تسعى الإدارة الأمريكية ومنذ طرح صفقة العصر الى التعامل مع العديد من الملفات الساخنة التي تتعلق بواقع الفلسطينيين، ومن هذه الملفات الأونروا لأنها الشاهد السياسي والقانوني والإنساني لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
لذلك نرى إدارة ترامب ومن خلفاها اسرائيل يسعيان لشطبها وإحالتها للتقاعد، بدأت بوقف الدعم الذي كانت تقدمه والبالغ 360 مليون دولار سنويا، وحرضت المانحين الرئيسيين للتوقف عن تقديم المال للأونروا، في محاولة لتجفيف الدعم المقدم إليها.. كل هذا من أجل إزالة عقبة مهمة لحل وتصفية قضية اللاجئين من خلال مشاريع التوطين في أماكن تواجدهم. بالطبع بعد ذلك ستسعى إدارة ترامب لإلغاء القرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وخاصة القرارين 194 و181 اللذين أصدرتهما الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنهما يتحدثان عن ضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم. وبعد هذه الخطوة يأتي الموضوع الأهم وهو القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية. ندرك أن تطبيق صفقة العصر يواجه صعوبات كبيرة، منها الموقف الفلسطيني بمختلف أطيافه، وعدم إيجاد شركاء عرب متحمسين للفكرة.
الهجوم المنظم الذي تقوده إسرائيل والإدارة الأمريكية تجاه الأونروا أخذ مدايات واسعة. يتم الحديث الآن عن وجود فساد في الأونروا وخاصة هذه المرة موجهة ضد السيد كرنبول المفوض العام للأونروا، الذي بذل جهدا كبيرا في محاولة لسد العجز الذي سببته إدارة ترامب حين أوقفت كل أشكال الدعم للأونروا، والسلطة الفلسطينية، لا أحد ينكر أن هناك أوجه فساد يحدث في المؤسسة الدولية، ولكن أن يصبح الحديث عن الفساد وتضخيمه مقدمة لتصفية الأونروا فهذا شيء خطير، كل نشاطات الأونروا وخدمتها لحوالي 5 ملايين فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن وسوريا ولبنان يتم وضعها في مساواة الفساد، لأهداف سياسية مبيته واضحة جدا خاصة ضد السيد كرنبول المفوض العام الذي تحدى قرارا الرئيس ترامب ونجح في سد العجز لضمان عمل الأونروا.
ممثل الرئيس ترامب للمفاوضات الدولية غرينبلات طالب الأونروا، في تصريح صحفي، بأن تكشف أوجه الصرف للمساعدات الأمريكية خلال السبعين عاما الماضية، ويتساءل: هل كان استخدام هذه الأموال في الفساد أم لا؟.. وإسرائيل أيضا أدلت بدلوها وعلى لسان داني دانون سفيرها في الأمم المتحدة، حين قال: إن هذه فرصة سانحة للقضاء على الأونروا ،لأنها السبب في إدامة قضية اللاجئين.. أيضا نيك هيلي سفيرة أمريكا السابقة في الأمم المتحدة تقول: “قطعنا المساعدات عن الأونروا لأنها فاسدة ماليا وسياسيا، لذلك وجب التخلص منها”.. و للأسف الشديد أن قناة الجزيرة هي من بدأت هذه الحملة من خلال نشرها لتقرير أعده موظف سابق عمل في الأونروا وسلم الجزيرة نسخة منه، إلى جانب نسخة أخرى سلمها لوكالة الصحافة الفرنسية في تل أبيب، حيث تم النشر في نفس الوقت.
وبلغة الأرقام نستطيع أن نلاحظ مدى فشل إدارة ترامب وإسرائيل في محاولة تجفيف موارد الأونروا لأهداف سياسية خبيثة، في عام 2018 وصل العجز إلى 460 مليون دولار، وهي حصلت بسبب توقف الدعم الأمريكي.. استطاعت الأونروا ومن خلال النشاط المميز الذي كان يقوم به المفوض العام للأونروا مع المانحين لسد العجز وتعويضه، ووصلت قيمة الدعم إلى حوالي نصف مليار دولار، وهذا المبلغ ساهم بحل مشكلة جميع المفصولين العاملين على بند الطوارئ، وفي عام 2019 تم جمع كامل موازنة الأونروا والبالغة مليارا وخمسين مليون دولار، ومن هذه الأرقام نلاحظ مدى القدرة على تعويض النقص الكبير الذي نتج عن توقف التمويل الأمريكي للأونروا.
لقد أوجدت الأونروا ومن خلال نشاط المفوض العام حلولا كبيرة لسد العجز في موازنتها، لذلك نرى حجم الهجوم الذي يتعرض له السيد كرنبول لمحاولة إزاحته عن الاونروا، ودفع الأمين العام للأمم المتحدة وتحت ضغط الإدارة الأمريكية وإسرائيل إلى إقالته، ذلك لأن الهجوم على الأونروا لا ينفصل عن محاولة إدارة ترامب تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، لأن جوهر القضية الفلسطينية هو عودة اللاجئين إلى ديارهم وأملاكهم التي هجروا منها.
إن مؤامرة تصفية الأونروا وقضية اللاجئين الفلسطينيين لن تقف عند هذا الحد، فبمقدار ما نملك نحن الفلسطينيون من أوراق قوة لافشال صفقة العصر، بمقدار ما يمتلك الآخرون من قوة لمحاولة تنفيذها، ولكن الشعب الفلسطيني هو الأقوى رغم كل الامكانيات الهائلة التي تمتلكها إدارة ترامب.