لم يمض سوى نحو الشهر على انتهاء أعمال "ورشة البحرين" التي كشفت الشق الاقتصادي من صفقة ترامب، التي يقوم بإعدادها منذ وقت طويل طاقم خاص برئاسة صهر وكبير مستشاري الرئيس الأميركي ويضم المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، كذلك السفير الأميركي في إسرائيل، حتى عاد جاريد كوشنير إلى المنطقة مجدداً في جولة بدأها بزيارة الأردن ومن ثم إسرائيل وتشمل كلاً من مصر، السعودية، الإمارات وقطر.
بمتابعة أمر الإعلان عن الصفقة التي يبدو أنه قد تم الانتهاء من ذلك منذ وقت طويل، لكن الإعلان تم تأجيله أكثر من مرة ارتباطا بالوضع الإسرائيلي الداخلي، حيث كان البيت الأبيض قد أعلن خلال العام الماضي أن الإعلان سيتم على الأغلب مطلع العام الحالي، لكن ولأن عقد الحكومة الإسرائيلية السابقة قد انفرط فجأة، بعد استقالة وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان، ومن ثم انسحاب حزبه من الائتلاف الحاكم الذي بقي عدة أشهر بأغلبية مقعد برلماني واحد، إلا أنه وإزاء الخلاف بين أحزاب الائتلاف الحاكم على قانون التجنيد، تم تبكير الانتخابات التي أجريت في التاسع من نيسان الماضي.
حينها أعلن كوشنير وصحبه بأن الإعلان عن الصفقة سيكون بعد ذلك الموعد وبعد تشكيل الحكومة التالية عنه، وكذلك بعد مضي شهر رمضان الذي صادف أن جاء في حزيران الماضي، لكن المفاجأة التي لم تكن بالحسبان هي أنه ورغم فوز اليمين الإسرائيلي في الانتخابات، إلا أن بنيامين نتنياهو عجز عن تشكيل الحكومة، ما وضع طاقم الصفقة في مشكلة، ذلك أن ترامب قد "فصلها" على مقاس نتنياهو واليمين الإسرائيلي في الحكم، لذا فقد جاءت "تخريجة" عقد ورشة المنامة، كمحاولة لعدم موت فكرة الصفقة، لكن عقد الورشة في البحرين وإعلان ما سمي الشق الاقتصادي، يبدو أنه لم يكن كافيا، خاصة مع الشكل الهزيل الذي خرجت به الورشة، لذا فإنه بعد الانتهاء من أعمالها، طرح مجدداً السؤال المتعلق بالشق السياسي من الصفقة، وهل سيعلن أم لا، ومتى ؟!
فيما سبق كانت قرارات الرئيس دونالد ترامب الخاصة بالقدس والجولان و"الأونروا"، كذلك جملة سياسات الضغط على القيادة الفلسطينية، محاولات لتحسين الوضع الانتخابي لنتنياهو، والآن يبدو أن وضع نتنياهو أسوأ مما كان عليه عشية انتخابات نيسان الماضي، لذا فإن انتظار إجراء الانتخابات الإسرائيلية والاقتراب من الانتخابات الأميركية نفسها، يعني عدم إعلان الصفقة، لذا سارع الطاقم إلى البحث عن حل، يبدو أنه وجده في عقد مؤتمر إقليمي في كامب ديفيد تحضره الدول العربية سالفة الذكر مع إسرائيل وبالرعاية الأميركية بالطبع.
لكن عدم حضور الجانب الفلسطيني من جهة، وعدم وجود علاقات دبلوماسية أو اتفاقات سلام بين دول الخليج وإسرائيل من جهة أخرى، يعتبر مشكلة إزاء عقد هذا المؤتمر، لذا فإنه يقال الآن إن إسرائيل أو بنيامين نتنياهو لن يحضره، أي أنه سيقتصر على الدول العربية وأميركا.
