"بوليتيكو": رحيل نتنياهو لن يطلق اتفاق سلام مع الفلسطينيين

الخميس 05 ديسمبر 2019 10:15 م / بتوقيت القدس +2GMT
"بوليتيكو": رحيل نتنياهو لن يطلق اتفاق سلام مع الفلسطينيين



القدس المحتلة / سما /

 كتب كل من روبرت مالي، وهو الرئيس والمدير التنفيذي للمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، وآرون ديفيد ميلر، وهو زميل أول في مؤسسة كارنيجي، مقالاً نشرته مجلة بوليتيكو يوم الأربعاء/ 4 كانون الأول 2019 تحت عنوان "رحيل نتنياهو لن يُطلق اتفاق سلام"، قالا في مستهله، إن الاضطرابات السياسية في إسرائيل تدفع البلاد نحو منعطف مهم: فلأول مرة منذ عقد من الزمن، يمكن أن يكون رئيس وزرائها شخصاً آخر غير بنيامين نتنياهو.

ويشرح البحثان اللذان عملا كأعضاء في الوفود الأميركية لمفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية وفي إدارات مختلفة (جمهورية وديمقراطية) ويقولان: "من دون اتفاق لتشكيل حكومة بحلول الموعد النهائي في 11 كانون الأول الجاري، يبدو أن إسرائيل ستعقد -للمرة الثالثة خلال أقل من عام- انتخابات جديدة في فصل الربيع المقبل. ومع مواجهة نتنياهو للائحة اتهام رسمية ومحاكمة بتهمة الرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، ومع فشله مرتين في تشكيل حكومة، من الصعب تخيل فوزه في الانتخابات المقبلة، ناهيك عن تشكيل ائتلاف حاكم".

ويرى الباحثان انه "عندما يغادر (نتنياهو ) المنصب، سيتغير الكثير على الفور: فقد يتوقف انجراف البلاد نحو مسار غير ليبرالي، وقد يتعزز احترام سيادة القانون والقضاء والقواعد الديمقراطية؛ ويمكن أن تهدأ عملية الترويج للكراهية والخوف تجاه الأقلية العربية في إسرائيل"، إلا أن الباحثين اللذين يعتبران من أهم الخبراء في الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية، في واشنطن، بسبب السنوات الطويلة التي كرساها للعمل في هذه القضية يعتقدان انه "بالنسبة للتغييرات المهمة على صعيد عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية -القضية الوحيدة التي يبدو أنها تحتفظ بمعظم اهتمام العالم- لن يطرأ الكثير بشأنها. وسيكون هذا هو الحال بغض النظر عن شاكلة الحكومة التي ستحل مكان حكومة نتنياهو. فمن المفارقة أن استبدال نتنياهو برئيس وزراء أقل إثارة للجدل وأكثر عقلانية قد يضمن، في الواقع، أن تظل عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية تدور حول إدارة العملية أكثر من تحقيق السلام " وأن هذا سيكون صحيحاً بغض النظر عما إذا كانت نتيجة الانتخابات هي حكومة وحدة وطنية تتألف من حزب الليكود (من دون نتنياهو) وحزب بيني غانتس (أزرق وأبيض)، أو ائتلاف أضيق يشكله غانتز".

ويضيف الباحثان "يمكن أن تطرأ تطورات، بالطبع. فربما تسعى حكومة يقودها غانتس على وجه الخصوص إلى تحسين الظروف المعيشية في الضفة الغربية، وإبطاء وتيرة بناء المستوطنات خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، وتجنب بعض أكثر رغبات الحكومة السابقة استفزازاً مثل الضم الرسمي لغور الأردن. وقد تشعر القيادة الفلسطينية، التي لا تخضع لأي ضغط دولي تقريباً لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل طالما بقي نتنياهو في السلطة، أنها مضطرة للقيام بذلك مع رئيس وزراء أكثر قبولاً منه. كما قد تكشف الإدارة الأميركية أخيراً عن خطتها للسلام، التي طال انتظارها ونسيانها بنفس القدر".

