تفاصيل جديدة حول مفاوضات العدوان الصهيوني على غزة عام 2012 ..محمد مطر

الجمعة 15 نوفمبر 2019 08:03 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تفاصيل جديدة حول مفاوضات العدوان الصهيوني على غزة عام 2012 ..محمد مطر




تعرض قطاع غزة مساء يوم الأربعاء الموافق 14/11/2012م إلى عدوان صهيوني خطير، بدأ باغتيال أحمد الجعبري نائب القائد العام لكتائب القسام، ثم أتبعه بسلسلة من عمليات الاستهداف المتتالية لقيادات وعناصر المقاومة الفلسطينية، طالت عددًا من المواطنين وممتلكاتهم، وقد أطلق جيش الاحتلال على هذا العدوان اسم عملية "عمود السحاب"، في حين أسمتها كتائب القسام بمعركة "حجارة السجيل". 
تزامن هذا العدوان مع متغيرات إقليمية مهمة، كان أبرزها نجاح بعض الثورات العربية وصعود الإسلاميين للحكم في تونس ومصر. وظهر جليًا التضامن الإسلامي والعربي مع قطاع غزة على الصعيد الرسمي والشعبي، حيث زار القطاع خلال العدوان وفود وشخصيات رسمية وشعبية من تركيا وماليزيا ومصر وقطر والسعودية وتونس وليبيا والعراق والأردن ولبنان. 
وكان واضحًا أن حركة حماس قد استفادت بشكل ملحوظ من تلك التطورات, من حيث نوعية وكمية الأسلحة المستخدمة في صدّ العدوان، فكان ردها سريعًا وقويًا, حيث تمكنت كتائب القسام ولأول مرة من قصف عمق الكيان الصهيوني، ووصلت صواريخها إلى مدينتي القدس و"تل الربيع" المحتلتين. 
وقد رفضت المقاومة الفلسطينية شروط الاحتلال بوقف إطلاق النار، وطالبته بقبول شروطها الخاصة, الأمر الذي نجحت فيه بعد مرور سبعة أيام وخمس ساعات على بدء العدوان, حيث تحقق ذلك بالإعلان من القاهرة عن وقف إطلاق النار والتوصل إلى تهدئة بين الطرفين. 
اتصالات لوقف العدوان 
يُذكر أنه خلال أيام العدوان لم تحدث أي مفاوضات بين الأطراف، وإنما كانت عبارة عن اتصالات ووساطات وتدخلات من جهات متعددة، لكن المفاوضات غير المباشرة عقدت فعليًا بعد وقف العدوان. 
وتشير التقارير بأن دولة الاحتلال طلبت من تسع دول عربية وغربية التدخل لدى مصر، كي تضغط على حركة حماس وفصائل المقاومة لوقف إطلاق النار والقبول بتهدئة، وتسارعت الجهود المصرية في 19/11/2012م للوصول إلى تهدئة معززة بدعم عربي ودولي. وكان أكثر ما دفع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لعدم شن حملة برية على قطاع غزة، تهديد الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي بإلغاء اتفاقية "كامب ديفيد" في حال لم يوقف جيش الاحتلال عدوانه على القطاع، واضطر لذلك حتى لا تتأزم العلاقات مع مصر. 
وضعت دولة الاحتلال مجموعة من الشروط لوقف إطلاق النار، مثل: وقف إطلاق القذائف الصاروخية، ووقف استهداف الآليات العسكرية على الحدود, وتخلي المقاومة عن سلاحها, ومنع
2 / 3
تهريب الأسلحة, واعتبار حماس مسؤولة عن أي عمليات عسكرية تنطلق من قطاع غزة ضدها، الأمر الذي رفضته المقاومة جملة وتفصيلًا، في حين وضعت حركة حماس ثلاثة شروط للتهدئة، وهي: التزام دولة الاحتلال بوقف عمليات الاغتيال، والتراجع عن فرض منطقة حزام أمني على طول الحدود، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة. 
الوصول إلى تفاهمات 
نتيجة لصمود وبسالة المقاومة الفلسطينية والجهود الدبلوماسية المصرية، والتي شاركت فيها كلٌ من تركيا وقطر والولايات المتحدة الأمريكية, تم التوصل إلى اتفاق تهدئة وإعلان سريان وقف إطلاق النار، والذي دخل حيّز التنفيذ في تمام الساعة التاسعة من مساء يوم الأربعاء الموافق 21/11/2012م. وأعلنت الرئاسة المصرية عن الوثيقة التي تم الاتفاق عليها، والتي نصّت على البنود التالية: 
1. تقوم "إسرائيل" بوقف كل الأعمال العدائية على قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًا, بما في ذلك الاجتياحات وعمليات استهداف الأشخاص. 
2. تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال "العدائية" من قطاع غزة، تجاه "إسرائيل" بما في ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على الحدود. 
