ظهر مصطلح "الإرهاب الإسلامي" وتوسع استخدامه في السياسة الخارجية للدول الغربية وضمن استراتيجياتها العسكرية خلال العقدين الماضيين، وشاهدنا تداعيات هذا التوظيف التآمري لتدمير عالمنا العربي والإسلامي بافتعال أحداث ذات طبيعة دينية وطائفية يسهل معها اتخاذها كذرائع لتبرير أعمال عسكرية عدوانية لإجهاض قدرات الأمة الإسلامية وتبديد ثرواتها. أما الإسلاموفوبيا، فقد جاءت لإبقاء جذوة التحريض في العالم الغربي على الإسلام والمسلمين مشتعلة، وحتى لا يتمكن مسلمو الغرب من أخذ مكانهم تحت شمس حواضر بلدانهم في أوروبا وأمريكا.
في البداية، علينا أن نُقر ونعترف بأننا نحن المسلمين وعلى مدار عقدين من الزمن كنا ضحايا لهذه السياسات الغربية، حيث تمَّ استدراج كوادر وتيارات محسوبة على العالمين العربي والإسلامي وتوريطها في أعمال إرهابية، لتقع ملاحم دامية لم نكسب من ورائها ناقة ولا جمل، بل كانت كوارث ونكبات على شعوب أمتنا!! فما الذي جنيناه من وراء هذه العمليات الإرهابية غير الخراب والدم واستباحة بلاد المسلمين، فهل انكسرت هيبة الغرب وتراجعت سياساته تجاه أمتنا الإسلامية؟ أم هل توقفت ممارساته العدوانية واستهدافه لشعوب أمتنا؟ هل تغيرت سياسة أمريكا - مثلاً - عن تقديم الدعم العسكري لإسرائيل أو الدفاع عنها دبلوماسياً في المحافل الدولية؟ هل أعادت لنا هذه العمليات الإرهابية شبراً من الأرض السليبة أم ألَّبت الشعوب الأخرى ضد المسلمين حول العالم؟ وهل عززت هذه العمليات الإرهابية خطاب المظلومية التي ترفعه الحركات الإسلامية والمضطهدون من شعوب أمتنا، وهل يا ترى جلبت لنا النُصرة والتعاطف والاستقرار؟!
أسئلة كثيرة كانت وما تزال تطرحها هذه الأعمال الإرهابية باسم الإسلام، والتي تطيش العقول في فهم منطقها والحكمة من ورائها، فهذا الإرهاب الذي يتهدد حياتنا كبشر غدا بمثابة الشيطان الرجيم، الذي تلاحقنا وساوسه في كل مكان وزمان. للأسف؛ لا شيء يمكن أن يأتي به هذا الإرهاب غير الوهم وحصاد الهشيم!!
اليوم، الإرهاب والإسلاموفوبيا هما ظاهرتان متلازمتان لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتسويقهما – للأسف - كحالة عداء تستهدف الغرب والحضارة الغربية، والرابح من وراء هذه الحملات المغرضة هي إسرائيل بالدرجة الأولى.. وهذه مسألة تحتاج إلى عرض وتوضيح لا بدَّ منه، ويمكن تلخيصه في السياق التالي:
أولاً؛ خلال فترة الحرب الباردة التي استمرت لأكثر من أربعة عقود، بدأت مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى هزيمة السوفييت في أفغانستان نهاية الثمانينيات، لم يكن الإسلام في دائرة الخصومة والتحدي المباشر للغرب، بل كان الخطر الشيوعي كأيدولوجيا وقوة عسكرية هو العدو المستهدف والمطلوب احتوائه والقضاء عليه.
ولذلك، كانت الهزيمة للسوفييت في أفغانستان بمثابة الانتصار أو ما أطلق عليه فرانسيس فوكوياما في كتابه "نهايةُ التّارِيخ والإِنسانُ الأخير" بأن الديمقراطيَّة الليبراليَّة بقِيَمها عن الحرية، الفردية، المساواة، السيادة الشعبية، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية، تُشَكِّلُ مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان، وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية. وبِغَضِّ النَّظر عن كيفية تجلي هذه المبادئ في مجتمعاتٍ مختلفة، فإن نهاية التاريخ لا تعني توقف الأحداث أو العَالَم عن الوجود، ولا تقترح تلقائية تَبني كافة مجتمعات العالم للديمقراطية، ولكنَّ المقصود هو وجود إجماع عند معظم الناس بصلاحية وشرعية الديمقراطية الليبرالية؛ أي انتصارها على صعيد الأفكار والمبادئ، لعدم وجود بديل يستطيع تحقيق نتائج أفضل. وعلى المدى البعيد، سوف تغلب هذه المبادئ، وهناك أسبابٌ للإيمان بذلك.
