يقع منزل عائلة أبو مدين في حارة رقم 21 في مدينة رهط، هذا الحي الذي يعاني معظم أهله الأوضاع المعيشية الصعبة هو الملاذ الأخير للأخوة صابرين، هيثم، هاني، محمد ووالدتهم التي تعيش مع زوجها في مدينة رهط.
مدخل المنزل الصغير مليء بالخردة وساحته تتراكم فيها الأوساخ، وقد تفاجئ جرذان كبيرة الحجم زوار المكان.
هذا الحال هو واقع الأخوة الأربعة منذ وصولهم إلى مدينة رهط في العام 1997، بالإضافة إلى ذلك يُمنع الأخوة من التنقل كثيرًا. هيثم فقط، الثاني بين الأخوة، استطاع تحصيل إقامة مقدسية بعد معاناة طويلة في جيل 33 عامًا، ولا تزال صابرين التي تعمل محامية شرعية في مدينة بئر السبع وأصغر الأخوة محمد بانتظار لجنة إنسانية لتقرر استحقاقهم للمستندات القانونية وإبقاءهم معًا.
يختلف الأمر في حالة هاني الذي أتم 30 عامًا هذا الأسبوع. يعاني هاني الملاحقة السلطوية له ومحاولات تهجيره من البلاد إلى غزة ويتوقع اتخاذ القرار بترحيل هاني يوم 8 كانون الثاني/ يناير 2020 في جلسة المحكمة الأخيرة لقضيته.
العديد من الشبان في رهط أصدقاء هاني وأسرته، إلى جانب ناشطي حقوق إنسان شاركوا في حفلة عيد ميلاد هاني الثلاثين، بالونات ملونة وكعكة في منتصف الطاولة، لكن هاني الذي يتوقع منه قول كلمة للترحيب بضيوفه والمتضامنين معه، خذلته الكلمات وامتلأت عيناه بالدموع، كل ما يستطيع التفكير فيه هو محاولات السلطات الإسرائيلية فصله عن أسرته وترحيله إلى مكان آخر.
عند سؤال أصدقاء هاني عن شعورهم من محاولات ترحيل صديقهم لم يتمالكوا أنفسهم، منهم من عبر عن استيائه ومنهم من خرج من الغرفة مسرعًا يدفعه الحزن وتؤذيه الفكرة.
ملاحقة وإبعاد
وعن وضعه، اليوم، قال هاني أبو مدين، لـ"عرب 48" إن "هذه الغرفة الصغيرة التي تراها أمامك لم أخرج منها منذ أشهر، في كل مرة أتشجع للخروج أنظر أمامي وخلفي. الشرطة الإسرائيلية لا تريدني هنا، قد يعتقلونني لأتفه الأسباب ومن ثم يرموني في الخليل أو يتركونني في السجن ليال عديدة دون سبب".
وأضاف: "أخوتي وأصدقائي هم أعز ما أملك، جعلوا بيتي مركزا لحياتهم كي لا أشهر بالوحدة".
وروت المحامية، صابرين أبو مدين، قصصًا عن المصاعب التي تواجهها بالعيش دون توفر مستندات ثبوتية والملاحقات المستمرة، وقالت لـ"عرب 48" إن "عمري 40 عاما ولا أزال أعاني من عدم امتلاك أي أوراق ثبوتية. الأمر صعب جدًا، ليس من السهولة أن تبني حياتك، وأن تجد عملا أو تتعلم أو حتى أن تحصل على علاج صحي عند مرضك. ابني أحمد الذي يعاني من الوضع القانوني هذا أيضا أصيب مرة في يده وكان ينزف، اضطررنا للانتظار 4 ساعات في المستشفى ليوافقوا على علاجه ودفعنا مبالغ كبيرة بسبب منعنا من الحصول على تأمين صحي".
معاناة
وأضافت أبو مدين، أنه "لا نريد منهم شيئًا. معاناتنا، اليوم، في تحصيل الحقوق والخدمات ليست أولوية بالنسبة لنا، كل ما نريده هو البقاء معا، هذا الشيء الوحيد الجيد في حظنا هو أننا معا ونحب بعضنا البعض جدا".
الأخوة الأربعة وهم من سكان مدينة رهط، اليوم، ليسوا غريبين عن النقب تاريخيًا، جدهم الأكبر شيخ عشيرة أبو مدين، فريح أبو مدين، شغل منصب رئيس بلدية بئر السبع، وكان عضوًا في محاكم النقب العشائرية التاريخية، اليوم لا يجد أحفاده مكانًا لهم في مُلك جدهم.
وقال هيثم أبو مدين، لـ"عرب 48"، إنه "حصلت على جنسيتي بعد 33 عامًا إثر معاناة طويلة بسبب انعدام المستندات الثبوتية والحقوق. أعرف معاناة أخي هاني جيدًا. ممنوع أن تمرض لأنك لن تجد علاجًا وتمنع من التنقل لأنك في خطر الاعتقال. رغم أننا من مواليد القدس والقانون يمنحنا الجنسية لا يريدوننا هنا".
مناشدة
قصة الأخوة أبو مدين مليئة بالمعاناة والألم، الوالدة كانت طالبة تمريض والوالد ممرضًا في مستشفى المطلع بالقدس تزوجا وسكنا هناك لغاية العام 1982، لم ينجح الزواج وطالبت الوالدة بالطلاق في العام 1992 وتم الطلاق بعدها بعامين، الأبناء جميعهم ولدوا في مدينة القدس وفي العام 1994 اختطف الوالد الأبناء إلى غزة عند طلاقه من الأم، واستطاعت هي استعادتهم في العام 1997، اليوم لا عائلة للأخوة أبو مدين في غزة وجرت مصادرة أملاك والدهم من أقربائهم وهدم بيتهم الوحيد فيها، ويرى الأخوة في ترحيل أخيهم هاني موتًا له لأنه لا شيء له هناك ولا يعرف أحدًا وعائلة الوالد لا تريده.
هيثم أبو مدين
وقالت أم هيثم أبو مدين لـ"عرب 48": "حاربت كثيرًا من أجل الحصول على أبنائي وبقائهم عندي. أنا خائفة جدًا من خطر إبعاد ابني هاني عني، ولا أستطيع العيش دون أبنائي، لا أستطيع البقاء دونهم ولو للحظة، ولا مكان لهم غير جانبي".