جميع رؤساء الولايات المتحدة السابقين "تستروا" بالكثير من الأخلاقيات والقيم لتنفيذ سياساتهم، حتى عندما كان البعض منهم يقوم بأعمال ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب، إلا الرئيس ترامب؛ حيث الرغبة لديه عارمة بتسمية الأشياء بمسمياتها.
الرئيس ترومان، مثلاً، أمر بإلقاء القنابل النووية على اليابان في الحرب العالمية الثانية رغم معرفته أن اليابان قد هزمت عسكرياً؛ وذلك بهدف تجريبها أولاً، وثانياً لإرسال رسالة إلى خصومه في الاتحاد السوفياتي بأن القوة الأميركية أصبحت ساحقة، وأن عليهم تجنب استفزازها. لكن ترومان ادعى أن هذه القنابل ستقصّر أمد الحرب، وستمنع وقوع المزيد من الضحايا الأميركيين.
الرئيس بوش الابن دمّر العراق بادعاء امتلاكه أسلحة دمار شامل، وبذريعة أن هدفة نشر الديمقراطية في العالم العربي ابتداء من العراق. لكن الجميع أصبح يعلم لاحقاً أن تدمير العراق له علاقة بأهداف أخرى، قد يكون منها إنجاز مهمة والده التي لم تكتمل العام 1991، وقد يكون منها حماية إسرائيل. في الحالتين خداع الشعب الأميركي والعالم تم بذرائع أخلاقية.
لماذا لا يكترث الرئيس ترامب بتغطية سياساته بدوافع أخلاقية؟
في تقديري، هنالك سببان رئيسان لذلك:
الأول هو أن الرجل فعلياً لا يعترف بالأخلاق، وأن هذه الصفة هي مكون أساسي من شخصيته، وبالتالي لا يمكنه تغطيتها. العرب يقولون في حالة كهذه: "الطبع غلب التطبع".
في حالة ترامب، فإن وجوده في البيت الأبيض لا يعني أن لديه القدرة على "تطبيع" نفسه للتصرف كرئيس دولة وتغطية أهدافه بطرق أخلاقية.
ترامب مثلاً "لص"، كما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" بعد تدقيق بياناته الضريبية. هذه المعلومة مثلاً تفسر لنا سلوكه تجاه دول الخليج العربي؛ حيث الرغبة الجامحة بسرقة أموالهم والحديث الصريح الذي يفتقد لأي لباقة سياسية تجاه تحقيق هذا الهدف من قوله: "لا يمتلكون شيئاً غير المال"، إلى "عروشهم ستسقط إن لم نقم بحمايتها لهم".
وترامب مثلاً "وقح" و"كاذب" كما أخبرنا الإعلام الأميركي؛ عندما كشف لنا تسجيلاً بصوته يتحدث فيه "بلغة مهينة" عن النساء، وعندما كشف لنا محاميه عن دفعه مبالغ طائلة لإسكات نساء كان على علاقة بهن.
والرجل "عنصري" بغيض وهذا يفسر "حقده" الشخصي على الرئيس أوباما وعلى المسلمين والمهاجرين.
والسبب الثاني ربما يكون لأنه يعلم أن الشعب الأميركي يعرف كل ذلك عنه، وعلى الرغم من ذلك قام بانتخابه. في سلوك الأميركيين ما يستدعي البحث: ربما كراهيتهم للمؤسسة الرسمية الأميركية التي لا تكترث بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي رغبتهم بوجود شخص في البيت الأبيض من خارج هذه المؤسسة.
وربما هنالك صعود لليمين المتطرف في أميركا لأسباب اقتصادية أيضاً، ولأن ترامب قال لهم: "أميركا أولاً وأخيراً".. فهو قد ضرب على وتر يرغب هؤلاء بسماعه ويلقى صدى بين فقراء أميركا.
اليمين المتطرف بطبعه بلا أخلاق، وبالتالي لغة ترامب وسلوكه تتفق معهم. "هتلر" مثلاً وعد الألمان بتسخير خيرات العالم لهم، ما زاد من شعبيته في السنة الأولى للحرب العالمية الثانية على الأقل.
أياً كانت الأسباب، لا يجد جزء مهم من الشعب الأميركي حرجاً في تأييد ترامب، وهذا يعني أن الرجل قد يتمكن من الفوز بولاية ثانية.
في سلوك ترامب "والكونغرس أيضاً" خروج عن المألوف في السياسة الأميركية: الكثير ممن احتلوا مواقع قيادية (حكام ولايات ونواب وأعضاء مجلس شيوخ) استقالوا من مواقعهم؛ بعد اكتشاف فضائح "جنسية" لهم مثلاً. مونيكا ليونسكي كادت أن تطيح بالرئيس كلينتون مثلاً بعد تحقيق من الكونغرس بشأنها.
في حالة ترامب، هنالك فضيحتان "جنسيتان" كبيرتان وأموال دفعت للتغطية على "جريمة".. لا الرئيس اعتذر للأميركيين كما فعل كلينتون، ولا ميلانا (زوجة ترامب)، وقفت بجانبه لتقول إنها "غفرت له خطيئته" كما فعلت هيلاري مع زوجها، ولا الكونغرس حتى كلّف خاطره بالتحقيق في "جرائم" مؤكدة.
حالة ترامب في بعدها الأخلاقي تستحق التأمل: شعب ينتخب رئيساً يعلم مسبقاً أنه بلا أخلاق أو قيم، وتستمر نسبة عالية في دعمه رغم علمها بكل شيء عنه، ومؤسسة عريقة مثل الكونغرس لها سلطات واسعة تتجاهل سلوكه المشين وتقبل بأن تقدمه للعالم على أنه رأس الهرم لديها، ورؤساء وملوك في العالم يشعرون بضرورة التعامل معه رغم إهانته لهم جميعاً.