الحق التاريخي والواقع التاريخي مختلفان...محمد ياغي

الجمعة 26 أبريل 2019 07:58 م / بتوقيت القدس +2GMT



القول إن الجولان أرض سورية وإنها ستعود إلى أصحابها في نهاية المطاف شاء من شاء وأبى من أبى وإن عنجهية ترامب وإسرائيل لا تسقط حق السوريين التاريخي في أرضهم هو كلام سليم نظرياً، لكنه عملياً قد لا يكون حقيقياً وقد لا تعود الجولان أبداً لسورية.
هنالك ظواهر تاريخية تؤكد صحة ما نقول.
العالم العربي مثلاً كان جزءا من عدة إمبراطوريات رومانية وعربية وتركية وبعد سايكس بيكو قبل أكثر من مائة عام أصبح العالم العربي مجموعة من الأقطار.
الشعور القومي العربي منذ رحيل جمال عبد الناصر اختفى تقريباً ولم يبق منه غير مشاعر تضامن تترجم على شكل هبات مالية ونداءات استغاثة للعالم من قبل الجامعة العربية، وبعض مظاهر التضامن الشعبي العربي مع قضية عربية جامعة عندما تتوفر لهم القدرة للتعبير عن هذا التضامن.
هناك دول جديدة ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى مثل النمسا وهنغاريا وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وأخرى اختفت مثل الامبراطورية العثمانية، وهناك دول خسرت أجزاء من أراضيها لحساب دول أخرى بعد الحرب العالمية الثانية مثل ألمانيا ولا أحد يمكنه الآن إعادة عجلة التاريخ للوراء.
باختصار، ما يقال عن الحقوق التاريخية يبقى كلاماً نظرياً لا تتم ترجمته على أرض الواقع ما لم يتم العمل على ذلك دون كلل أو توقف. 
الدولة التي تطالب بحقوقها التاريخية قد تختفي هي قبل أن تحصل على هذه الحقوق، وقد تحصل عليها بعد مئات السنين.
عندما يقول البعض إن القدس عادت بعد سيطرة الصليبين عليها لأكثر من مائتي عام كمثال على أن الحق التاريخي لا يضيع - على هؤلاء أن يتذكروا أن المصادفات التاريخية لا تتكرر دائماً وأن الانتظار ليس سياسة تعاد بها الحقوق.
الجولان تحديداً لم يكن على الأجندة الإسرائيلية للضم بعد حرب العام 1967. 
يذكر دينيس روس في كتابه السلام المفقود والصادر العام 2004 وفي معرض دفاعه عن إسرائيل أن النية لم تتوفر لديها أبداً لإعادة كامل الضفة الغربية (بما فيها القدس) للفلسطينيين. 
حول ذلك يقول إن اجتماع الحكومة الإسرائيلية الذي جرى بعد أسبوع أو اكثر قليلاً من سيطرة إسرائيل على سيناء والجولان والضفة وغزة، قرر إعادة سيناء لمصر والجولان لسورية إذا ما قامت الدولتان بالاعتراف بإسرائيل وإقامة سلام معهما، لكن هذا الاجتماع رفض تقرير مصير الضفة الغربية وإعادتها للأردن إن وقعت الأخيرة معاهدة سلام معها.
الجولان إذاً كان في الحسابات الإسرائيلية أرضاً يمكن لسورية استعادتها إما حرباً، بمعنى هزيمة إسرائيل واسترجاعها رغم إرادتها، وإما من خلال معاهدة سلام.
لم يكن خروج مصر من "الصف" العربي فقط بعد معاهدة السلام المنفردة مع إسرائيل العام 1978 هو من شجع إسرائيل على ضم الجولان رسميا العام 1981، ولكن وقف إطلاق النار المستمر على تلك الجبهة منذ حرب العام 1973 هو ما أكد للإسرائيليين أن بإمكانهم ضمها وتطبيق القوانين الإسرائيلية عليها، وأن ذلك لن يكون له عواقب على هدوء تلك الجبهة. 
كما القدس العربية، علينا أن نتوقع أن بعض الدول ستبدأ الإقرار بأن الجولان جزء من إسرائيل بعد شرعنة أميركا - ترامب لهذا الضم. 
وهذه الدول في ظل عدم وجود رادع عربي ستزداد مع الوقت، وستصبح الجولان جزءا من إسرائيل وبالشرعية الدولية أيضاً. 
تخيلوا لو صمت اللبنانيون عن أرضهم ولم يسترجعوها بمقاومة استمرت خمسة عشر عاماً، ربما لقامت إسرائيل بضم الجنوب اللبناني، وفي ظل ترامب، ربما كان سيهدي الجنوب اللبناني للإسرائيليين، كما فعل مع القدس والجولان.
من الواضح أن لدى إسرائيل استراتيجية تعمل على تحقيقها بنفسها ببطء ومن خلال تثبيت الأمر الواقع ومن ثم تتحين الفرصة لتشريعه دولياً.
المستوطنات التي لا تزال في نظر القانون الدولي غير شرعية، أصبحت في واقع الأمر شرعية ليس من خلال كثافة وجودها وازدياد عدد ساكنيها بحيث أصبحوا يقررون شكل الحكومة الإسرائيلية ويضعون أجندتها، ولكن لأن الحديث عنها في المفاوضات السابقة لم يجر على أساس تفكيكها ولكن على أساس إبقائها ضمن السيادة الإسرائيلية وتبادل أراضٍ بشأنها. 
لذلك أول تصريح لجورج بوش الابن في حزيران من العام 2002، أي بعد الحديث عن تبادل الأراضي في كامب ديفيد، كان أن الحديث عن حدود ما قبل العام 1967 لم يعد واقعياً ويجب أخذ ما هو قائم على الأرض في أي تسوية مع الفلسطينيين، بمعنى المستوطنات. 
اليوم الجميع بانتظار القرار الإسرائيلي بضم هذه المستوطنات لها رسمياً حتى تقوم أميركا – ترامب بمباركة الخطوة وبعدها بالطبع تبدأ دول أخرى القيام بذلك.
حتى فكرة قيام إسرائيل بترحيل الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن يجب عدم استبعادها. 
كل ما تحتاجه إسرائيل توفر مناخ عام للقيام بذلك مثل حرب كبيرة تكون هي فيها المنتصرة. 
مختصر الكلام، هنالك فرق بين الإنشاء في اللغة العربية الذي قد يكون مفيداً للتعبئة ورفع المعنويات، ولكن أيضا لإخفاء العجز وانعدام الإرادة، مثل القول إن الحقوق التاريخية لا تسقط بالتقادم لأنها فعليا قد تسقط وقد يتحول هذا السقوط إلى واقع تاريخي، وبين السعي الجدي لاستعادة هذه الحقوق والذي يتطلب أكثر كثيراً من الإنشاء والشعر والبكاء على عتبات الأمم المتحدة لاستعادة الحق التاريخي وتحويله إلى واقع تاريخي.