أعلنت اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم عن اختتام مشاركة وفد رفيع المستوى ممثلا عن دولة فلسطين، في المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" بدورته الـ40 والمنعقد في العاصمة الفرنسية باريس بالفترة ما بين 12 لغاية 27 من الشهر الجاري، وأصدرت اللجنة تقريراً مفصلاً عن هذه المشاركة تناولت فيه أهم المحاور والمجالات التي تم نقاشها والحضور الفلسطيني فيه، والذي كان هذا العام بمثابة مختبر أفكار عالمية لدراسة نهوج جديدة متعددة الأطراف في إطار سلسلة من القضايا الملحة التي تتراوح من التعليم العالي إلى الذكاء الاصطناعي وحماية الصحفيين، في ظل دعم وتأييد للعديد من القرارات الخاصة بالعاصمة القدس الشريف والتعليم والثقافة في فلسطين.
وشاركت فلسطين بوفد متعدد الاختصاصات ويضم العديد من القطاعات بشكل متتالي، وكانت مشاركة كل قطاع في الاجتماع الذي يخصه ضمن أعمال المؤتمر، وترأس الوفد معالي وزير الخارجية د. رياض المالكي، وعضوية معالي وزير الثقافة د. عاطف أبو سيف، ومعالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي أ.د. محمود أبو مويس، وعطوفة الأمين العام للجنة الوطنية د. دواس دواس، إضافة لمشاركة المندوبية الدائمة لوفد فلسطين في اليونسكو، وذلك بحضور رؤساء الدول والحكومات وممثلين عن الدول الأعضاء في المنظمة والبالغ عددهم 193 دولة، إلى جانب عشرة أعضاء منتسبين، والمنعقد على مدار أسبوعين للبت في برنامج اليونسكو وميزانيتها للعامين المقبلين.
قال وزير الخارجية والمغتربين د. رياض المالكي خلال كلمته في المؤتمر: "إن فلسطين هي مهد الحضارة والأديان، وأن عاصمتها القدس التي حُفر على أسوارها جزء من ماضي شعبنا الفلسطيني، وتراثه وتاريخه، هذا التراث الذي تعمل اسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، على تدميره، والاستيلاء عليه، وتزوير التاريخ الشاهد على تجذر شعبنا في أرضه منذ أكثر من عشرة آلاف سنة، بما يُسقط رواية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي".، داعياً الدول الأعضاء لتحمل مسؤولياتها في الحفاظ على المواقع التراثية ذات القيمة الإنسانية العالمية، ومساهمتها في إنفاذ الاتفاقيات المؤسسة لعمل “اليونسكو” لحماية التراث الفكري والحضاري لفلسطين، وضرورة إرسال بعثة الرصد التفاعلي لليونسكو إلى مدينة القدس القديمة وأسوارها على وجه السرعة، بالإضافة لدعوته المديرة العامة لليونسكو لاتخاذ التدابير اللازمة لإيفاد هذه البعثة وممثلين عنها لرصد انتهاكات الاحتلال، بحق ممتلكاتنا الثقافية والتراثية ومؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية. وطالب بدعم دولة فلسطين لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 وعدم ترك الشعب الفلسطيني خلف الركب.
وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي أ. د. محمود أبو مويس الذي رافقه د. معمر اشتيوي رئيس الهيئة الوطنية للاعتماد والجودة التابعة للوزارة، في كلمته أمام أكثر من 100 وزير و100 ممثل عن الجامعات المشاركة في برنامج اليونسكو للكراسي الجامعية، الاستعداد لاتخاذ العديد من الإجراءات والتعديل على الأنظمة، لتسهيل عمليات الاعتراف بالمؤهلات والدرجات العلمية، بهدف تحسين عملية تنقل الطلبة والتحاقهم في مؤسسات التعليم العالي المنتشرة في العالم ومراعاة التغير الذي يطغى عليه الطابع الدولي أكثر فأكثر وتتنوع المؤسسات التي تقدمه وتتجدد أساليب التعليم. ويوجد حالياً قرابة 220 مليون طالب ملتحقين بالتعليم العالي على صعيد العالم، أي ما يعادل ضعف عددهم قبل عشر سنوات، ومن المتوقع أن يزداد هذا العدد، ولا سيما في أفريقيا، مما أفضى إلى الظهور التدريجي لحرم جامعي عالمي يضم الدارسين والكليات والباحثين. وشهد العقد الذي سبق عام 2011، زيادة في عدد الطلاب الذين اختاروا الدراسة في الخارج بمقدارٍ أكثر من الضعف، إذ وصل عددهم إلى 4.3 مليون طالب، حيث يُقدر تضاعف عددهم مرة أخرى حتى عام 2025.