ولكن "لن يضيف كل هذا أي تقدم ملموس على صعيد حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فقد أثبت التاريخ منذ فترة طويلة أن تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين ليس بديلاً عن الخطوات التي تلبي تطلعاتهم السياسية، وتبدو احتمالات نجاح مفاوضات السلام حول قضايا الوضع النهائي الأساسية -مثل الحدود والقدس- مشكوك فيها بنفس القدر، وسيُستقبل غانتس بتوقعات كبيرة؛ فهو، بعد كل شيء، جنرال إسرائيلي سابق ورئيس أركان سابق قوي وعملي، لكنه (غانتس) ليس رجل التيار اليساري، بل يمثل اليمين القديم - فهو وطني متشدد صارم لا ينصب تركيزه الأساسي على إنهاء الصراع مع الفلسطينيين، وإنما على إنهاء الغضب والانقسام والاستقطاب بين الإسرائيليين".

ويشرح الكاتبان ويقولان: "لقد كان غانتس صامتاً بصورة تامة تقريباً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية خلال حملتيه الانتخابيتين، مفضلاً مثل نتنياهو التركيز على التهديد القادم من إيران؛ ووبَّخ الحكومة الحالية لكونها متساهلة للغاية في سياساتها تجاه غزة؛ وأيد السيطرة الإسرائيلية الدائمة على غور الأردن، ورحب بجميع الخطوات الأكثر إثارة للجدل التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما في ذلك قرار إدارته بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان والإعلان عن أن المستوطنات لا تتعارض مع القانون الدولي".

وأضافا "ربما يكون قد فعل (غانتس) بعض ذلك أساساً لأغراض انتخابية، بغية تجنب وصفه بأنه يساري متشدد، لكن غانتس ليس حر التصرف؛ فسوف يكون مقيداً من قبل قيادة حزبه، بما في ذلك موشيه يعلون المتشدد، وعدد من أعضاء الحزب الذين قد يشعرون بالراحة بين صفوف الليكود الخالي من نتنياهو".

وبالإضافة إلى ذلك "لن يكون تشكيل الحكومة الإسرائيلية العقبة الوحيدة أمام صنع سلام حقيقي، فالجانب الفلسطيني يقدم تحديات كبيرة أيضاً، إذ تفتقر قيادته، المنقسمة والمختلة، إلى استراتيجية دبلوماسية متماسكة لإنهاء الاحتلال أو التفاوض على حل الدولتين، وأدى الخلاف بين فتح وحماس، الفرعان الرئيسيان للحركة الوطنية، إلى وجود اثنين من كل شيء –دولتان صغيرتان، وخدمتان أمنيتان، ورؤيتان على الأقل لما يجب أن تكون عليه فلسطين في المستقبل. ويفتقر الرئيس محمود عباس، الذي انتهت ولايته قبل سنوات، إلى السلطة والشرعية لاتخاذ القرارات الهامة نيابة عن شعبه، ناهيك عن القرارات المتعلقة باتفاق حول الوضع النهائي".

ثم أن هناك مسألة خطة السلام التي وضعتها الإدارة الأميركية المعروفة باسم صفقة القرن "فمع وجود حكومة جديدة وسعي ترامب على ما يبدو لصرف الانتباه بعيداً عن جلسات الاستماع الخاصة باقالته، من خلال الانخراط بنشاط أكبر على جبهة السياسة الخارجية، ستزداد احتمالات تقديمه لهذه الخطة. وكان الكثير مما كُتب عن الاقتراح (صفقة القرن) وانحيازه المزعوم لإسرائيل مجرد تكهنات، وإن كانت تستند إلى سجل الأداء الأمريكي مع الفلسطينيين. ومع ذلك، وحتى مع افتراض أن هذه التكهنات كانت خاطئة وأن الخطة تتضمن أموراً غير محتملة مثل قبول دولة فلسطينية أو عاصمة فلسطينية في أجزاء من القدس، فمن غير المعقول أن تقترب، حتى عن بعد، من شيء يقبله كل الفلسطينيين- من الأكثر براغماتية إلى الأكثر تشدداً"، حيث أنه "من غير المحتمل أن يمضي الاقتراح الاميركي إلى معالجة المتطلبات الفلسطينية كما فعلت المعايير التي اقترحها الرئيس الأميركي بيل كلينتون في عام 2000، أو الأفكار التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت في عام 2007، أو الخطة التي عرضها الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري على عباس في عام 2014 –وكلها رفضتها القيادة الفلسطينية"، كما أنه "من غير المعقول أن تقبل نفس هذه القيادة اليوم أقل مما رفضته عندما كانت لديها ثقة أكبر في الولايات المتحدة".