باختصار: إن هذا معناه بالنسبة للغرب هو تدشين مرحلة التمكين للقيم الغربية وسيادة منظومة الفكر الديمقراطي وهيمنتها على العالم بما في ذلك عالمنا العربي والإسلامي.
ثانياً؛ كانت إسرائيل في مرحلة الحرب الباردة حليفاً لأمريكا، وتلعب دوراً وظيفياً مهماً في إضعاف حلفاء السوفييت في المنطقة، ولذلك كان التمويل الأمريكي كبيراً لإسرائيل، وكان يمنحها كل متطلبات القوة والتمكين، من حيث الدعم العسكري والدبلوماسي والمالي، لتبقى صدارتها لمشهد الهيبة والاقتدار ضمن الحسابات الغربية.
ولكن مع تفكك الاتحاد السوفيتي، وتراجع حضوره على مستوى المنطقة والعالم، تفرَّد الغرب بالهيمنة في رسم ملامح الخريطة الدولية، وتحديد أشكال العداوة القادمة لوضع استراتيجيات المواجهة معها.
كان الخطر الأصفر الذي تمثله الصين – آنذاك - مطروحاً كعدو، وكان هذا يعني في حال تبنيه انتهاء الدور الوظيفي لإسرائيل في المنطقة، والتي كانت لديها مخاوف من تنامي النفوذ الإسلامي والحركة الإسلامية، والتي كانت تشكل تهديداً وجودياً لها إذا ما انتهت مكانتها الوظيفية في الاستراتيجية الغربية. من هنا، بدأ دهاقنة الصهاينة في إسرائيل والغرب بالعمل على تقديم "الأصولية الإسلامية" كخطر قادم يهدد المصالح الغربية في المنطقية.
ولكي تنجح إسرائيل في مهمتها، عملت على تجييش كل قواها وأدوات التأثير الموالية لها في الغرب بالدفع إعلامياً على تسويق مقولة "الأصولية الإسلامية هي العدو"، واتخذت - في البداية - من خطاب قادة الثورة الإسلامية في إيران المعادي لأمريكا وسياساتها في المنطقة مدخلاً لذلك.
كانت الصحوة الإسلامية في الشرق وخاصة في البلدان العربية تتعاظم وتدخل على خط الحكم والسياسة، وأصبح لها حضور بعد الإنجاز الكبير الذي تحقق في أفغانستان، حيث كان لمشاركة "الأفغان العرب" دوٌر بارزٌ أدركت إسرائيل مغزاه ومخاطرة على وجودها المستقبلي، من حيث الأمن والاستقرار؛ لأن التيارات الإسلامية كانت تضع فلسطين في مكان الصدارة كأمانة ومسئولية أممية على عاتقها؛ باعتبارها القضية المركزية للأمة الإسلامية، وهذا معناه أن إسرائيل عليها مواجهة دول وشعوب المنطقة وحدها، إذا ما فقدت دورها الوظيفي في الاستراتيجية الغربية.
شرعت إسرائيل في اللعب على وتر الأصولية والتحريض على الإسلام وتشويه صورة المسلمين، ومحاولة إلباسهم ثوب الشيطان المعادي دينياً وحضارياً للغرب.
ثالثاً؛ خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، لم يكن خطاب الإسلاميين – الإخوان المسلمين والسلفيين - النقدي للغرب كافياً لتوفير الأسباب لاتخاذهم عدواً، حيث إن دور الحركة الإسلامية الحليف لأمريكا في أفغانستان كان حاسماً لهزيمة السوفييت، وليس هناك ما يستدعي الدخول على خط العداء معهم. ولذلك، لم تنجح محاولات الشيطنة واتهامات التطرف والإرهاب التي قام بها وكلاء الحركة الصهيونية في الغرب.