3. فتح المعابر وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع وعدم تقييد حركة السكان أو استهدافهم في المناطق الحدودية, والتعامل مع إجراءات تنفيذ ذلك بعد (24) ساعة من دخول الاتفاق حيز التنفيذ. 
4. يتم تداول القضايا الأخرى إذا ما تم طلب ذلك. 
كما تضمنت الوثيقة آلية التنفيذ التي شملت ثلاث نقاط, وهي: 
1. تحديد ساعة الصفر لدخول تفاهمات التهدئة حيز التنفيذ. 
2. حصول مصر على ضمانات من كل طرف بالالتزام بما تم الاتفاق عليه. 
3. التزام كل طرف بعدم القيام بأي أفعال من شأنها خرق هذه التفاهمات, وفي حال وجود أي ملاحظات يتم الرجوع إلى مصر راعية التفاهمات لمتابعة ذلك. 
وقد لمس سكان قطاع غزة بعض نتائج هذا الاتفاق, حيث سُمح للصيادين بالصيد في بحر القطاع بعمق يصل إلى (6) أميال بحرية, بدلًا من (3) أميال, كما سُمح للمزارعين بالوصول إلى أراضيهم على السياج الحدودي, والتي مُنعوا من الوصول إليها سابقًا. 
مفاوضات ما بعد العدوان 
بعد وقف العدوان وإعلان التهدئة بدأت في القاهرة جولات من المفاوضات التفصيلية حول جميع القضايا, بحضور وفدي الطرفين وبرعاية مصرية, وقد طرحت مجموعة من القضايا كان أهمها موضوع الخط الزائل على الجهة الشرقية من قطاع غزة، وأنه من حق أبناء الشعب الفلسطيني الوصول إلى آخر ملليمتر على الحدود. كذلك تم التركيز على اتفاقية "رودس" الموقعة في عام
3 / 3
1949م، والتي تنص على أن مساحة قطاع غزة ليست (360) كم2، وإنما (560) كم2 تقريبًا، وتم الاستعانة بالخريطة الرسمية التي توضح تلك الحقائق. 
كما تم الإصرار على الوصول إلى الحدود البحرية حتى (الجرف القاري)، بمعنى الوصول إلى المياه الإقليمية الدولية، وليس فقط (12) ميلًا بحريًا، بل إلى أكثر من (20) ميلًا بحريًا، وهذه يوجد لها مخطط كامل وتفصيلي، وفقًا للاتفاق الموقع بين ياسر عرفات ويتسحاق رابين وبحضور الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، مع المطالبة بتعديل هذه الاتفاقية وتحديدًا الجزء المتعلق بــ(ميل من الجهة الشمالية، والتي ممنوع تحرك أي فلسطيني فيها، ونصف ميل من الجهة الجنوبية مع الجانب المصري). 
أيضًا طُلب بأن لا يتم اختراق المجال الجوي للقطاع، سواء من خلال الطائرات المسيرة بدون طيار أو الطائرات الحربية. أما معبر رفح فقد طُلب فتحه وتسهيل الحركة من خلاله بشكل دائم لإدخال المواد اللازمة لقطاع غزة، وفق ما كان معمولًا به قبل عام 2006م، حيث كانت تدخل مواد البناء المختلفة وبعض البضائع بشكل يومي. 
لكن لم يترتب على تلك المفاوضات أي شيء، فلم يفتح معبر رفح، وعاود الاحتلال خرق التهدئة، وإطلاق النار على المزارعين عند السياج، ومنع الصيادين من دخول البحر حتى قبل (6) أميال، وتم اختراق المجال الجوي والمجال البحري بصورة مستمرة، وكأن التفاهمات كانت شكلية ليس أكثر. 
تقييم عام 
كان من أهم العوامل التي دفعت دولة الاحتلال للقبول بالتهدئة والنزول عند شروط المقاومة الفلسطينية, هو التطور النوعي في رد المقاومة، إلى جانب الثورات العربية والتطورات الإقليمية التي خدمت موقفها، وهيأت لها ظهيرًا مساندًا ساعدها على تعزيز موقفها وتحسين أدائها العسكري والميداني. 
وقد بدى أن خيارات دولة الاحتلال قد تضاءلت, ولم تعد قادرة على حسم الموقف بانسحاب أحادي من طرف واحد، بل أرغمت على الموافقة على رفع كثير من مظاهر الحصار ولو كان شكليًا. وقد جاء هذا الإنجاز ليؤكد أن العدو لا يفهم إلا لغة القوة، وهنا يظهر جليًا الدور الحقيقي لورقة الكفاح المسلح في دعم الموقف الفلسطيني على طاولة المفاوضات واستثمار الإنجازات الميدانية. 
لكن لا نستطيع القول أن المفاوض الفلسطيني نجح حينها في فرض تثبيت التهدئة، فالأمر انتهى عند وقف إطلاق نار شكلي ليس أكثر، وهو ما يحتاج مستقبلًا إلى استخدام مزيدٍ من أوراق القوة والضغط على المحتل، لفرض شروط المقاومة ورفع الحصار وانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال.