أذا ما عقدنا مقارنة سريعة بين الظرف السياسي والامني والعسكري التي تتم فيه زيارة نتنياهو اليوم الى منتجع سوتشي الروسي على البحر الاسود للقاء الرئيس فلاديمير بوتين واجراء مباحثات معه حول الوجود الايراني في سوريا ،حسب المصادر الاسرائيلية، واخر زيارة قام بها المذكور الى موسكو ولقائه بوتين قبل ايام قليلة من الانتخابات المبكرة لتي جرت في الدولة العبرية في التاسع من نيسان ابريل الماضي، فاننا نلاحظ بدون عناء بان زيارة اليوم تتم في ظل ظروف أسوا بكثير للرجل من تلك التي تمت بها الزيارة السابقة
فقبل زيارتة في نيسان كان بوتين بحاجة الى ارضاء نتنياهو بأي ثمن لكي لا يشن مزيدا من الغارات الجوية في سوريا نظرا للتاثير السلبي الذي تتركه تلك الغارات على جهود مكافحة الارهاب التي يقوم بها الروس وحلفائهم ضد العصابات الارهابية المسلحة المدعومة اسرائيليا ومنعها من اجهاض الانتصارات التي تحققت في مجال مكافحة الارهاب، ولذلك فقد منع بوتين السوريين من استخدام منظومة ال اس- 300 التي تم تزويد الجيش السوري بها للتصدي للاعتداءات الجوية التي تشنها اسرائيل على سوريا كما قدم له هدية لا تقدر بثمن تمثلت بتسليمه نصف رفاة احد الجنود الاسرائيليين المفقودين في معركة السلطان يعقوب التي جرت بين الجيشين السوري والاسرائيلي عام 1982 من القرن الماضي،، والتي ساهمت مع هدية ترامب التي تمثلت باعتراف الولايات المتحدة الامريكية بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة في نجاحه في الانتخابات المبكرة السابقة وهيأت له الظروف لتشكيل حكومة جديدة لولا احباط مساعيه من قبل وزير الدفاع السابق افيغدور ليبرمان ،الامر الذي دفعه الى حل الكنيست والتوجه الى انتخابات مبكرة اخرى في السابع عشر من الجاري لكي ينقذ نفسه من السقوط والسجن.
اما الزيارة الحالية فهي تتم في اعقاب وفي ظل سلسلة اخفاقات واحباطات وضربات مني بها وتلقاها نتنياهو من اكثر من طرف وفي اكثر من اتجاه، تجعله بحاجة الى الرئيس الروسي لكي يلقي له خشبة خلاص تنقذه من خسارة الانتخابات وقضاء ما تبقى من حياته في السجن.
فهي تتم بعد عمليتي “اففيم ” واسقاط المسيرة اللتين نفذهما حزب الله اللبناني ضد اسرائيل ردا على الاعتدائين اللذين استهدفاه في عقربا السورية وضاحية بيروت الجنوبية الامر الذي منع نتنياهو من تثبيت قواعد اشتباك جديدة مع الحزب وترميم قوة الردع الاسرائيلية التي تاكلت الى حد كبير ، وهي تأتي بعد يومين فقط من منظر هروبه على الهواء مباشرة الى احد الملاجئ بعد اطلاق المقاومة الفلسطينية لصواريخ على مدينة اسدود اثناء القائه لكلمة في مهرجان انتخابي لحزب الليكود، الامر الذي اعتبرته الصحف الاسرائيلية الصادرة في اليومين الماضيين فضيحة له “وللدولة”، كما انها تأتي بعد يوم واحد من اقالة ترامب لمستشاره للامن القومي جون بولتون الامر الذي اعتبره المراقبون نذير شؤم لنتنياهو ودليل على فشل سياساته الهادفة الى توريط الولايات المتحدة الامريكية في حرب مدمرة مع ايران.
ولذلك فإن كافة المؤشرات والدلائل توحي بان نتنياهو سوف يسعى خلال المباحثات التي سيجريها اليوم مع الرئيس بوتين في سوتشي الى انتزاع موافقة منه على القيام بغارات جوية ، حتى لو كانت استعراضية على اهداف في سوريا مع ضمان عدم رد الجيش العربي السوري على تلك الاعتداءات لكي ينجح نتنياهو في انتخابات السابع عشر من الشهر الجاري .
من جهتي واستنادا الى تجارب سابقة لا استطيع ان اراهن على ان بوتين سوف يفرمل اندافعة نتنياهو لشن ضربات جوية على اهداف في سوريا لتحسين فرص فوزه في انتخابات السابع عشر من الشهر الجاري ؛ لانني لا اعرف ان كان لا يزال معنيا ببقائه في منصبه كما حصل في الانتخابات السابقة ام لا ولكنني اتمنى بكل جوارحي كمواطن عربي ان ترفض الدولة السورية الخضوع لاية املاءات روسية في هذا المجال، وتنفذ التهديد الذي اطلقه مصدر امني سوري في التصريح الخاص الذي ادلى به لقناة الميادين في اعقاب الغارة الجوية الاسرائيلية على نزل مخصص لمبيت افراد من الجيش السوري وحلفائه قبل ثلاثة ايام في مدينة البوكمال بالرد الفوري على اي اعتداء اسرائيلي قادم
وفي الخلاصة فان لا احد يضمن لنتنياهو هذه المرة بان لا ترد سوريا على غارات جوية اسرائيلية جديدة، فهي جزء من محور ،والمحور قد اتخذ قرارا على مايبدو باسقاط نتنياهو، والقصف الصاروخي اليومي من غزة على اسرائيل اكبر دليل وبالتالي فان اي تصرف احمق لنتنياهو في الوقت القاتل كما في لغة معلقي كرة القدم ، اي قبل خمسة ايام من انتخابات الكنيست قد يكون قاتلا له .
كاتب فلسطيني