عن حرائق غابات الأمازون والتدهور البيئي المتسارع في العالم..عقل أبو قرع

الخميس 29 أغسطس 2019 02:58 م / بتوقيت القدس +2GMT



مع انعقاد قمة مجموعة السبع في فرنسا قبل أيام، أي قمة الدول الأقوى اقتصاديا في العالم، وهي الأكثر مساهمة للتلوث في العالم، تلتهم النيران في الجزء الآخر من الكرة الأرضية، غابات الأمازون العملاقة، التي يطلق عليها رئة الكرة الأرضية، لأنها تزود الأرض بحوالى 20% من كمية الأكسجين التي تحتاجها، أي أن الغابات تسحب ثاني أكسيد الكربون من الجو وتطلق الأكسجين، أي أنها تساهم في الحد من التلوث أو التدهور البيئي المتسارع في العالم، وبغض النظر عمن يتحمل مسؤولية الحرائق المتأججة في غابات الأمازون، إلا ان الدول الصناعية المختلفة، سواء من تنتمي الى قمة السبع، أو غيرها مثل الصين والهند والبرازيل، ساهموا ويساهمون في الكوارث البيئية التي يشهدها العالم، بدءا من القضاء على الغابات وحتى ذوبان جبال الجليد والفيضانات.
وانعقدت قمة السبع، في الوقت الذي اجتاحت فيه أوروبا ومناطق أخرى في العالم هذه الأيام موجات حارة غير مسبوقة، وتجتاح مناطق أخرى في العالم الفيضانات والتصحر وذوبان طبقات ضخمة من الجليد تهدد مناطق ودولا، والتي لها علاقة بالتلوث البيئي وانبعاث الغازات وبالاحتباس الحراري وبالتغيرات المناخية المتراكمة نتيجة عبث الإنسان بالبيئة وبنظامها الحيوي.
ورغم الإنكار المتواصل من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومن غيره من أقطاب الإدارة الأميركية الحالية للتغيرات المناخية الحادة التي تحدث في العالم نتيجة عبث الإنسان بالبيئة وإحداثه الاحتباس الحراري وتداعياته البيئية، ورغم ضغوطات التجمعات الاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول، لعدم الالتزام باتفاقية المناخ العالمية التي تهدف الى الحد من التلوث البيئي الذي يقوم به الإنسان، إلا أن من يشاهد عدد وشدة الأعاصير والكوارث الطبيعية، ومن يقرأ عن مليارات الدولارات التي يتم إنفاقها للحد ولو بشكل ضئيل من التلوث البيئي في الكثير من الدول المتقدمة، من الممكن ان يلاحظ حجم التحديات البيئية التي تواجه العالم، والتي تهدد مناطق كاملة بالانقراض أو بالدمار وتهدد مناطق زراعية هائلة بالتصحر وبتفشي الأمراض، وتهدد مدنا بالغرق نتيجة ذوبان الجليد وارتفاع مستوى المحيط، وفي فلسطين، لسنا بالبعيدين عن ذلك، وبالأخص في قطاع غزة، حيث تشير التقارير الى أنه لن يكون صالحا للحياة البشرية خلال سنوات قليلة قادمة.
وتتنامى هذه التداعيات البيئية المقلقة، في ظل القرار الأميركي بالانسحاب من اتفاقية المناخ العالمية ومواصلة تجاهل تقارير تنشرها مؤسسات أبحاث مرموقة في الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم، أي انسحاب أكبر اقتصاد في العالم من اتفاقية تهدف للحد من بث الغازات الى الجو وبالتالي التقليل من التلوث البيئي وآثاره المدمرة، ونحن نعرف أن الهدف الأساسي من اتفاقية المناخ العالمية هو وضع خطة او الاتفاق على آلية عملية، مع برنامج زمني محدد، للحد من انبعاث الغازات والملوثات الى الجو، وبالتالي الحد من التغييرات المناخية والبيئية العنيفة، التي تجتاح العالم، وتهدد الغذاء والتربة ومصادر المياه، وحتى تعتبر من اكثر المخاطر على الاقتصاد العالمي، وعلى الصحة العالمية، وعلى الأمن الغذائي، وحتى على الاستقرار السياسي والاجتماعي لدول ومناطق مختلفة في العالم.
