت" 12 قضية الاختراق الإيراني لأجهزة المحمولة الرقمية لجانتس، فكر بالانسحاب من الحياة السياسية. في محادثات مع مقربيه كان مذهولاً. "لقد كانت تلك هي المرة الأولى التي فهم فيها إلى أي درجة يمكن أن تكون السياسة وحشية" قال لـ "هآرتس" أحد مستشاريه. "لقد عرف إن هذا قاسياً ولكن في المرة الأولى التي تتلقى فيه ذلك يكون الأمر مختلفاً" جانتس تردد وتردد وأخيراً رأى أن المارد ليس فظيعاً.
مع ذلك فإن أحد كبار شخصيات "أزرق أبيض" قال لهآرتس إن رئيس الأركان السابق "هو أكثر دهاءً مما تعتقدون. انظروا ماذا فعل بلبيد. في الحرب مع لبيد فإن جانتي كان هو الفائز، ولكن في نفس الوقت أيضاً كان هنالك متضرر. بدلاً من ذلك جانتس حاصر لبيد حتى رفع الراية البيضاء". الارتباط بلبيد كان هو القرار السياسي الأهم الذي اتخذه جانتس. حتى أكبر محبيه ومؤيديه المتحمسين الذين يرافقونه منذ تشكيل المنعة لإسرائيل، يفهمون أن هنالك مشكلة في الاندماج بين الاثنين.
جانتس لم يرد الاندماج مع لبيد منذ البداية. لقد ظن أن بإمكانه أخذ أصوات "يوجد مستقبل" دون التعاون مع لبيد نفسه. في الجلسات الأولى قبل تشكيل "المنعة لإسرائيل"، بحضور من هم اليوم أعضاء كنيست (حيلي تروفر، ميخائيل بيتون، وعومر ينكلفيتس)، لم يكن هدف جانتس أن يصبح رئيس حكومة بل أن يصبح الحزب الثاني في حجمه: لقد كان ينوي الدخول إلى حكومة نتنياهو وإشغال منصب وزير الدفاع. لقد ضم "بوجي يعلون" بثمن بالغ لأنه أراد أن يمنعه من الانضمام للبيد الذي كان يسعى وراءه، وخلق صورة حزب الجنرالات. بعد ذلك أراد أن يضم إلليه حزب "جيشر" برئاسة أورل ليفي أبكسيس.
الأمر الذي غيّر المخططات هو استطلاع عرضه على رئيس الأركان السابق مستشاره الاستراتيجي ورجل الاستطلاعات "إسرائيل بخار" قبل يومين من إغلاق القوائم للكنيست. الاستطلاع تنبأ لـ"أزرق أبيض" بـ 35 مقعداً، ومن أراد أن يكون رقم 2 ووزير دفاع شعر أن رئاسة الحكومة أصبحت في متناول يده. انضمام "جابي أشكنازي" كان كاسراً للتوازن من ناحية جمهور المصوتين. حتى هذه اللحظة كانت الانتخابات القادمة من شأنها أن تكون خيالية بالنسبة لنتنياهو: باستثناء الليكود، هنالك عدد من الأحزاب الجديدة والمتوسطة التي تصل إلى عدد مكون من رقمين من المقاعد ومعها يمكنه أن يلعب في الائتلاف كما يريد: إسرائيل بيتنا، زيهوت "الهوية"، اليمين الجديد، المنعة لإسرائيل، جيشر وحزب العمل برئاسة "آفي جباي" كان من شأنها أن تخوض فيما بينها معارك داخلية. "أزرق أبيض" خلقت قوة معادلة حقيقية لنتنياهو.
تحت قيادة جانتس، لبيد بدا كتقليد باهت لرئيس الحكومة. رغم أن من المعتاد التفكير بأن جانتس غير راضٍ عن الهجمات السياسية للبيد، فإن الوضع معاكس. جانتس تعلم أن يحب الطبيعة القتالية لشريكه، وكان مسروراً أنه يقوم بالعمل الأسود لصالحه. جانتس راضٍ أيضاً من حقيقة أن لابيد يبهِّت النظر إليه كمرشح مناسب لرئاسة الحكومة. في الحملة الانتخابية الأخير، استفاد جانتس من أن نتنياهو عاد واتهم لبيد بأنه يمنع تشكيل الحكومة. فعلياً جانتس نفسه لم يكن راضياً عن الدخول للحكومة، والمعارضة المشتركة للبيد ويعلون أقنعته أخيراً.
في الحملة التي سبقت الانتخابات في أيلول، خاف لبيد أن يتنازل عن التناوب بينه وبين جانتس على رئاسة الحكومة لأنه من ناحيته فإن هذا الأمر سيشكل اعتراف بأنه ليس أهلاً للمنصب. قبيل الجولة الانتخابية الحالية، فهم لبيد بأن التمسك بالتناوب يضر به أكثر مما يفيده. لقد قال لمقربيه أنه اتفق مع جانتس على أن يتولى وزارة الخارجية. هو يعتقد أن 4 سنوات يقضيها في إصلاح وزارة الخارجية الإسرائيلية سوف تحوله ثانيةً إلى مرشح حقيقي لرئاسة الحكومة.