وقد جرى خلال مناقشة قطاع التعليم العالي الموافقة على إقرار الاتفاقية العالمية للاعتراف بمؤهلات التعليم العالي، وتم الدعوة إلى تعميم فكرة جواز المؤهلات للاجئين اللذين حصلوا عليها في بلدانهم الأصلية قبل أن ينتقلوا إلى بلدان جديدة، والتي بدأت بعض الدول الأوروبية بتبني هذه الفكرة.
بمشاركة 120 وزير ثقافة من كافة دول العالم وبحضور الوفد الفلسطيني وعلى رأسه وزير الثقافة د. عاطف أبو سيف وعطوفة الأمين العام د. دواس دواس والوكيل المساعد للشؤون المالية والإدارية في وزارة الثقافة ماهر أبو ريدة ومنار الناطور مديرة العلاقات الدولية، أوصى منتدى وزراء الثقافة باتخاذ قرارات جديدة بشأن العاصمة المحتلة القدس الشريف معربا عن قلقه من العوائق والممارسات التي تضر بالمساعي الرامية للمحافظة على الطابع المميز لمدينة القدس وأسوارها، وأكدت الدول الأعضاء والجهات المانحة الدولية تقديم المزيد من الدعم للأنشطة الرامية لصون التراث الثقافي لمدينة القدس القديمة عن طريق التمويل الخارج عن الميزانية، كما أعربت اللجنة عن قلقها بشأن الحفريات الأثرية والأشغال الإسرائيلية في القدس القديمة وعلى جانبي القدس وأسوارها، وضرورة تعزيز سيادة القانون الدولي في القدس الشريف بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح والاتفاقية الخاصة بحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي.
فيما تضامن د. أبو سيف مع قضية الصحفي الفلسطيني معاذ العمارنة خلال كلمته أمام وزراء ثقافة العالم من خلال وضعه لضماضة على عينه اليسرى معبراً عن طلبه توفير حماية دولية للصحفيين الفلسطينيين من الانتهاكات الإحتلالية الغاشمة التي أودت بحياة الكثير منهم، وكان آخرها إصابة الصحفي عمارنة برصاصة استقرت بالعين أدت لفقدانها.
وأبدى د. أبو سيف استعداد دولة فلسطين لتعديل القوانين والأنظمة بما يخدم دور الثقافة في السياسات العامة نحو التنمية المستدامة، مؤكدا على أن الثقافة موردا لا يقدر بثمن وعلينا الاستثمار فيه وحمايته على مستوى العالم بدل تدميره ومحوه أو تزييفه.
وتداول المجتمعون قضية حرية الرأي والتعبير من خلال الصحافة باهتمام بالغ، فيما عرضوا العديد من القارير التي تشرح حالات الاعتداء على الصحفيين حول العالم وخاصة الاعتداءات التي تتم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وناقشوا أيضا الحق بحرية التعبير والصحافة وحق الحصول على المعلومات وحماية الصحفيين من الإفلات من عقاب كل من يعتدي عليهم، فيما قدم 3 تقارير في هذا المجال، كان أولها بخصوص زيادة حالات الاعتداء على الصحفيين حول العالم، والذي تم خلاله التطرق لقضية الصحفي الفلسطيني عمارنة وشرح عن الحالة الفلسطينية وما تعانيه من اعتداءات من قبل الاحتلال، بالإضافة لتقرير عن حق الحصول على المعلومات، وتقرير أخير عن العلاقة ما بين الصحافة والانتخابات وكيفية التغطية الإعلامية للانتخابات المختلفة حول العالم.
وأوضح الأمين العام للجنة الوطنية د. دواس بأن مشاركة دولة فلسطين لهذا العام تميزت عن المرات السابقة بفعاليتها وتخصصيتها وأهمية القرارات التي اتخذت لصالحها، بالإضافة لتميزها بالمشاركة على مستوى الوزراء اللذين قدموا ما لديهم عن الحالة الفلسطينية من عدة جوانب كان أهمها الدبلوماسية الثقافية والقدس الشريف وما تعانيه من محاولات طمس وتهويد وتغيير للهوية العربية والإسلامية، بالإضافة للتعليم العالي والبحث العلمي، وشرح مفصل عن واقع الهوية والحضارة الفلسطينية العريقة وغيرها من المجالات الفرعية، وأضاف دواس بأنه سيجري تقييم مشاركة دولة فلسطين في هذا المؤتمر ووضع المشاريع والبرامج الفلسطينية ضمن الأولويات الوطنية بما ينسجم مع التوجهات التي تبنتها اليونسكو.
