عن ضياع الحلم التاريخي لـ«الإخوان» ...عبير بشير

الثلاثاء 02 يوليو 2019 10:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن ضياع الحلم التاريخي لـ«الإخوان» ...عبير بشير




ما حدث في ثورة 30 يونيو (حزيران)، شيء أقرب للخيال، تسونامي شعبي ضرب أرض الكنانة من أقصاها إلى أقصاها، ومن صعيدها إلى دلتاها. وأظهر التصوير الجوي للقوات المسلحة المصرية، وخرائط «جوجل إيرث» حجم الحشود البشرية الهائلة التي خرجت في مصر يوم الثلاثين من يونيو والأيام التي تلته. فيما أكدت وكالات أنباء عالمية، أن مصر شهدت خروج أكبر تظاهرة في التاريخ، حيث قدرت وكالتا CNN وBBC عدد المتظاهرين بأكثر من 20 مليون متظاهر، موزعين على نحو 60 ميداناً في جمهورية مصر العربية.

لقد فاجأ الشعب المصري العالم بثورة 30 يونيو، كما فاجأ العالم من قبل بثورة 25 يناير. وأعلن الجيش المصري بحضور شيخ الأزهر، وبابا الأقباط وممثلين عن حركة «تمرد» وتيارات سياسية، انحيازه الكامل للإرادة الشعبية، وعزل الرئيس محمد مرسي، وتعطيل العمل بالدستور. وربما يحلو للبعض تسمية ما حدث أنه انقلاب ناعم، أو نصف انقلاب، أو انقلاب عسكري بغطاء مدني وديني. ولكننا نستطيع أن ندعي، أن ما حدث هو ثورة شعبية محقة وحقيقية، حماها الجيش المصري، فيما كان «الإخوان المسلمين» في حال صدمة وذهول قاتل، فبعد أن ملكوا كل شيء وتربعوا على عرش مصر، خسروا كل شيء في لحظة فارقة من لحظات التاريخ.
وفي هذا الإطار، يتحدث دنيس روس، المساعد الخاص السابق  للرئيس الأميركي باراك أوباما، في مقال له بصحيفة «يو أس توداي» ويقول: باعتبارنا داعمين للمبادئ الديمقراطية، فإننا في الولايات المتحدة لا نشعر براحة كبيرة حينما نرى أن رئيساً منتخباً تم استبداله عبر مطالب الشارع وليس عبر صناديق الاقتراع، كما أننا لا نشعر براحة كبيرة، حينما نرى أن المؤسسة العسكرية، قد انحازت لهذه المطالب الشعبية، وقامت بفرض واقع جديد.
ولكنه أقر في الوقت نفسه، بأنه «علينا ألا نتجاهل الحقيقة الأكبر، وهي أن الرئيس السابق محمد مرسي تصرف هو وجماعة الإخوان المسلمون على أنهم الحكام المستبدون الجدد. صحيح أنه منتخب، ولكنه كان يسعى هو وإخوانه، للسيطرة على الحكم، بدلاً من السعي لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، والبدء في مسيرة التنمية والتغيير». وخلص إلى القول: إن الديمقراطية، تحتاج إلى أكثر من صندوق اقتراع، وهي عملية تحول شاملة. وليس بعيداً عن ذلك، كان موقف مفوضية الاتحاد الأوروبي، حين أشارت إلى أن الديمقراطية يصنعها الديمقراطيون.
لقد اكتشف الشعب المصري أنه وقع في خدعة كبيرة، اسمها «الإخوان المسلمين»، وأن ثورتهم تم سرقتها لصالح تنظيم بعينه، أي أن كل ما فعلوه هو استبدال نظام فاسد وأمني بنظام شمولي، ديني، كانت معركته الوحيدة هي الاستيلاء على الحكم، ومفاصل الدولة المصرية؛ لضمان تربعه على عرش مصر لمائة سنة قادمة، بدلاً من أن تكون معركته تحويل مصر إلى ورشة عمل كبيرة، يشارك فيها كل أبناء الوطن، ويعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، ولو نسبياً.
وكانت الصدمة الأكبر من نصيب النخبة المصرية، التي ظنت في لحظة ما أن الرئيس محمد مرسي سيحرص على تقديم نفسه على أنه بديل مختلف عن الرئيس السابق حسنى مبارك، سواء على صعيد السياسية أو العلاقات الدولية أو الاقتصاد أو الأمن. ولكن ما حدث هو، أن مرسي وجماعته كانوا يتبعون خطى الرئيس السابق وجماعته في كل شيء. ويقول عبد الحليم قنديل عضو حركة كفاية: أشعر بشبح مبارك يسير مع مرسي في كل خطواته. فعلى صعيد الملف الخارجي، أبقى «الإخوان» على معاهدة كامب ديفيد. «الإخوان» الذين طالما عيروا وخونوا النظام السابق بسببها. وفي الاقتصاد، لم يأت مرسي بجديد، بل أعاد إحياء أساليب العهد القديم في الاعتماد على القروض من صندوق النقد الدولي، وعلى قطاع رجال الأعمال. وهو يبرهن على أن جعبته وجعبة جماعته فارغة بشأن أي خطط لتحول اقتصادي حقيقي. أما في الشأن الداخلي، فكل الأحداث الجارية على مدار الساعة، تقول: إن جماعة الإخوان منغمسة حتى أطرافها في معركة التمكين والتفرد بالسلطة (الحزب الواحد) وفي لجم الحريات، والعودة إلى النظام الأمني الذي من أولى مهامه الدفاع عن النظام ورموزه.
وفي ذروة كل تلك الأحداث، كانت جماعة الإخوان، تتعامل بغرور سياسي واستخفاف مع ما يجري في مصر، على أساس أنهم الملوك الجدد لمصر: وبدا أنهم يعولون على الدعم الأميركي؛ فقد حسمت إدارة باراك أوباما خياراتها بإنجاح تجربة الإسلام السياسي في مصر والمنطقة. 
غير أن نظام «الإخوان» بدأ يفقد سيطرته على مصر بشكل دراماتيكي قبل أشهر من ثورة يونيو، وأخذت الدولة العميقة في مصر تفعل مفاعيلها في الرئيس مرسي وجماعته، فالاضطرابات تعصف بالبلاد، وهناك عصيان مدني في بعض المحافظات، وتمرد واسع في صفوف الشرطة والأمن المركزي، وإقفال للعشرات من أقسام الشرطة؛ احتجاجاً على إقحام الشرطة في الخلافات السياسية ومطالبتها بالدخول في مواجهة مفتوحة مع الشعب من أجل حماية النظام، ورفع المحتجون لافتات كتب عليها «لن نحمي كراسي الإخوان»، وحركة تمرد تحقق إنجازات خيالية... وصولاً إلى مشهد إسدال الستار على حكم «الإخوان المسلمين».