عملية "نبع السلام" ..عبد الرحمن شهاب

الجمعة 18 أكتوبر 2019 01:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
عملية "نبع السلام" ..عبد الرحمن شهاب



اطلس للدراسات الاسرائيلية / تقدير موقف

أطلس للدراسات

الموقف الفلسطيني
الموقف الدولي
المصالح التركية من عملية "نبع السلام"
المصالح الإيرانية
إسرائيل في هذا المعترك
استنتاجات وتوقعات

الموقف الفلسطيني

تقلبت المواقف الفلسطينية في المحيط الإسلامي والعربي خلال عملية البحث عن النصير للقضية، وكانت تسعى لإرضاء الأطراف المتناقضة، ولكنها في الكثير من الأحيان لم تكن لتستطيع أن توفق بين المتناقضات، ممّا يجعلها عرضة لدفع الثمن نتيجة الاصطفاف لصالح أحلاف ضد أحلاف، ومن أبرز الاثمان هو الثمن الذي دفعه الفلسطينيون نتيجة اصطفاف منظمة التحرير الفلسطينية  مع صدام حسين عند اجتياحه للكويت، وكذلك الثمن الذي دفعته حركة حماس باصطفافها ضد نظام بشار الأسد في مطلع الربيع العربي، لكن هناك الكثير من المواقف لم يكن الفلسطينيون مضطرين إليها، ولكن عملية تأكيد الاصطفاف كانت تدفع بهم أو ببعضهم إلى بيع المواقف دون قيمة مضافة من الثمن، بل دون طلب من الحليف، بل أكثر من ذلك، ربما يكون متقدمًا وأكثر تطرفًا من موقف الحليف، وكما يقول المثل الفارسي "القدر أكثر سخونة من الحساء الذي بداخله"، ربما ينطبق إلى حد ما على العديد من المواقف المختلفة، بل والمتناقضة من عملية "نبع السلام"، ممّا يجعل شعار "الموقف الفلسطيني المستقل" خاليًا من المضمون، وهذا ينطبق تمامًا على الكتاب الفلسطينيين الذين حسموا خياراتهم لجهات إقليمية، حتى أصبحت أقلامهم لا تضيف أكثر من سخونة القدر فيما يسعى الحساء إلى تبريد نفسه، كي يستسيغه الطاعمون.

الموقف الدولي

يتمثل المأزق الحقيقي على الساحة الدولية بتراجع دور الولايات المتحدة في نظام أحادي القطب، دون دخول وريث لهذا العبء، ولهذا فهي مرحلة لا تشبه مرحة بداية القرن الماضي في التراجع الأوروبي وتقدم الولايات المتحدة، ولا تشبه نهاية القرن الماضي من تراجع مرحلة القطبيْن لصالح القطب الواحد، فجميع الورثة المحتملين إما لا يرغبون بوراثة هذا النظام (كالصين مثلًا) أو لا يملكون المخزون الأخلاقي اللازم لقيادة العالم (روسيا كمثال). هذا الواقع المتشكل الجديد يخلق نزاعًا متزايدًا بين القوى الإقليمية الصاعدة، خصوصًا تلك التي تمتلك قوة داخلية متماسكة يجعلها قادرة على تشكيل قوة جذب إقليمية أو مخزون أخلاقي تقدمه للمنطقة المتنازع على نفوذها.

