قطاع عمالي وصل تعداده 67 مليون عامل وعاملة، تستحوذ فيه النساء على نسبة 80% من مجموع العاملين، ويضم أكثر من 10 ملايين طفل وطفلة، وقد أطلق عليه حديثا اسم عاملات المنازل بدلاً من الاسم الشائع «خادمات المنازل» الذي له مدلولات طبقية استغلالية.
هذا القطاع مسكوت عنه والذي لا نسمع عنه إلا حين وقوع جرائم وانتهاكات مثيرة، وتقدم فيه العاملات كحالات فردية معزولة عن العدد الكبير المتغلغل داخل بيوت الطبقات العليا والوسطى من المجتمعات.
المنازل هي مكان عمل هذه الفئات المتزايدة والتي لا تجمعها إطارات نقابية أو تنظيمية.
بدأ التعريف بهذا القطاع بعد إصدار اتفاقية 189 والتوصية رقم 101 بشأن العمل اللائق للعمال والعاملات المنزليين العام 2011 الصادرة عن منظمة العمل الدولية.
الاتفاقية تستند إلى المبدأ القائل إن العمال المنزليين ليسوا خداما وتعترف بالقيمة الاقتصادية والاجتماعية للعمل المنزلي وتدعو إلى إدماجهم في صلب معايير العمل الدولية، وإلى الاعتراف بحقوقهم.
وفي تطور لاحق تأسس الاتحاد العالمي لعمال وعاملات المنازل في العام 2013، الذي ضم 69 مجموعة من عاملات وعمال المنازل يمثلون 600 ألف من هذا القطاع الإشكالي من العمال، وينتمون لـ 35 بلدا.
ولا شك في أن وجود جسم نقابي منتخب من وسط العاملين في المنازل يضع أصحاب المصلحة في إزالة التمييز في موقع الدفاع المنظم عن الحقوق، وهذا يشكل بحد ذاته نقلة مهمة على طريق انتزاع الحقوق الأساسية للعاملين.
ما تقدم يضع الأساس القانوني والأدوات والأساليب التي تساعد هذا القطاع في خوض معركة التحرر من القيود وانتزاع الحقوق، وذلك بعد تحديد 8 ساعات عمل ويوم إجازة أسبوعي مدفوع الأجر وغير ذلك.
الاتفاقات المبينة أعلاه جاءت بديلاً لنظام الكفيل المعمول به في سائر البلدان العربية.
الدول العربية المشغلة تأثرت قليلا بالاتفاقية، غير أن عناصر الأزمة لا تزال قائمة، فالعاملات يتعرضن لاستغلال المشغلين، ويعانين من عدم دفع الأجور - المتدنية أصلا - لساعات طويلة ومفتوحة من العمل، ويحرمن من أيام العطل، ويفصلن عن العمل بشكل تعسفي، ويتعرضن إلى اعتداءات جنسية واغتصاب، وإلى أشكال أخرى من العنف كالضرب والإهانة والحجز من خلال احتفاظ المشغل بجوازات السفر للعاملات الوافدات.
وفي حالات كثيرة يصل التعامل مع العاملات إلى مستوى الإتجار بالبشر، وتتدعم هذه الانتهاكات باستثناء عاملات وعمال المنازل من قوانين العمل السارية في البلدان المشغلة ويخضعن لمزاج المُشغل.
لا يمكن فصل الواقع الاستغلالي البشع لعاملات وعمال المنازل عن واقع العمال في تلك البلدان، فالاستغلال الذي يشمل العمال النظاميين الذين تعمل نسبة كبيرة منهم بأقل من الحد الأدنى للأجور ولا يحصلون على حقوقهم عند تعرضهم لإصابات عمل ولا يتوفر لهم أي مستوى من العلاج ولا يندرجون في إطار مؤسسات الضمان الاجتماعي ولا يطبق حتى قانون العمل الساري المفعول، هذا الغبن والاستغلال والاضطهاد الذي يتعرض له العمال ويمس حقوقهم الأساسية، يشكل بيئة مواتية لاضطهاد أشد وأسوأ لعاملات وعمال المنازل الوافدين والمقيمين ويمس حقوقهم بمستوى فادح، وفي الأغلب لا يدمج عمال وعاملات المنازل في قانون العمل المعتمد في تلك البلدان.