وحسب احد التقارير الدولية، سوف يخسر العالم التربة الصالحة للزراعة، المتوفرة حاليا، خلال الـ 60 عاما القادمة، إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، والذي يؤدي الى تداعي خصوبة التربة وبالتالي عدم إمكانية زراعتها، والسبب الأساسي لذلك هو التغيرات المناخية التي يحدثها البشر، وبالأخص الدول الصناعية الكبرى التي تتحكم في الاقتصاد العالمي، من خلال زيادة بث الغازات والملوثات الى طبقات الجو، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع درجة حرارة الأرض والتربة، ومن زيادة التصحر، أي عدم القدرة على زراعة التربة، ومن ذوبان للجليد، وبالتالي حدوث الفيضانات، وإغراق مساحات من الأرض، وكذلك بسبب الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية وتراكمها في التربة، وكل ذلك ستكون له تداعيات كبيرة على الأجيال القادمة وإمكانية توفير الحياة لها.
وحسب تقرير دولي آخر نشر حديثا، فإن تلوث الهواء فقط، يؤدي الى وفاة حوالى أربعة آلاف شخص يوميا في الصين، وكل ذلك بسبب انبعاث الغازات الى الجو، والذي أحدثته النشاطات الاقتصادية المكثفة خلال السنوات الماضية، وما لذلك من تداعيات صحية ومناخية، والحد من التغير المناخي في العالم، يعني الحد من التلوث البيئي، الذي يعتبر السبب الأساسي الذي أدى ويؤدي الى حصول التغيرات المناخية وآثارها، والتلوث البيئي يعني بث الملوثات الكثيرة، وبالأخص الى الهواء، من المصانع ومن المعامل ومن محطات الطاقة التقليدية وتكرير النفط وغير ذلك.
وعند الحديث عن الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، فهذا يعني الحديث عن الحد من النشاطات الاقتصادية، او الى التوجه نحو الاستثمار اكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني أو يؤثر على المال والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، او تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يعني محاولة تفسير قرار الرئيس الأميركي المنتخب حديثا بالانسحاب من اتفاقية المناخ التي وافق عليها الرئيس الأسبق، حيث يلعب المال الدور الرئيسي في إيصال او بقاء السياسيين في الحكم وصنع القرار.
ومع التوقع بأن يزداد الاستهلاك لمصادر الطاقة غير النظيفة، وبالتالي بث المزيد من غازات الاحتراق الى الجو، وتلويث البيئة وإحداث تغيرات مناخية، يعود الجدل والنقاش والأخذ والرد، حول فعالية ما يعرف بـ»ضريبة الكربون»، كأداة تهدف الى الحد من استهلاك مصادر الطاقة التقليدية، ومن ثم تقليل انبعاثات الغازات الى الجو، وبالتالي الحد من إحداث تغيرات مناخية وبيئية في العالم، من مظاهرها، ارتفاع حرارة الأرض والتصحر وذوبان الجليد، والفيضانات والأعاصير وما الى ذلك، وهذا يعني بأن يتم فرض ضريبة، او رسوم، او رفع الأسعار، بشكل مباشر او غير مباشر، على مصادر الطاقة التقليدية، من نفط وفحم وبنزين وديزل وغيرهما، والتي تحوي كربونا، والذي عند الاحتراق او الاستعمال يتحول الى «ثاني أكسيد الكربون»، الذي يتصاعد الى الجو، ويعتبر من اكبر الملوثات وبالتالي من اكثر العوامل التي تؤدي الى الاحتباس الحراري، ومن ثم الى التغيرات المناخية والبيئية.
وفي بلادنا، فإننا عاجلا أو أجلا سوف نتأثر بما يقوم به الآخرون في العالم، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والزيادة المرتفعة نسبيا في إعداد السكان وفي الأخص في قطاع غزة، فقد يكون هذا التأثير علينا كبيرا وملموسا، ان لم يكن الآن فسوف يكون بعد فترة، وبالتالي فإن ما يتم في العالم من نقاش او جدل حول أساليب الحد من التغيرات المناخية، قد يكون له انعكاس علينا، ولو بشكل غير مباشر، سواء في المدى القصير او البعيد.