المنطقة العربية والإسلامية يوجد بها أربع دول بهذا المفهوم، والباقي يمكن أن يكون تبعًا لإحداها أو لعدد منها، هذه الدول هي: إيران، تركيا، مصر وإسرائيل. البعد الجغرافي لهذه الدول، والذي جعل من كل واحدة من تلك الدول تحد واحدة وتبتعد عن اثنتين، يجعل كل دولة مقيدة في بسط نفوذها دون التحالف مع إحدى الدولتيْن غير المتجاورتيْن، ومن هنا تسعى إيران للتقارب مع مصر كونها لا خيار لها غير ذلك، ولكنها تجد عائقًا في ذلك كونها تركز اعتمادها على الشيعة العرب وحركات المقاومة؛ الأمر الذي لا تتقبله مصر، فيما تحاول تركيا التقرب من مصر، خصوصًا عندما راهنت على انتصار الاخوان المسلمين ؛ الأمر الذي انقلب رأسًا على عقب بعد فشل التجربة وصعود عبد الفتاح السيسي، ومن هنا تأتي ضرورة مد جسور العلاقة مع إسرائيل، خصوصًا لحاجتها في مجال التقنية العسكرية كون إسرائيل قد تكون أكثر انفتاحًا على تركيا من الغرب في بيع التقنية العسكرية. في المقابل، إسرائيل ليس لها خيار سوى التقارب مع تركيا، ومحاصرة إيران من خلال خلق تحالفات مع دول سنية معادية للنفوذ الإيراني مستفيدة من الصراع السني - الشيعي. أما مصر، فقد حملت أعباء تمنعها من التفرغ للتأثير الخارجي الإقليمي، على الرغم من أنها المؤهل الأكثر لتمدد النفوذ، كونها ليس لديها عوائق اجتماعية وطائفية وسياسية كما لباقي الثلاث دول.

المصالح التركية من عملية "نبع السلام"

تركيا ترى أن خارطة النفوذ آخذة في الثبات بحكم الأمر الواقع، ونحن على مشارف انتهاء القتال في سوريا، وأن المناطق التي هجرها السوريون السنة في مناطق القتال جميعها قد استبدلت بغيرهم، إن كان بمسلمين شيعة في بعض المناطق أو أكراد في مناطق أخرى، كتحول ديموغرافي كبير، ولم يعد فرصة لإعادة اللاجئين إلا على الحدود التركية، ويُمكن ان يستفاد من إعادتهم لتحقيق عدة أهداف، أكثرها مصالح تركية وجزء مهم منها مصالح لأطراف أخرى:

أولًا: منع تشكل دولة في كردية في الشمال أو شبه دولة.

ثانيًا: التخلص من اللاجئين على الأرض التركية.

ثالثًا: خلق حزام ديموغرافي سني على الحدود التركية - السورية.

رابعًا: الحفاظ على وحدة سوريا بعد انسحاب الجيش التركي، لأنه سيتم ولو بعد حين.

خامسًا: الاستفادة اقتصاديًا في إنعاش قطاع العقارات التركي من خلال المشاركة بإعمار سوريا.

سادسًا: خلق استقرار داخلي والتفرغ لخيارات التأثير الخارجي.

سابعًا: التخلص من النفوذ الإسرائيلي على الحدود داخل دولة أو شبة دولة الأكراد.

ثامنًا: تركيا تدرك الانشقاق داخل النخب السورية إلى الحد الذي لا يمكننا أن نرى في الأفق المنظور عودة سوريا للسوريين، وبالتالي يجب خلق واقع لا يسمح بتقسيم الدولة السورية لصالح الأكراد، بل على العكس ممكن تكرار حالة لواء الاسكندرونة، فهؤلاء السوريين الذين سيتبعون للشريط الديموغرافي الجديد قد يفضلون في المستقبل الانضمام إلى تركيا على البقاء ضمن الدولة السورية الفاشلة.

بهذا يمكننا القول بأن الأهداف والنفوذ الأكثر وضوحًا من بين أهداف اللاعبين على الساحة السورية هي الأهداف التركية من هذه العملية، وكذلك مطامع النفوذ التركي.

المصالح الإيرانية

بالعودة إلى الدول الأربعة المؤهلة للأدوار في المنطقة، نجد أن إيران بحاجة للحفاظ على العلاقات التركية بالدرجة الأولى من أجل كبح العلاقات التركية - الإسرائيلية إلى أدنى مستوى لها، فبدون تركيا ستبقى إسرائيل مقيدة في الشمال حتى الحدود الإيرانية.

