عن الغزو الاقتصادي الإيراني لسورية..عبير بشير

السبت 27 أبريل 2019 01:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن الغزو الاقتصادي الإيراني لسورية..عبير بشير



أدى طول أمد النزاع في سورية وتغوّل النظام والمعارضة في سياساتهم العسكرية التدميرية إلى تدهور الاقتصاد السوري على المستوى الكلي والجزئي؛ إذ تضرر الناتج المحلي الإجمالي على مدار الثماني سنوات الماضية لتصل الخسائر المتراكمة إلى 226 مليار دولار حسب تقديرات البنك الدولي، وهبوط قيمة الليرة السورية بنحو 90%، كما أصبح قرابة 85% من السكان تحت خط الفقر، إضافة إلى معدلات بطالة فاقت الـ53%. عدا التقارير التي أشارت إلى بقاء نحو مليار دولار فقط من مخزون القطع الأجنبي في المركزي السوري هبوطاً من 17 مليار دولار قبل الأزمة السورية.
أمام هذا الوضع الاقتصادي الصعب، طلب النظام من حلفائه الروس والإيرانيين - إضافة إلى المساعدات العسكرية والسياسية - تقديم الدعم المالي والاقتصادي، مقابل الحصول على امتيازات واستثمارات وتوقيع اتفاقيات عديدة في مجالات مختلفة، وهو ما أفرز تموضعاً اقتصادياً واضحاً للحلفاء في الاقتصاد السوري، وتحكماً بخيارات الدولة السورية السياسية والاقتصادية.
ولعبت طهران الدور الأكبر في ديمومة الدورة الاقتصادية لمناطق سيطرة النظام السوري، وكان الدعم الاقتصادي الإيراني لسورية، في الوقت الذي فرضت فيه المعارضة السورية سيطرتها على أجزاء من الدولة، بمثابة طوق النجاة للنظام السوري، كي يمنحه الحد الأدنى من البقاء على أصوله كدولة.
وتمكنت إيران عبر سياساتها الصلبة في سورية منذ 2011 من بسط هيمنتها على النظام السوري واستلاب اقتصاد الدولة عبر توقيع الاتفاقيات والعقود في قطاعات الإنتاج المختلفة، ضامنة حصصاً مهمة في الثروات السيادية لسورية لقاء دعمها المالي وديونها المترتبة على الدولة السورية. 
وعلى الرغم من طبيعة العلاقات الإيرانية -السورية قبل 2011، المتقدمة في المجال السياسي والتعاون العسكري والأمني، فإنها لم ترق على المستوى الاقتصادي لذات الدرجة الإستراتيجية على الرغم من أهمية سورية الجيوإستراتيجية بالنسبة لإيران الطامحة للاستحواذ على طريق إمداد يصل أراضيها بالأراضي السورية، ليتم من خلاله نقل الغاز الإيراني إلى الأسواق الأوروبية عبر أنبوب يعبر الأراضي العراقية والسورية ويصل إلى موانئ البحر المتوسط. إذ لم تكن التبادلات التجارية بين إيران وسورية مرتفعة، حيث احتلت سورية مرتبة متأخرة بين الدول التي تستورد منها إيران بحصولها على المرتبة 61، ويُعزى ذلك إلى أن الأسواق الإيرانية لم تكن وجهة مهمة للصادرات السورية.
بعد الثورة السورية، نقلت إيران تموضعها الاقتصادي في سورية من علاقات مترهلة وضعيفة تعاني من مشاكل هيكلية عديدة إلى سيطرة وتحكم بالاقتصاد السوري، عززت من خلاله التبادل التجاري ورفعت من مساهمة الاستثمارات الإيرانية في مجالات الطاقة والاتصالات والتجارة.