وأضاف أيضاً أن عضوية فلسطين في منظمة اليونسكو والمنظمات المتخصصة الأخرى تعطي لمؤسساتنا مساحة أكبر للتحرك على كافة المجالات المحلية والدولية، وأشار إلى نجاح فلسطين بتكريس نفسها بين الأمم والتفاف العالم حول مطالب الشعب الفلسطيني وتأكيدهم على ضرورة دعم هذه المؤسسات وهذا الشعب المناضل ماديا ومعنويا، مشيرا إلى توجه الكثير من الدول لوفد دولة فلسطين من أجل طلب دعمها في الترشحات المختلفة، وأضاف: "تعاطت فلسطين مع كافة الشركاء والأشقاء العرب والمسلمين والدول الغربية الصديقة لشعبنا من خلال تصويتنا كدولة عضو في المنظمة لصالح هذه القرارات الخاصة بأشقائنا العرب ومناصري حقوقنا الوطنية حول العالم".
وأشار د. دواس أنه عقد على هامش المؤتمر العديد من اللقاءات والاجتماعات ما بين الوزراء الفلسطينيين ونظرائهم من الدول المختلفة، إضافة للقاء مدير عام اليونسكو أودري أزولاي، ومدير عام منظمة الإيسيسكو د. سالم بن محمد المالك، وجرى خلالها التطرق لسبل زيادة الدعم لدولة فلسطين، والمطالبة بتحمل هذه المنظمات لمسؤولياتها في حماية التراث الثقافي والحضاري في فلسطين جراء اعتداءات الاحتلال ومحاولات طمس الهوية الحضارية والثقافية للشعب الفلسطيني.
يذكر أن د. دواس شارك في العديد من اللجان الفرعية وحلقات البحث والنقاش والتي كان أهمها ما يتعلق بالشباب والأطفال وحمايتهم على الانترنت من كافة المهددات التي على رأسها التنمر الالكتروني وحقوق الطفل على الشبكة العنكبوتية، وأشار دواس بأن اللجان تطرقت لضرورة مشاركة قطاع الشباب في الحياة الثقافية وتسهيل ذلك من خلال اتفاقيات دولية يتم التوقيع عليها، وتنفذ على مستوى الدول الأعضاء.
وشاركت اللجنة الوطنية باجتماع اللجان الوطنية على مستوى دول العالم والتي تم خلاله تبادل الخبرات والتطرق لأهم تجارب النجاح والتحديات التي تواجه عمل اللجان الوطنية، وعلاقة هذه اللجان مع مكاتب منظمة اليونسكو في الدول الأعضاء وسبل تطوير عملها، وسبل النهوض في دورها في ضوء تزايد مجالات عمل اليونسكو وشمولها كافة القطاعات، وطالب أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية د. دواس بزيادة مساهمة اليونسكو في تمويل البرامج والمشاريع ضمن ما يسمى ببرامج المساهمة، إضافة للبرامج الممولة من اليونسكو والتي تقدم من خلال اللجنة الوطنية، ومعبرا عن احتياج المؤسسات والوزارات المختلفة في قطاعات التربية والثقافة والعلوم.
كما ترأست دولة فلسطين ممثلة بسفيرها في منظمة اليونسكو السفير المناوب منير انسطاس لجنة الترشيحات في اليونسكو، وهي من أهم اللجان التي تتعلق في إدارة عملية الترشح والانتخابات للأطر والمجالس والمكاتب واللجان المختلفة لليونسكو، مما يدل على المكانة التي وصلت لها دولة فلسطين في هذه المنظمة.
وجرى خلال المؤتمر عرض للوحة الفنان الفلسطيني عماد الطيب تحت شعار النيلة الزرقاء دعوة للإضاءة على هذه المادة اللونية وما لها من حضور عبر الحضارات في قاعة اليونسكو الرئيسية، بناءً على طلب اللجنة الوطنية الفلسطينية.
يذكر أن اليونسكو قد ناقشت الموازنة العامة للأعوام القادمة 20202021، كما أصدرت العديد من القرارات في تبني البرامج والمشاريع بالإضافة لافتتاح المكاتب والمراكز التابعة لليونسكو في كافة الحقول، وتبني إطلاق أيام عالمية من أجل: الرياضيات، الفن، الهندسة من أجل التنمية المستدامة، الفن الإسلامي، شجرة الزيتون، ويوم دولي لمكافحة كل أشكال العنف والتنمر في المدارس ومنها التنمر الالكتروني ابتداءً من 2020 والذي شارك في إقراره الرئيس الفرنسي ايمانول ماكرون شخصيا مقدما التوجهات الفرنسية حول الطفولة والحياة الآمنة لهم خلال تعاملهم مع العالم الرقمي ووسائل التواصل الالكتروني.
كما اتخدت قرارات عديدة تتعلق بالتعليم، خصوصا موضوعات تتعلق بالتعليم التقني والمهني، وتعليم الكبار، ووضع تصنيف دولي موحد لبرامج تدريب المعلمين، وتمويل المعاهد المعنية بالتربية، واستراتيجية اليونسكو لمحو الأمية الخاصة بالكبار 20202025، وإطار للعمل الخاص بالتعليم من أجل التنمية المستدامة.