جولة كوشنير هي إذا تحضير لهذا المؤتمر، الذي إن انعقد ولم تحضره إسرائيل، إضافة لدولة فلسطين بالطبع، يعني أنه لن ينتهي باتفاق سلام، على شاكلة أوسلو مثلا، لكنه لن يكون معدوم الأهمية أو الوظيفة، فهو أولاً سيعني طي المبادرة العربية، من خلال تحديد إطار فضفاض لمفاوضات سلام لاحقة يدعى لها الجانبان المعنيان، أي إسرائيل وفلسطين.
صحيفة يديعوت أحرونوت كشفت قبل أيام استناداً لمصدر أميركي مسؤول، أن ترامب سيقول للقادة العرب إنه مع كيان فلسطيني، ولكن ليس بالضرورة دولة، وقد كشف هذا قبل أيام سفيره في إسرائيل بالقول إن بلاده مع حكم ذاتي مدني فلسطيني يتسع بالقدر الذي لا يهدد أمن إسرائيل، وأن ترامب حسب المصدر الأميركي سيقول إنه مع وجود فلسطيني في القدس الشرقية ولكن ليس بالضرورة كعاصمة.
أي أن ترامب يسعى إلى "زحزحة" الموقف العربي عن المواقف المحددة فيما يخص الحقوق الفلسطينية، الخاصة بالدولة والقدس، واعتبار أن الشكل النهائي للكيان الفلسطيني وللوجود الفلسطيني في القدس تحدده المفاوضات بين الجانبين التي يمكن أن تجرى لاحقا ضمن هذا الإطار الإقليمي، وكل هذا تحت ضغط توتير الحالة في الخليج العربي مع إيران كونها عامل ضغط على دول الخليج لتضغط بدورها على الفلسطينيين أولا والأردنيين ثانيا ومصر ثالثا.
ومجرد انعقاد المؤتمر في واشنطن سيعني قوة دفع قد تنجح في إنقاذ نتنياهو في الانتخابات التي باتت على الأبواب، فيما لو نجح الأمر يكون ترامب قد فعل كل ما يمكنه فعله لصديقه الإسرائيلي قبل أن ينشغل عنه في انتخاباته هو الآخر، من أجل ولاية ثانية، عادة ما يكون الرئيس الأميركي أقل اهتماما بالسياسة الخارجية خلالها من الولاية الأولى، وهذا ما يفسر إشارة الصحيفة الإسرائيلية إلى أن هذه الخطوة، أي تحريك ملف صفقة القرن تم بمبادرة من نتنياهو وسفيره في واشنطن رون درامر.
من الواضح أن الوضع الانتخابي في إسرائيل يؤكد حاجة اليمين الإسرائيلي إلى معجزة، وأن نتنياهو بحاجة إلى عامل إضافي، للظفر بإمكانية الفوز بالانتخابات دون حزب إسرائيل بيتنا، وحتى لا يضطر إلى شن حرب خاطفة على غزة، فإن من شأن إعلان الصفقة، والشروع في مفاوضات إقليمية بمشاركة فلسطينية أو دونها أن يكون مخرجا لتشكيل حكومة برئاسة نتنياهو يشارك فيها بعض من قوى اليسار، حزب العمل مثلا، ذلك أنه من أجل تجاوز ليبرمان، فإن المخرج لنتنياهو هو أن لا تكون هناك كتلة مركزية خارج أحزاب اليمين، وفي كل الأحوال فإن ما تبقى من وقت لا يعد كافيا لتغير المزاج الانتخابي، ذلك أنه مع إقفال باب تقديم القوائم الانتخابية ومع ما ظهر من تكتيل وتجميع للقوائم، إدراكا بأن تشكل الحكومة سيكون مرهونا بفارق معقد أو مقعدين، فإن عقد المؤتمر بحد ذاته سيكون مفتاحا للشكل الذي ستكون عليه الحكومة القادمة، أي أن عقده يسهل مهمة نتنياهو في إشراك كتلة أو أكثر من خارج اليمين في حكومة قد تعلن كحكومة وحدة، مهمتها عقد السلام الإقليمي أو إقامة حلف الناتو الشرق أوسطي.