تعثر بين وحدتين...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 27 أغسطس 2019 04:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
تعثر بين وحدتين...مهند عبد الحميد



أمامنا موقف شعبي ورسمي فلسطيني ضد صفقة القرن، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا الموقف لا يلغي التفاوت في مستوى وطبيعة الرفض في إطار القوى السياسية والطبقات الاجتماعية والنخب الاقتصادية. غير ان العمل على إحباط الصفقة لا يزال يقتصر على الموقف السياسي غير المرتبط والمتفاعل مع حراكات شعبية قائمة ومحتملة. الصديق عبد المجيد حمدان خاض عبر 12 حلقة نقاش على «الفيس بوك» في هذه القضية، مقدما مجموعة من الأفكار المهمة المستخلصة من تجارب سابقة، وطارحا أسئلة في غاية الأهمية، ومحاولا كعادته حفز وإشراك المهتمين والمعنيين بالنقاش وطرح الأفكار. يسجل للصديق حمدان انه يحاول دائما الخروج الى الهواء الطلق باحثا عن جديد . عند مراجعة  12 حلقة كتبها صديقي يلاحظ ان مستوى النقاش كان محدودا وغابت عنه قضايا الخلاف، ولم يضف المشاركون على قلتهم أفكاراً جديدة. لا شك ان الاستنكاف عن الحوار الذي تحول الى طقس فلسطيني بامتياز يعد من أهم عناصر الأزمة الفلسطينية الراهنة.
لاحظ حمدان موقفين في مقالات الصحف الفلسطينية التي تناولت الصفقة، الأول دعا الى المصالحة والوحدة الوطنية، والثاني دعا الى المقاومة بكل أشكالها بما في ذلك الانسحاب من الاتفاقات الموقعة مع دولة الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني. ورأى ان المواجهة سياسية بالدرجة الأولى والأخيرة، وأنها تستدعي إشراك فئات واسعة من الجماهير. فالصدام والمواجهة اللتين تقتصران على النشطاء ستكونان بديلا لفعل جماهيري كبير ومؤثر. ويستند حمدان الى حقيقة ان الشعب الفلسطيني ارتقى درجات كبيرة على سلم التطور الاجتماعي والحضاري ولم يعد فريسة للتخلف كما كان عليه الحال قبل العام 1948. لكنه يتساءل في الوقت نفسه لماذا يتم هدر هذه الطاقات. وبخاصة ان حضورها وتأثيرها كان ملموسا ومؤثرا في تجارب سابقة. فقد تحققت الوحدة الشعبية وتقدمت على الوحدة الوطنية في تجربة ثورة واضراب 36- 39، وفي الموقف من التقسيم والحرب الفلسطينية الصهيونية، والانتخابات البلدية عام 76 ولجنة التوجيه الوطني، والانتفاضة الأولى. في هذه التجارب يقول حمدان « أجبرت الوحدة الشعبية التنظيمات على الانضمام للفعل الشعبي، ومنها ركبت التنظيمات ظهر الوحدة وانتزعت مقاليد القيادة ليس لتطوير وتعميق الوحدة الشعبية وتفعيل نشاطاتها وإنما لفرض أجنداتها، الأمر الذي أدى الى انحسار دور الجماهير وإضاعة النتائج الإيجابية لنضالاتها.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن الفصل بين الوحدة الشعبية والوطنية؟ او بصيغة أخرى هل يمكن الفصل بين التنظيم السياسي والحراك الشعبي، سيما وانه جرى تعميم التناقض بين الاثنين ليشمل كل التنظيمات. في تجربة الانتفاضة الأولى لولا توفر الجهاز التنظيمي المكون من التنظيمات السياسية ومنظمات الشبيبة والمنظمات النسوية والنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الشعبية لما انتقلت الانتفاضة من العفوية الى طور التنظيم، ولا استمرت وقتا طويلا. كان الخلل الأكبر في الانتفاضات العربية ( الربيع العربي) عدم توفر تنظيمات وطنية ديمقراطية تستطيع مواصلة الانتفاضة وإيصالها الى اهدافها. كانت التنظيمات السياسية الدينية لديها جهوزية لركوب الانتفاضات الشعبية وما ترتب على ذلك من ترجيح كفة الثورة المضادة على الثورة الديمقراطية. المشكلة عندنا في التجربة الفلسطينية هي في طبيعة القوى السياسية وتوظيفاتها للهبات والانتفاضات الشعبية وإخضاعها لسقف سياسي وديمقراطي منخفض او اقل من الطاقة الثورية للحراك الشعبي. اتفق مع وصف حمدان للعلاقة بين القيادة والحراك الشعبي «بمتلازمة خوف القادة من ظهور قيادات عملية وبديلة». هذا بيت القصيد الذي يفهم منه سيطرة القيادة على الحراك السياسي وبقاء بنية التنظيم في إطار الولاء والضبط والربط والتحكم. هذا الوضع يطرح مستوى الحياة الديمقراطية داخل التنظيمات، ومستوى المركزية المتبعة، وموازين القوى الداخلية التي قد تفضي إما الى تغيير ديمقراطي ما او انقسام. الاعتقاد او القول الشائع بأن قيادة التنظيمات في الخارج تخشى من صعود قيادات محلية عبر الانتفاضة والصدام مع الاحتلال خارج علاقات السيطرة اعتقاد صحيح. كما أن الخشية نفسها تنطبق على كل تنظيم يتبنى المركزية بما في ذلك المركزية الديمقراطية بصرف النظر عن الموقع الجغرافي الذي يتواجد فيه المركز القيادي. 