رابعاً؛ خلال تلك الفترة من التسعينيات، كان المشهد الإسلامي في الغرب يتوسع فضاؤه بشكل ملحوظ وخاصة في أمريكا، حتى إن منسوب التفاؤل بدا عالياً، وكان البعض يتنبأ بأن مشهد التمكين للإسلام سيتحقق في الغرب، حيث إن ظاهرة انتشار المساجد والمراكز الإسلامية هناك، وتأسيس المنظمات والجمعيات الدعوية والمنابر الإعلامية ومجموعات العمل السياسي، وانعقاد المؤتمرات والأنشطة والفعاليات التي تشرف عليها جهات إسلامية غدت سمة تشي بحجم التواجد والظهور الذي يبشر به مستقبل الإسلام في بلدان الغرب وحواضره.
في الحقيقة، لقد تملكتنا نحن الإسلاميين المقيمين في الغرب حالة من الانتشاء غير مسبوقة، وذلك لتنامي معدلات الحضور الإسلامي السريع في أمريكا، وكنا نتفاخر بأن "نصر الله والفتح" ودخول الناس في دين الله أفواجاً تتعاظم إرهاصاته في الغرب. ولعلي أتذكر ذلك الخطاب الشهير للسيد "لويس فرخان"؛ زعيم حركة "أمة الإسلام"، والذي كان يتحدث في المؤتمر السنوي للحركة أواخر التسعينيات حول رؤيته لما يراه تفسيراً لأحد علامات الساعة الكبرى، وهي "طلوع الشمس من الغرب"، بالقول: إن ذلك الظهور يعني التمكين للإسلام في العالم الغربي، والذي سيحمل رسالة الدين وينقلها بقوة فيما بعد للمشرق، انتصاراً للمستضعفين وأصحاب المظلومية من أبناء الإسلام، الذين يتعرضون للقهر والاضطهاد والظلم والاستبداد السياسي في بلدانهم.
من الجدير ذكره، أن الأجواء الدعوية والحركية في تسعينيات القرن الماضي كانت تبعث على التفاؤل، وتحمل الكثير من الطموحات وبشريات الأمل، إلا أن إسرائيل كانت تُبيت أمراً بليل، وكانت أجهزتها الأمنية وماكينتها الدعائية وأذرعها الكثيرة في دوائر صناعة القرار في الغرب تخطط لحرف المسار، وتعمل لتوجيه البوصلة لصالح مخططاتها بأن "الإسلام هو العدو"!!
أحداث سبتمبر 2001: المؤامرة والتمكين
كثيرة هي التفسيرات التي اعقبت الأحداث المأسوية في سبتمبر 2001، حيث كانت الضربة التي هزَّت كيان أمريكا بتدمير مركزي التجارة الدولي، وأذهبت هيبتها باستهداف مبنى وزارة الدفاع (البنتاجون)، وأصابت مكانتها في مقتل تضعضعت معه حالة التفرد بالقوة والهيمنة، ليخرج على إثرها الرئيس بوش (الابن) مهدداً ومتوعداً بحملة صليبية جديدة (Crusade) تطال بلاد الإسلام والمسلمين!!
كانت أحداث سبتمبر لحظة مأساوية فارقة، حيث استجلبت كل مظاهر العداء والكراهية للإسلام والمسلمين، إذ نجحت الحركة الصهيونية - ذات النفوذ والتأثير الواسع في الغرب - بتحريك كل واجهاتها في الإعلام والسياسة، وداخل مراكز الأبحاث والدراسات، وكارتيلات رجال المال والأعمال اليهود في أمريكا، لشيطنة المسلمين واتهامهم بالتطرف والإرهاب. هذا من ناحية، كما أنها أعطت الذرائع للمحافظين الجدد (neo cons) بتنفيذ أجندتهم.