الانضمام للبيد حوّل جانتس إلى مرشح لرئاسة الحكومة، ولكن أيضاً مرشحاً لرئاسة حكومة لمعسكر معين واضح. منذ بداية الحملة الانتخابية الأولى لهذه السنة، قال نتنياهو لمستشاريه المقربين: يجب نفخ جانتس وبعد ذلك إسقاطه. نتنياهو المخلص للسياسة الأمريكية ذات الرأسين، يحاول أن يخلق طوال الوقت نفس التقسيم الثنائي القطبي في إسرائيل. من ناحية نتنياهو يجب تقسيم المجتمع الإسرائيلي لـ "نحن" و"هم": "نحن" اليهود و "هم" مع العرب.
قانون القومية تبناه نتنياهو من أجل أن يجبر اليسار على التصويت مع العربي. من ناحيته أسوأ شيء أحزاب الوسط التي تأخذ أصوات من الأحزاب الكبيرة وتستطيع أن تتوج شخصاً آخر. فيما بعد نجح نتنياهو في "نفخ" جانتس ولكن لم ينجح فيه بإنزاله – من ناحية تصنيفية فقد نجح في أن يدفع جانتس إلى مربع الوسط – يسار، ولكن عندما انحل حزب الوسط "جميعنا" واضطر ناخبيه إلى اختيار حزب آخر، الاستطلاعات تدلل على أنهم توجهوا إلى يسار الليكود.
عندما دخل جانتس إلى الساحة السياية عرضوا عليه استطلاعات مع معطيات مرة. عدد الإسرائيليين الذين يعتبرون أنفسهم مصوتي يسار مكون من رقم واحد. حوالي 20% من المصوتين ينسبون أنفسهم لمعسكر اليمين. بين هذين المعسكرين يوجد كل أنواع التعريفات المائعة. من النوع المنتسر هذه الأيام في أقسام العلاقات: وسط، وسط – يسار، يمين – وسط، يمين يميل إلى الوسط وما شابه. جانتس فهم أنه يجب عليه الانعطاف إلى اليمين من أجل جلب أصوات. شعار إطلاق الحملة المنسي لحزب المنعة لإسرائيل تضمن "لم يعد هنالك يمين أو يسار، إسرائيل للجميع". نتنياهو يستخدم منذ 30 عام التقسيم ليمين ويسار. هذه المعركة خاضها جانتس سريعاً جداً.
يحبون في "أزرق أبيض" أن يعرضوا معطيات أخرى: حسب رأيهم ربع ممن يعتبرون أنفسهم كـ "يمين-وسط" يصوتون لأزرق أبيض. هؤلاء كما يبدو هم من صوتوا لموشي كحلون في 2015. في أزرق أبيض يعترفون أنهم لم ينجحوا في أن يخترقوا عميقاً خزانات الليكود. الهدف الذي وضعوه هو الفوز بالجمهور اليهودي حتى لا يحتاجوا لدعم فعال من القائمة المشتركة من أجل تشكيل حكومة. في الانتخابات الأخيرة الأحزاب التي توحدت حول نتنياهو وصلت إلى 55 معقد، مقابل 52 مقعد حصلت عليها "أزرق أبيض" مع ميرتس، العمل- جيشر وإسرائيل بيتنا. إذا انتقل مقعدان إلى الجانب الآخر إلى أزرق أبيض، فإن جانتي يعتقد أنه سيصبح رئيس حكومة خلال أسبوع من إغلاق صناديق الانتخابات.
على كل الأحوال، يقولون هناك، في الانتخابات القادمة لا يتوقع حدوث تغييرات كبير، بل معارك على مستوى مجموعات صغير يمكنها أن تنقل مقعد من معسكر إلى آخر وأن تحسم المعركة: الـ 15 ألف مزارع الذين صوتوا لتسومت، المتدينين اللبراليين من اليمين اللين على شاكلة أعضاء الكنيست يوعاز هندل وحيلي تروفر وأشباههم. "الكتل (التي تبلورت بعد الانتخابات الأخيرة) لن تصمد أسبوعاً" قال مصدر في حملة أزرق أبيض. "انتبه إلى أنه تقريباً مضى شهر على الحملة ولم يؤدي أي من أحزاب كتلة نتنياهو له بيمين الولاء. إذا حصل جانتس على مقعد زيادة واحد سيكون هو رئيس الحكومة القادم".
المضمون: منذ دخول جانتس للساحة السياسية في كانون أول الماضي، والذي أوشك على الانسحاب بسبب الاختراق الإيراني لهاتفه المحمول، فقد تعلم استغلال الضرر الذي تسبب به لبيد لنفسه وخسر في محاولة إقناع الإسرائيليين بأن التقسيم إلى يمين ويسار قد انتهى. من أراد في البداية أن يصبح وزير دفاع يؤمن اليوم بوجود فرص له في أن يكون رئيس الحكومة القادم خلال أسبوع من إغلاق صناديق الاقتراع.