غزّة: هل ستكون لُغز الانتخابات الإسرائيلية؟ عبد المجيد سويلم

الثلاثاء 20 أغسطس 2019 11:01 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لا أعرف لماذا يسود رأي مفاده، أن هذه الانتخابات الإسرائيلية تتجاهل قضايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعموم المسألة الفلسطينية.
في أغلب الظن لأننا نفكر بالحل السياسي الذي من شأنه أن يؤدي إلى "السلام" والتعايش، ونتجاهل في أغلب الأحيان أن الحرب على الفلسطينيين على كل الجبهات هي مسألة في صلب "الموقف" أو "المواقف" التي تتعلق برؤية المجتمع الإسرائيلي للمسألة الفلسطينية، وللصراع المحتدم حولها.
أقصد أن التوافقات "الكبيرة" بين مختلف أطياف المجتمع السياسي في إسرائيل، والتي تتمحور اليوم حول العمل على "تصفية" الحقوق الوطنية الفلسطينية، والتنصُّل من القانون الدولي والشرعية الدولية، وتحويل إنهاء الاحتلال إلى مقايضة تنتهي إلى القضاء على حلم وحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وإرغامه على القبول بحكم ذاتي على التجمعات السكانية في الضفة، والخضوع لمنطق الضم والمصادرة، ومحاصرة هذا الحكم الذاتي في منعزلات لا ترتبط ببعضها إلاّ عَبر نقاط التحكم الإسرائيلية.. هذه التوافقات هي في صلب هذه الانتخابات، بل ويكاد يكون هذا التوافق هو الإفراز الأهم لحالة وموقف المجتمع الإسرائيلي، وموقف المجتمع السياسي الإسرائيلي ـ تبعاً لذلك ـ من "الحل" السياسي، وهو توافق غير مسبوق منذ عقود عدة متتالية. 
لهذا فإن الرأي أو الاعتقاد السائد لدينا هو رأي يجافي الحقيقة، ويناقض الواقع، والحقيقة أن "تصفية" القضية الفلسطينية أو حلّها وفق المنظور الإسرائيلي، والذي أصبح الآن، هو نفسه المنظور الأميركي يعني أن المسألة الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني حاضرة وبقوة في هذه الانتخابات، بل هي حاضرة أكثر من أي وقت مضى.
أما الموقف الإسرائيلي من الوضع في غزة فهو يكاد يكون الخلاف الوحيد والحقيقي بين الأطراف الرئيسة المكونة للخريطة الحزبية، وربما الخريطة الشعبية في إسرائيل. 
هذه المواقف معلنة وصريحة وواضحة، وهي تتراوح بين "إخضاع" غزة عسكرياً حتى لو وصل الأمر إلى تصفية حكم "حماس" فيها، وبين الإبقاء على هذا الحكم بأي ثمن لتكريس الانقسام وتحويله إلى انفصال سياسي كامل يساهم بصورة جوهرية في تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
الخلاف الرئيس بين "حماس" ونتنياهو هو حول شروط التهدئة التي من شأنها الإبقاء على حكم "حماس" من جهة، وفكفكة الحصار إلى حدود توفير شروط استمرار هذا الحكم.
من هذه الزاوية تحديداً ـ وهي زاوية جوهرية على كل حال ـ فإن نتنياهو "صمد" كثيراً لتكريس هذا الواقع، و"قاوم" كل أنواع الضغوط السياسية والحزبية والشعبية على مدى أكثر من عقد كامل، وظل متمسكاً بحكم "حماس" للقطاع مع ضربها بقوة كلما حاولت "التمرد" على الفهم الإسرائيلي "للتوازن" المطلوب سياسياً وأمنياً هناك.
أي أن سياسة نتنياهو كانت وما زالت الإبقاء على حكم "حماس"، ومنع هذا الحكم من تجاوز حدود الدور الذي رسمه نتنياهو لها في المعادلة الشاملة للصراع.