وصارت سورية سوقاً تصريفيةً للمنتجات الإيرانية، وأصبحت إيران الشريك التجاري الأول لسورية. كما دعمت طهران النظام السوري مالياً عبر فتح خطوط ائتمانية بلغ إجمالي ما قدمته أكثر من 5.6 مليار دولار لدعم العجز المالي في الموازنة المالية لسورية وتجنب توقف المؤسسات عن العمل، وانهيار النظام السوري.
وبدأت تصريحات المسؤولين الإيرانيين تظهر للعلن مطالبة بالديون المترتبة على سورية في الوقت الذي تخرج فيه البلاد من براثن الحرب. وكان أول هذه التصريحات لرئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشة، الذي قال: إن سورية مدينة لإيران، مشيراً إلى أنه ناقش مع المسؤولين السوريين ضرورة تسديد الديون، وإنه خلال اجتماعه مع المسؤولين السوريين، أعلن أن هذه الديون قانونية ويجب عليهم دفعها. وأيضاً طالب مستشار المرشد الإيراني للشؤون الإستراتيجية رحيم صفوي بتعويض طهران عن «التضحيات والتكاليف التي قدمتها وهي تحارب الإرهاب في سورية، مع إمكانية توقيع معاهدات مع الحكومة السورية مشابهة لما حصلت عليه موسكو من معاهدات استعادت عبرها ما قدمته لسورية».
واعتبر مراقبون للشأن السوري أن هذه المطالبات في مثل هذا التوقيت تأتي في إطار الضغط على الحكومة السورية من أجل منح إيران امتيازات اقتصادية جديدة، في ظل التنافس الروسي الإيراني على إعادة الإعمار.
وفي السياق نفسه، يندرج تسليم الأسد ميناء اللاذقية للإيرانيين بعد عودته من طهران مباشرة، وهو ما كُشف النقاب عنه بعد تسريب الأمر الإداري الذي أصدره مدير مرفأ اللاذقية وقضى بتشكيل لجنة للتباحث مع الجانب الإيراني من أجل تسليمه إدارة المرفأ، حيث سلطت صحيفة «التايمز» الأميركية الإضاءة على الموضوع عبر إشارتها إلى أن شركات إيرانية ترتبط بـ»الحرس الثوري» بدأت فعلاً بشحن البضائع عبر الميناء، مرجحةً استخدامه كطريق بديل لنقل الأسلحة إلى النظام السوري.
ونجحت إيران في أن تحصل على أهم الاستثمارات القومية في سورية والتي تدر عليها أموالاً طائلة وبطريقة سهلة. ففي مطلع العام 2017، منحت الحكومة السورية لإيران رخصة تشغيل للشبكة الثالثة للهواتف المحمولة في سورية، علماً أن عائدات مثل هذه الشركات في سورية تُقدر سنوياً بحوالى 12 مليار ليرة سورية. وتم الاتفاق على أن يبلغ حجم الاستثمار في المشغل الجديد نحو 300 مليون دولار، تكون بموجبه حصة الجانب السوري 20%، في مقابل 80% للشركة الإيرانية.
إلى جانب ذلك، أبرم الطرفان مجموعة من العقود في قطاعات عدة في إطار إعادة الإعمار. ففي مطلع العام 2017، تم الاتفاق على إنشاء محطات توليد كهرباء على الساحل السوري، وإعادة تأهيل محطات الكهرباء في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وبانياس. 
وفي بداية 2019، وقع الجانبان 11 اتفاقاً ومذكرة تفاهم أثناء زيارة إسحاق جهانغيري، نائب الرئيس الإيراني، إلى دمشق. من بينها اتفاق تعاون اقتصادي بعيد المدى يتضمن العديد من القطاعات من ضمنها القطاع المصرفي. وحصلت إيران على استثمارات سيادية وإستراتيجية في مناجم الفوسفات بخنيفيس، وعلى عقود لبناء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص بطاقة تكريرية 140 ألف برميل يومياً، وعقود انتفاع بين إيران والنظام السوري لنحو 12 ألف فدان من الأراضي في محافظتي حمص وطرطوس، يمكن استخدامها لبناء محطات للنفط والغاز.