لا شك بأن إيران وحزب الله دخلوا إلى سوريا من أجل المحافظة على نظام الأسد، ومن أجل الحفاظ على خط التواصل بين المقاومة وإيران وملامسة الحدود الفلسطينية وعدم خلق قفازات  للإسرائيليين في المنطقة، وقد يبدو واضحًا ان الموقف الإيراني من العملية التركية لم يكن حادًا، ولم يطالب بإيقاف العملية، ففي المحصلة إيران ترى - وبصمت - أن العملية ستخفض فاعلية النفوذ الإسرائيلي في الشمال، ومن هنا تصبح غير قادرة على خلق حالات إشغال في الشمال، وبالتالي تكون المقاومة متفرغة تمامًا لمواجهة تمدد النفوذ الإسرائيلي في الجنوب.

إسرائيل في هذا المعترك

إسرائيل تمثل نقطة ارتكاز غربية - دولية، وهي أيضًا ضمن الأربع دول محور جذب إقليمي، وتسعى لأن تتسع لتصبح دولة مركز عالمية من خلال محاولتها موضعة نفسها كبوابة للعام الغربي وذراعًا له في نفس الوقت، كما تسعى للضغط على روسيا لكبح تحالفها مع دول المنطقة، كما التدخل لخلق تحالفات تفتت المنطقة وتشظيها.

كتب افرايم عنبر، في دراسة صادرة عن مركز بيغن - السادات، في مطلع الربيع العربي 2012، يتحدث عن عزل إسرائيل  الناتج عن تمدد الإسلاميين في الطوق الخانق لإسرائيل حتى في حوض المتوسط: "تركيا المطلة على البحر المتوسط يُسيطر عليها الإسلاميون الذين غيروا من سياستهم الخارجية المؤيدة للغرب وتبنوا سياسات متطرفة اكثر، حيث تركيا تؤيد حماس وحزب الله، وتعارض العقوبات على إيران، وتعادي بشكل علني السياسات الإسرائيلية، وتحاول ان يكون لها دور القيادة والريادة في الشرق الأوسط، وفي آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان وشرق حوض البحر المتوسط؛ الدمج بين القومية التركية والماضي العثماني والرغبات الإسلامية دفعت تركيا بزعامة العثمانيين الجدد لمواقف عدائية وهجومية بقضايا المنطقة المختلفة، وقد لوحت بقوتها البحرية في وجه إسرائيل حين هددت بمرافقة السفن الذاهبة إلى غزة من أجل كسر الحصار". ويقترح عنبر حلولًا لهذا العزل كأن تخلق إسرائيل شراكة "مع السنة في العراق والأكراد... الدولة الجديدة في جنوب السودان".

القلق الإسرائيلي من عملية "نبع السلام" يأتي من أن إسرائيل ستفقد حليفًا كرديًا قادرًا على إشغال الأتراك عن عملية تمدد النفوذ والتفرغ لمنافسة إسرائيل على مناطق النفوذ داخل العالم السني في الحدود، التي يعجز النفوذ الإيراني عن تعبئتها بسبب البعد الطائفي أو التوجه السياسي، وتعجز أيضًا مصر تعبئته بسبب انشغالها في المشاكل الداخلية، خصوصًا أن تركيا تشعر بأنها دولة مغبونة في هذا المجال، لا سيما في حوض المتوسط وشرقه.

إسرائيل تواجه إشكالية معقدة في مواجهة التمدد التركي قد لا تواجهه في مواجهة التمدد الإيراني، فقد يسهل عليها استدعاء الحلفاء العرب والإسلاميين السنة في مواجهة إيران، الأمر الذي يصعب عليها تجنيده في مواجهة تركيا، والأهم من ذلك أن إسرائيل تستطيع بسهولة تحريض الغرب ضد إيران لكن لا تستطيع تحريضه ضد تركيا، ومن الواضح ان الغرب صمت عن العملية التركية كونه يدرك قدرة تركيا على التخريب على الغرب من خلال فتح الباب أمام ملايين اللاجئين نحو الغرب، فمصلحة الغرب لدي تركيا لا تقل عن المصلحة تجاه إسرائيل.

