لم تكن الصور التي التقطها وزير خارجية اسرائيل (يسرائيل كاتس) أمام مسجد الشيخ زايد بالإمارات العربية مفاجأة للعديد من المراقبين للشأن العربي والدولي, ولم تكن محض صدفة أو حتى على هامش مشاركة الوفد الاسرائيلي في منتدى دولي خاص بالجرائم الالكترونية أو بالمسابقات المتعلقة بالأندية والألعاب الرياضية, كما جرت العادة لتبرير زيارات الوفود الاسرائيلية لدويلات الخليج العربي, ولم تكن حتى باستماتت اسرائيل والحاحها في الطلب الدائم منذ قيامها قبل سبعين عاماً, وتوسط الحليف الامريكي والأوربي عبر هذه العقود الزمنية لهذا الطلب المتعلق بمشاهدة اليهود لسباقات الهجن"الإبل" الجليلة, وروعة وابداعات العرب العاربة في تنظيمها واقامتها, وقدراتهم الفائقة والخلاقة بتحديد واختيار الهجن الفائزة بلقب ملكات الجمال, وهو ما عجزت العقل اليهودية واسرائيل برمتها, وما خلفها من حضارة غربية من التوصل اليه بعد. وعودة على ذي بدء, الأمر الذي يدعو الى الاستهجان والغرابة وما عجزت عن تفسيره فرضيات العلاقات الدولية ونظرياتها المختلفة, هو التجاء تلك الدول العربية الخليجية ذات الخيرات النفطية والبترولية والمتمتعة باقتصاد قائم على وجود رأس مال وفير, وعائدات مالية استثمارية خارجية ضخمة, وفائض مالي كبير, وأنظمة سياسية مستقرة, فهي نُظم سياسية فريدة في نوعها وجنسها, أي لا مثيل أو حتى شبيه لها شرقي أو غربي على مستوى العالم أجمع, لا مهددات داخلية لها من معارضة سياسية قوية كانت أم ضعيفة, ولا حتى محددات خارجية تقلق كيانها العتيد, فطيلة فترة وجودها منذ سبعينات القرن الماضي حتى القريب الراهن وهي تحتمي بحمى المظلة العربية الكبرى, خوفاً من بطش أو خزعبلات الغول الايراني كما تدعي, فهذه الدويلات ضئيلة المساحة والسكان ولكنها وفيرة الخيرات المالية, بما معناه (أن خيرها يعم ويطم عليها), فلماذا تلجأ الى تطبيع علاقاتها باسرائيل ومازالت الجرافات الصهيونية تقتلع أشجار الزيتون من جبال الضفة الفلسطينية, والزوارق الحربية الاسرائيلية تطلق نيران رشاشاتها على صيادي السمك الفلسطينيين في شاطئ غزة. ومازال العدو الصهيوني يضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ويُنكر حق الفلسطينيين بالحياة في أرضهم ووطنهم, ويُحرم الفلسطينيين من حقوقهم المائية والبرية والبحرية, ويقتطع أموالهم ويشرعن سرقة حقوقهم المالية بحجج واهية, ويقتل أطفالهم, ويهدم بيوتهم, حيث يتجلى قول العزيز القدير فيهم أنهم قالوا" ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل".
فما الدافع الذي يحث العرب العاربة ان جاز اطلاق عليهم هذا المسمى الذي لا يستحقونه على الهرولة نحو اسرائيل, وهي مازالت على حالها وترحالها تصول وتجول بغطرستها العسكرية وعنجهيتها الصهيونية سارقة كافة الحقوق الانسانية والدينية والشرعية الدولية من قلب الأرض العربية الفلسطينية ببناء المستوطنات وتوسيعها, وتهويد القدس وتدنيس المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. فاذا كان الدافع هو الخوف من البُعبُع الايراني !!! فاسرائيل هي أول من تتوجس خيفة من هذا البُعبُع, وهذه الدويلات تحتضن أضخم القواعد العسكرية للقوات الأمريكية, وهذه القوات تتلاقى مصالح بلادها الاقتصادية مع هذه الدويلات وتذوذُ عنها حتى الذباب أو الجراد لو هاجمها. ولا ننسى الحماية العربية, بل المظلة العربية قبل كل شيئ والسباقة في الذوذ عن حمى هذه الدول وسرعة تحرك قوات الانتشار السريع العربية" القوات السودانية في اليمن" لمقاتلة من يجروء حتى على المساس بأمن وسلامة العمق الاستراتيجي المفترض لأنظمة سياسية خليجية عفا عليها الزمان منذ أمد بعيد.
لقد واجهنا صعوبة في الفهم سابقاً لكيفية اقامة اتفاقات ومعاهدات سياسية من قبل دول عربية مع كيان مغتصب للحقوق العربية مقابل استعادة أراضيها التي احتلها الصهاينة عبر حروب التوسع والهيمنة الاسرائيلية على المنطقة, ولكن يستعصي علينا الفهم الآن محاولات الهرولة الخليجية لتطبيع العلاقات الاقتصادية والسياسية مع المحتل الغاصب. فطالما لا توجد هناك أية دوافع أو مصالح مالية اقتصادية أو عسكرية أو حتى روابط اجتماعية بين المجتمع العربي الخليجي والمجتمع الاسرائيلي. وحتى لو دخلنا عالم الممكن واللا ممكن لن نجد ما يُكفر أو يبرر اقامة علاقات الفُحش المريبة, فلماذا الهرولة والانحطاط العربي الخليجي نحو التطبيع السياسي والاقتصادي مع اسرائيل وهي مازالت مغتصبة للحقوق العربية الفلسطينية ومحتلة للأرض العربية؟؟.