ويلفت الكاتبان إلى أنه "قد تحدث بعض التغييرات المفاجئة: فقد يغادر عباس (85 عاماً) المشهد السياسي في المستقبل القريب، ما سيؤدي إلى تدافع للسيطرة على السلطة وتشكيل قيادة فلسطينية جديدة؛ ويمكن للفلسطينيين في الضفة الغربية أن ينضموا إلى إخوانهم في أنحاء المنطقة، وأن ينهضوا ضد الاحتلال الإسرائيلي أو حكم السلطة الفلسطينية أو كليهما، ولكن من الصعب تصور أن يؤدي أي من هذين الحدثين إلى انفراجة قريبة على صعيد عملية السلام".

ويؤكد الكاتبان أنه اذا ما تغيرت الأمور في إسرائيل، فان عملية صنع السلام الإسرائيلية الفلسطينية ستظل كما هي، و"هنا تكمن المفارقة: حيث يمكن القول ان استمرار الوضع الراهن في السياسة الإسرائيلية -أي استمرار رئاسة بنيامين نتنياهو للحكومة- هي الطريقة الأكثر احتمالاً لكسر الجمود وتغيير الأوضاع الإسرائيلية-الفلسطينية، والإسرائيلية-الأميركية، حيث إن بقاء نتنياهو في السلطة يعني ضعف احتمالات حدوث تحسن مادي لأوضاع الفلسطينيين وإحياء المفاوضات، ناهيك عن التوصل إلى حل قائم على فكرة الدولتين؛ ويعني زيادة إمكانية مجيء المزيد من الخطوات الاستفزازية مثل ضم أجزاء من الضفة الغربية، وبالتالي فرض حوار حول طرق بديلة للتعامل مع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".

ويوضحان "هذا يعني أيضاً تدهوراً مستمراً في العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية وشرائح مهمة من الشعب الأميركي، وخاصة بين جيل الشباب من الديمقراطيين واليهود الأميركيين، الذين يُنفرهم انحياز نتنياهو الحزبي الصريح للجمهوريين، وميله للقادة الاستبداديين وغير الليبراليين في جميع أنحاء العالم، وخطابه المحرض والمعادي للعرب في الداخل، ورضوخه لشركائه الأرثوذكسيين في الائتلاف، وتجاهله لمخاوف اليهود الأمريكيين في العديد من القضايا الدينية. وكل ذلك جعل من المطلوب بدء نقاش أكثر انفتاحاً وصدقاً حول الدور الذي ينبغي للولايات المتحدة أدائه في النزاع".

ويعتقد الكاتبان ان "رحيل نتنياهو المتوقع من المشهد السياسي يشير إلى أن هذه النظرية، التي ستنقطع في منتصف تطبيقها، لن تُجرب على الأرجح في أي وقت قريب، وبدلاً من ذلك، ومع وجود رئيس وزراء إسرائيلي محترم على نطاق واسع، يمكن أن يعود الوضع إلى ما كان عليه منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي فصاعداً: أي أن استئناف عملية السلام سينطوي في معظمه على الكثير من العملية (الحركة) دون أي سلام، والتركيز على خطوات على الأرض تعمل على تحسين ظروف الاحتلال دون إنهائه؛ ودعم حزبي لدور وساطة أميركي يميل إلى تقبل الحقائق القائمة بدلاً من مواجهتها".

وبذلك "ستوضع واجهة أكثر مرحاً وتفاؤلا حول المفاوضات والاحتلال، كما على العلاقات الإسرائيلية-الأميركية".

ويختتم الكاتبان مقالهما بالإشارة إلى أنه "من المفارقة أن خروج نتانياهو من السلطة قد يكون هديته الأخيرة غير المقصودة للهدف الذي سعى إلى تحقيقه، وكان استمرار فترة ولايته الطويلة يهدده وهو: ضمان أن يظل الوضع الراهن غير المستدام مستداماً -على الأقل في نظر الولايات المتحدة".