استنتاجات وتوقعات

1) المأزق الطائفي الذي تشتعل نيرانه كلما تقدمت إيران بمشروع المقاومة غير حاضر في تمدد النفوذ التركي.

2) تركيا تقدمت بمشاريع لإعمار غزة والضغط لرفع الحصار، ولكن ضمن سياستها الناعمة، والساعية إلى تحييد السلاح في العمل المقاوم؛ ولكن هذه الاستراتيجية غير مقبولة على فصائل المقاومة.

3) كلما كانت تركيا أكثر استقرارًا كلما كانت أكثر استغناءً عن دولة إسرائيل وتقدم نفوذها على حساب إسرائيل، وأصبحت إسرائيل بحاجة لها أكثر من حاجة تركيا لإسرائيل.

4) ضعف الموقف الغربي في مواجهة العملية التركية نابع من خشيته من أن تستخدم تركيا سلاح الجماهير المهاجرة؛ الأمر الذي يجعلنا ندرك أكثر فعالية تهديد مسيرات العودة وكسر الحصار على دولة إسرائيل.

5) المتوقع أن تتحسن العلاقات التركية - الإسرائيلية لصالح تركيا، وقد يستفيد الفلسطينيون من هذا التحسن.

6) الأتراك بخلاف الإيرانيين لا يقبلون بأحلاف اتكالية، فهي لا تدفع أموالًا لحلفائها، بل تقدم مشاريع مقابل تقدم في مشاريع مقابلة، حتى المهاجر غير المستثمر لا تقبل بهِ.

7) تركيا تسعى لإعمار الشمال السوري ليشارك في دعم الاقتصاد التركي.

8) اللاجئون السوريون لا يستطيعون العودة إلى ديارهم إذا انتهى القتال في سوريا، لأن بيوتهم وديارهم وبلدانهم تغيرت ديموغرافيًا، واستبدلت الطوائف بطوائف أخرى بحكم الأمر الواقع، وقد قامت تركيا بهذه العملية لإيجاد مكان لهم على الأرض السورية.

9) النظام السوري منكفئ إلى أقصى ما يُمكن، والنخب السورية منقسمة والمسافة بعيدة إلى أن ترجع سوريا للسوريين، وحتى ذلك الوقت سيبقى النفوذ الأجنبي على الأرض السورية سيد الموقف، وما ترضاه طائفة لنفوذ أجنبي محدد ترفضه طائفة أخرى وتفضل غيره.

10) إذا كانت مصر منكفئة، وإيران يصعب عليها تعزيز النفوذ دون تأجيج الجن الطائفي؛ فهل يترك المجال للتمدد الإسرائيلي أم يُستعان بنفوذ تركي مؤقت أم غير مؤقت، خصوصًا وأن منطقتنا العربية تخضع لنفوذ أجنبي منذ قرنيْن؟ وإذا اعتبرنا أن النفوذ التركي أجنبي فنحن من بدء الخلق تبع لآخرين.

11) الفلسطيني لم يستفِد من تجاربه في التحالفات، ولم يزده التنقل بين الأحلاف وبيع المواقف سوى مزيدًا من الاسترزاق والنفعية.

12) جميع الأطراف (بما فيها إيران والنظام السوري) راضون عن الخطوة "نبع السلام"، ولا خلاف سوى على حدودها، ولا حرج عند النظام من هذا التدخل الأجنبي.

13) لا يوجد معيار لتقييم الحدث سوى حدود السيطرة.

14) الخاسر الأكبر من هذا التدخل هو إسرائيل.