مشكلة عاملات المنازل لها أبعاد أخرى تمتد إلى الثقافة السائدة في معظم البلدان التي تتعامل مع نساء المجتمع بدونية ولا تعترف بالحق في المساواة، ولا تستجيب للحد الأدنى من الحقوق، وتعتبر إخضاعهن للسلطة الذكورية أمرا مفروغا منه.
وتنعكس هذه الثقافة على عاملات المنازل وبخاصة الوافدات المنتميات إلى جنسيات أخرى. فعندما لا يسمح للزوجة والابنة بالخروج لقضاء أيام عطلة، فإن ذلك يقود إلى عدم السماح للعاملات بالخروج لقضاء أيام العطلة.
وعندما لا تعترف أجزاء غير قليلة من المجتمع بعمل المرأة، فّإن ذلك ينعكس سلبا على التعامل مع عاملات المنازل، البعض يتعامل بشكل وبآخر مع عبودية.
وهناك تمييز وأشكال من العنصرية تجعل المجتمع غير متعاطف مع عاملات المنازل. ويصطدم تطبيق القانون في البلدان التي أقرته بعرف يسمى «حرمة» البيت التي لا تسمح بممارسة رقابة على تطبيق القانون، من خلال سماع شهادات العاملات من مواقع عملهن في المنازل.
وهذا يجعل من مهمة تطبيق قانون حماية العاملات صعبة وربما متعذرة. نظام الكفيل المأخوذ به في البلدان العربية يلخص الظلم والاضطهاد الذي تتعرض له العمالة الوافدة وبخاصة عاملات المنازل، فهذا النظام يقرر الأجور وأماكن العمل والسكن وساعات العمل ويقيد حرية الحركة ويحظر الانتقال من عمل إلى آخر، ويستطيع إبعاد أي عامل أو عاملة دون إبداء الأسباب، ويستطيع إنهاء عقد العمل.
وعلى الرغم من إيجاد منظومة العمل المبينة أعلاه، ومن اعتماد العديد من الدول لتلك المنظومة، أو اشتقاقها لقانون ينظم العلاقة بين أرباب العمل والعاملين، إلا أن تلك الدول لا تزال تتعامل مع مضمون نظام الكفيل، ولا يغير من هذا الواقع استبدال الكفيل الخاص بالدولة.
الصعوبات التي تعترض مسار تحرر العاملات كبيرة وعديدة، والتقدم يجري ببطء ومن مظاهره تشكل مجموعات منظمة من عاملات المنازل في الأردن ولبنان والبحرين والكويت وقطر وغيرها، غير أن هذه المجموعات غير مسجلة قانونياً ونظراً لذلك فهي مهددة.
ومشاركة العاملات في الاحتفال باليوم العالمي لعاملات المنازل الذي يصادف يوم 16/7 من كل عام. ومن مظاهر التقدم البدء بطرح قضية العاملات في وسائل الإعلام والمساهمة في خلق رأي عام داعم ومتعاطف مع حقوقهن.
وماذا عن عاملات المنازل في فلسطين؟ هذه المهنة قديمة لكن عدد العاملين فيها يزداد باطّراد نظراً لشروط الحصار والاحتلال وضعف قدرة السوق الفلسطيني على استيعاب اليد العاملة، واستفحال ثقافة الاستهلاك داخل المجتمع الفلسطيني وفي أوساط الطبقة الوسطى على نحو خاص.
تمارس المهنة بنوع من الاستحياء والحذر والسرية بسبب ثقافة العيب والعادات والتقاليد التي ترفض أو لا تحبذ هذا النوع من العمل.
غير أن ضغط الحاجة بدأ يتغلب إلى حد ما على ثقافة العيب، وبدأ هذا العمل يأخذ طريقه إلى العلن. عبر أشكال من التنظيم من خلال شركات تتعاقد مع عاملات وعمال وترسلهم إلى المنازل وأماكن العمل.
ولكن هل يخضع هذا العمل لقانون وهل تتعرض العاملات والعاملون إلى استغلال.
ما أود قوله إنه ما دام العمل يمارس في الخفاء ولا تسلط عليه الأضواء فإن وجود الاستغلال والانتهاكات يظل قائما ومحتملا لاسيما أن العاملين في مشاريع القطاع الخاص وبمستوى أقل في القطاع العام يتعرضون إلى استغلال واضطهاد؟ بقي القول إن فلسطين من المفترض أن تكون جزءا من عملية تصويب الظلم لعاملات وعمال المنازل على صعيد فلسطيني وعربي وكوني.
Mohanned_t@yahoo.com