المُحافظون الجدد: أفكارهم وسياستهم؟
برز في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية مجموعات “المحافظين الأمريكيين”، والتي مثَّلت صوت الحرب والحلول العسكرية؛ باعتبارها وسائل لتقوية النفوذ الأمريكي في العالم، وهيمنتها على العالم بمرجعية تُرجِّح الحلول العسكرية على الحلول الدبلوماسية أو السياسية، والتي تمنحها غطاءً دينياً. فالمحافظون الجدد هم مجموعة سياسية وتيارات فكرية أمريكية، تميل إلى اليمين المسيحي المتطرف، والتي تُـنظّـر للهيمنة الأمريكية في “العالم الجديد”، مُؤسسة هذه النظرية على القوة الأمريكية المُتعاظمة في الشرق الأوسط، وقد نشأت هذه المجموعات على أيدي مجموعة من أعضاء الحزب الديمقراطي الرافضين لسياسة اعتبروها لينة مع الاتحاد السوفيتي في السبعينيات، وكان الدافع المحرك للحركة - آنذاك - هو معاداة الشيوعية، خاصة فيما يتعلق بمعاملة اليهود السوفييت، وانشقوا عن الحزب الديمقراطي، والتحقوا بالحزب الجمهوري، ورحبت بهم حكومة رونالد ريغن في أواخر السبعينات، والتحق بعضهم بمناصب في تلك الحكومة، مثل "ريتشارد بيرل"، الذي شغل منصب مساعد وزير الدفاع، وكان يلقب باسم “أمير الظلام”، للتعبير عن خطه السياسي الممعن في التشدد والتطرف نحو اليمين، و"بول وولفوفيتز" الذي شغل منصب وكيل وزارة الدفاع، حيث زادت هيمنتهم على السياسة الخارجية الأمريكية في عهد رونالد ريجان، الذي آمن بفكرة التصعيد، ورفض نقد اليسار اللاذع للثقافة الأمريكية.
إن سياسة المحافظين الجدد - والتي تنامت بشكل ملحوظ في عهد الرئيس بوش الابن - تقوم على فكرة أن "الحرب هي الحرب"، وقد جسَّد هذا الشعار أحد مبادئهم، إذ تُمثل الحرب العقيدة الأيدولوجية لهم في تطبيق سياساتهم في قيادة العالم، وتمكين الولايات المتحدة لسلطتها ونفوذها.
هذا الاعتقاد قادهم إلى الاستنتاج بأن إسقاط صدام سيرسل رسالة قوية ستدفع بالدول الأخرى في الشرق الأوسط إلى تملق أمريكا، وإذا واصلت أمريكا سياسة الضغط وإظهار القوة، فإن القوة العسكرية العظمى لأمريكا ستعمل بسرعة على تحويل المنطقة إلى بحر من الديمقراطيات المؤيدة والمنصاعة للولايات المتحدة.
الولاء لإسرائيل: العقيدة والمصلحة
يميل هؤلاء المحافظون للاعتقاد بأن ما يصب في مصلحة إسرائيل هو أيضاً في مصلحة الولايات المتحدة، والعكس صحيح، وهذا هو السبب في أنهم لا يرون أي تناقض ما بين ارتباطهم بإسرائيل وولائهم لأمريكا، وهذا الارتباط الذي يعتقدونه هو “الركيزة الأساسية” للحركة بأكملها، وهو نابع من إيمانهم بالوظيفة التي تؤديها إسرائيل أو اليهود كما جاء في التوراة، تمهيداً لعودة المسيح عليه السلام. وترجع أصول الدعم هذه إلى أنه من الناحية الدينية يركز الكثير من القساوسة المتشددين في الولايات المتحدة، خاصة فيما يُعرف بولايات حزام الإنجيل (Bible Belt) في الجنوب الأميركي مثل تكساس وجورجيا، على الدراسات الخاصة بـ”نهاية العالم” وعودة المسيح ودور اليهود في معركة نهاية العالم أو (هرمجدون) ثم تحولهم إلى المسيحية أو فنائهم بالكامل.
وعليه؛ فإن استراتيجيات هؤلاء لم تقتصر على حملة الاستهداف وشن العدوان على بلدين مسلمين هما أفغانستان والعراق بهدف تدميرهما تحت ذريعة ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، بل كانت هناك سلسلة من الصراعات المفتوحة وحروب الوكالة بالمنطقة لإشغال العالم العربي والإسلامي بمقاتل جانبية، واستنزاف ثرواته ومقدراته النفطية على خلفيات طائفية - شيعة وسُنَّة - ونحو ذلك.
ولعل ما يجري اليوم في منطقة الخليج من صراعات وتحركات عسكرية لاستدعاء مواجهة مع إيران يتساوق مع هذه الاستراتيجية لكل من إسرائيل والمحافظين الجدد، والذي يمثلهم اليوم في مشهد التحريض ودق طبول الحرب كل من مستشار الأمن القومي "جون بولتن" ووزير الخارجية "مايك بومبيو".