ورضي نتنياهو لنفسه ما كان خارج الخيال نفسه عندما قبل بإدخال الأموال إلى قطاع غزة، بل وعرض المشاريع الاقتصادية التي تساعد حكم "حماس" على البقاء "صامداً" في وجه ضغوط الواقع الاقتصادي والاجتماعي، بل وحتى ضغوط الواقع السياسي الفلسطيني نفسه، أيضاً.
أما "حماس" فهي تعرف جيداً هذا الواقع، وكانت طوال الفترة الأخيرة تحاول "استثمار" الصعوبات التي كان يعيشها نتنياهو من أجل تحسين شروط هذه المعادلة، وكانت تتمرد عليها في مراحل خاصة منها، ولجأت إلى "التصعيد" الذي كانت تتصور أنه سيحسّن من تلك الشروط دون أن تحقق نتائج جدية على هذا الصعيد.
كان يمكن لنتنياهو في كافة المراحل السابقة أن "يستوعب" هبّات التصعيد "الحمساوية" طالما بقي وضعه مستقراً حتى ولو بالمعنى النسبي للكلمة، وكان يعرف كيف يوصل رسائل التهديد عَبر الوسيط المصري، وكان يضمن لنفسه في كل مرة العودة إلى جادة التهدئة وإبقاء شروطها (أي شروط هذه التهدئة) مرنة ومتحركة وقابلة للتغير والتغيير بهوامش واسعة وميدان واسع للمناورة.
أما الآن فالأمر مختلف.
إذ تضيق عليه الهوامش، وتتوارى الساحات الواسعة للمناورة.
إرضاء سكان غلاف غزة لم يعد سهلاً، وتحالف "أزرق ـ أبيض" حول هذه المسألة إلى محور سياسي كبير.
ليبرمان يواصل معركته ضد نتنياهو ووصلت دعايته الانتخابية إلى أوساط متنفذة في "الليكود"، وأصبحت مقولاته تتحول إلى موضوعات رئيسة في الحالة الانتخابية الإسرائيلية، ولم يعد "صمود" نتنياهو في وجه كل الضغوط المستجدة على هذا الصعيد أمراً سهلاً وميسوراً، بل ربما أنه لن يعود ممكناً إذا أخطأت حركة "حماس" الحسابات، [حسابات استثمار الصعوبات التي تحيط بنتنياهو] وهو ما يمكن أن يحوّل المسألة إلى حرب طاحنة.
وجوهر الأمر هنا أو سبب هذا الاستنتاج هو أن نتنياهو ربما لم يعد يخشى المغامرة بشيء، ولم يعد لديه الكثير مما يخاف المقامرة والمغامرة بشأنه.
من مصلحة "حماس" [بالمعنى الواسع وكذلك بالمعنى الضيق للكلمة] إعادة انتخاب نتنياهو، ولكنها صاحبة مصلحة جوهرية، أيضاً، في تحقيق مكاسب خاصة بها في ظل كل هذه الصعوبات.
لكن إيران على العكس من ذلك لها مصلحة بسقوط نتنياهو وكل اليمين في الانتخابات القادمة، ولهذا بالذات فمهما بلغت درجة التنسيق بين "حماس" وإيران، ومهما تفهمت "الجهاد الإسلامي" دواعي هذا التنسيق وضرورة "ضبط" الخلاف مع حركة "حماس" فإن الأمر ليس متيسراً الإحاطة به والتحكم بمجرياته، خصوصاً وأن الجماعات السلفية قد دخلت على الخط في الآونة الأخيرة، كما أن جماعات سيناء ربما تريد عملية كبيرة من خلط الأوراق.
العدوان على غزة لم يعد مؤسساً على حسابات قديمة، لأن الانتخابات ووضع نتنياهو اختلف كثيراً، ووصل إلى ما يمكن اعتباره [وضع الخطر]، وفي وضع الخطر لن "يصمد" نتنياهو كثيراً وسيذهب إلى الحرب دون تردد.
حسابات نتنياهو أو معادلته ستصبح: إذا كان لا بدّ من خروجي سأخرج وأنا أُريق الدماء الفلسطينية...!.
غزة هي لغز هذه الانتخابات ووقودها، أيضاً.