لا يوجد وحدة شعبية، بدون أطر تنظيمية وبمعزل عن مصالح وطنية ومطلبية. هناك فرق بين موقف شعبي موحد من الاحتلال وجشعه واستبداده  قد يقود الى هبة او انتفاضة لها طابع عفوي «قد يسبق حس الشعب اي فكر وأي صوت» كما يقول الشاعر المصري احمد فؤاد نجم. وبين وحدة شعبية منفصلة. العفوية سرعان ما تحتاج الى اشكال من التنظيم، وستكون عرضة فعلا لأشكال من الاستقطاب والتدخلات. وتنتظم فئات اجتماعية في ما يسمى حركات اجتماعية لتناضل من اجل مطالب محددة. هل يمكن ان تتحقق وحدة شعبية بدون شعارات ومواقف ومهمات وأهداف وبرامج وفكر وعلاقات ديمقراطية. هل البداية تكون بوحدة شعبية تمارس الضغط على التنظيمات كي تلتزم بوحدة وطنية ؟. ما يهم هو ان كل نضال شعبي في التجربة الفلسطينية لا ينفصل بالكامل عن الفكر والثقافة والخطاب النابع من الحركة السياسية المنظمة. لجنة التوجيه كانت تضم قيادات وكوادر حزبية، الانتفاضة الاولى كانت تضم منذ ايامها الاولى منظمات شبيبة ومنظمات نسوية. انتخابات 76 كانت بفعل قرار ومشاركة اعلامية وجماهيرية من التنظيمات السياسية. 
تجربة منظمة التحرير في الوحدة الوطنية، أتفق مع كل الملاحظات النقدية، لكن النقد لا يمس نجاح المنظمة النسبي كجبهة وطنية متحدة امتلكت برنامجا سياسيا موحدا للأكثرية، وضمت في مؤسساتها اكثرية القوى، وأكثرية الشعب، وامتلكت مؤسسات مشتركة كالمجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية والصندوق، وحققت وحدة وطنية كانت قوية في مراحل الصعود والإنجاز التي لا تتشابه مع نهاية الهيئة العربية العليا كما يقول صديقي، وكانت الوحدة الوطنية ضعيفة في مراحل الأزمة والانحدار التي قد «تتشابه» مع نهاية الهيئة. ولا شك ان الوحدة التي تحققت تأثرت بمواقف وثقافة الاتجاه المركزي (حركة فتح) وبتنظيمات اليسار والمستقلين وبالنخب الثقافية والاقتصادية وبميزان القوى بين الشركاء الذي جعل البصمات الأقوى لصالح الاتجاه المركزي.  
الوضع الراهن المأزوم بحاجة الى تجديد العقد الوطني الذي بلورته المنظمة سابقا، وتطويره الى عقد وطني اجتماعي، وما يتطلبه ذلك من الانتقال من بنية تنظيمية شائخة الى بنية ديمقراطية. كل ذلك لا يتحقق إلا من خلال النضال ضد الاحتلال والاستيطان وصفقة القرن والتدخلات والضغوط والحرب الاقتصادية، وضد كل أشكال الفساد  والبيروقراطية، بانتظار المبادرين الذين يتقدمهم الصديق حمدان. 
Mohanned_t@yahoo.com