الإسلاموفوبيا: سلوكيات منبوذة لاستهداف المسلمين في الغرب
الإسلاموفوبيا هي حملة ممنهجة لاستبقاء حالة الخوف والتوجس من المسلمين حاضرة في الذهنية الغربية لا تغيب، وهي تهدف للتضيق على الحضور الإسلامي المتنامي في الغرب، والتحريض على الجمعيات ونشطاء العمل الاسلامي، وقطع الطريق أمام أي جهود للمسلمين في الغرب لنصرة القضية الفلسطينية، والوقوف في وجه السياسات الإسرائيلية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.
الإسلاموفوبيا في الغرب اليوم هي جريمة بلا عقاب، برغم التحذير من مخاطرها على النسيج الثقافي الغربي، والتأثير السلبي على صور التعايش والتسامح القائم بين شعوب الدول الغربية المتعددة الأعراف والديانات.
إن التحذيرات الكثيرة لمخاطر ظاهرة (الإسلاموفوبيا) قد خرجت من داخل الاتحاد الأوروبي، وهي تندد بهذه السلوكيات السلبية تجاه مسلمي الغرب؛ كونها تشكل تهديداً على الأمن والاستقرار في دول الاتحاد، كما تمَّت الاشارة إلى أن كثيراً من صور هذا التحريض تأتي - وأسفاه - من جهات رسمية عربية. وبحسب ما أوردته مجلة (فورين بوليسي)، فإن الأنظمة العربية القمعية هم من أكثر مروجي "الإسلاموفوبيا" في الغرب، فالحكومات العربية والمسلمة تعمل – مع الأسف - على تذكية الكراهية الموجهة ضد المسلمين كجزء من حملاتها التي تشنها ضد المعارضين لها في الداخل والخارج، بل إن بعضها قد ذهبت في سعيها لتبرير القمع الذي تمارسه باسترضاء الغربيين، عبر إبرام تحالفات غير رسمية مع المجموعات والشخصيات المحافظة واليمينية في الغرب، والتي لا شغل لها سوى نشر العنصرية والكراهية ضد الإسلام والمسلمين. وتنفق هذه الأنظمة العربية ملايين الدولارات على مراكز البحث والتفكير وعلى المعاهد الأكاديمية وعلى شركات اللوبي والضغط السياسي، بهدف التأثير على التفكير داخل دوائر صناعة القرار في العواصم الغربية تجاه النشطاء السياسيين المعارضين لحكم هذه الأنظمة، والذين يغلب عليهم طابع الالتزام الديني.
لا شك أن ظاهرة الإسلاموفوبيا سوف تنتهي في الغرب؛ لأن المسلمين لهم الكثير من الإسهامات في الحضارة الغربية، وهم اليوم أصبحوا جزءاً من الخريطة المجتمعية والدينية والنسيج الثقافي في الغرب، وأن التحريض ومحاولات التشهير والتشويه هي سياسات وحملات خاطئة، وتلقى اليوم انتقادات لها داخل البرلمان الأوروبي، وربما نشهد وضع قوانين مشابهة لتلك التي جرَّمت "معاداة السامية"، وأن حظر تلك السلوكيات المعادية للمسلمين في الغرب هي فقط مسألة وقت.
ختاماً.. إن الإرهاب غدا سلوكاً منبوذاً عند الجميع، ولا يجد لمنطقه – اليوم - قبولاً حتى في بلاد العرب والمسلمين، وإن دعم الإسلام المعتدل الذي يمثل التيار الوسطي هو ما سيؤدي إلى تجفيف منابع الغلو والتطرف، والتعجيل بالقضاء على الإرهاب وتحجيم شعبية مناصريه.
لا شكَّ بأن الاعتدال في المشهد الحركي الإسلامي سيقطع الطريق أمام دعاة الإسلاموفوبيا، وستخرج من القوانين التي تحظر الترويج لمثل هذه الثقافة السلبية في الدول الغربية؛ لإن الإسلام لم يعد طارئاً على الغرب، بل هو اليوم مكون أساس داخل نسيجه الاجتماعي، ولا يبتعد كثيراً في سياقه الثقافي، حيث المساحات الفضفاضة التي تمنحها الديمقراطيات الغربية للأقليات العرقية والدينية في بلدانها.