صيف سياسى ساخن ... د. عبير عبد الرحمن ثابت

الإثنين 22 أبريل 2019 11:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
صيف سياسى ساخن ... د. عبير عبد الرحمن ثابت



توقعات الأرصاد الجوية لمنطقة الشرق الأوسط تشير الى أن هذا الصيف سوف يكون الأقل سخونة؛ وبالمتابعة السياسية للمنطقة تؤكد أنه سوف يكون الصيف الأسخن سياسيا على الإطلاق؛ وربما بسخونة غير مسبوقة للمنطقة التى تشهد على ما يبدو آخر مراحل تنفيذ المخططات الدولية لتقاسم النفوذ فيها؛ وعادة تكون تلك المرحلة الأصعب كونها مرحلة عملية تستدعى التسخين العسكرى لإذابة أخر تضاريس الجغرافيا السياسية القديمة؛ والتى استعصت على الازالة لتحل محلها تضاريس الجغرافيا السياسية الجديدة والعملية بمجملها تشبه فى الطبيعة التغيرات التى تحدث فى الجغرافيا الطبيعية لقشرة الأرض من الزلازل والبراكين قبل أن تهدأ ويظهر بعدها الوجه الجغرافي الجديد لها، وأهم أحداث صيفنا الساخن :-

1.    زلزال صفقة القرن :

هذا الزلزال الذى أجلته الادارة الامريكية الى ما بعد شهر رمضان هو فى الحقيقة آخر الزلازل التى يراد من خلالها كسر آخر تضاريس الجغرافيا السياسية القديمة؛ والتى لا زالت تستعصى على الازالة؛ وتتمثل بالقضية الفلسطينية باعتبارها أحد أهم العقبات فى المشهد الجديد فى الجغرافيا السياسية  للشرق الأوسط ، ومن الواضح أن أهم معالمها إنهاء الصراع العربى الاسرائيلى وتحويل تلك العلاقة إلى تعاون وصولا إلى حالة تحالف استراتيجى بين الطرفين يستمر لعقود أو ربما لقرن من الزمن، ومن هنا كان تعبير صفقة القرن ذو دلالات مستقبلية عميقة للغاية فى رسم صورة الجغرافيا السياسية للمنطقة لقرن قادم كما تخطط لها القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التى ترى فى هذا التحالف العربى الاسرائيلى أحد أهم الضمانات الاستراتيجية الحيوية لبقاء وازدهار نفوذها فى الشرق الاوسط ومنع القوى الامبراطورية الصاعدة كالصين أو تلك العائدة كروسيا الاتحادية من النفاذ إلى الشرق الأوسط  وتهديد نفوذها فى منطقة هى من أهم مناطق العالم حيوية لموقعها الجغرافي ولكونها القلب النابض لمصادر الطاقة على هذا الكوكب.

2.    براكين متوقعة وأخرى مخطط لها

وما ستقوم به الادارة الأمريكية مطلع هذا الصيف من إعلان عن صفقة القرن هو فى الحقيقة زلزال صناعى حددت الإدارة الأمريكية بدقة قوته ومكانه وتوقيته بالتنسيق مع القوى الامبراطورية والاقليمية  ذات الصلة، وهى تستعد لأى براكين محتملة أو حتى مخطط لها ستنتج من هذا الزلزال الأمريكي كردة فعل من أولئك المتضررين منه أو من شكل الجغرافيا السياسية الجديدة؛ ويبدو عدد أولئك محدودا إلا أنهم قادرين على الفعل والتأثير المباشر وغير المباشر، وأهمهم الفلسطينيين فالرفض الفلسطينى المسبق للصفقة وإن كان لا يبدو ذو تأثير مباشر عليها كون الفلسطينيين اليوم فى أضعف حالتهم  السياسية إلا أن تأثير رفضهم لها وإصرارهم على الرفض سوف يؤدى لإحداث تأثير مباشر قوى؛ كون أن قضيتهم المستهدفة ذات أبعاد عميقة من العدالة تتخطى البعد الوطنى والقومى والعقائدى إلى البعد الإنساني؛ وهو ما بمقدوره أن يمثل على المدى البعيد زعزعة حقيقية لأى ترتيبات فى الجغرافيا السياسية للمنطقة يكون مضمونها تصفية قضيتهم وهو ما سيضيف هشاشة على المدى البعيد لتك الجغرافيا السياسية.

أما الأطراف القادرة على التأثير المباشر فتبدو إيران فى رأس تلك القائمة؛ فهى المتضرر الرئيسى من الجغرافيا السياسية الجديدة وهى المستهدف الأساسي من التحالف العربى الاسرائيلى الأمريكى المرجو؛ وايران قوة اقليمية فاعلة وقادرة على التأثير عبر أذرعها السياسية والعقائدية والعسكرية الممتدة فى المنطقة.

ومن الواضح ان أى براكين متوقعة أو حتى مخطط لها بعد زلزال صفقة القرن؛ ستظهر ايران كأكثر تلك الأطراف القادرة أو المرشحة لتتصدر تلك البراكين عبر أحد الجبهات الساخنة المتعددة؛ والتى تتمترس فيها أذرع الجمهورية الاسلامية فى منطقة الشرق الأوسط وصولا إلى حدودها الدولية التى تحاصرها فيها الإدارة الأمريكية سياسيا واقتصاديا بعد إعلانها الانسحاب من الاتفاق النووى مؤخرا؛ فإيران التى تدرك أن اذرعها الطويلة لا وجود لها فى الجغرافيا السياسية الجديدة تدرك أن المعركة قادمة لا محالة؛ وإن لم تفجر هى البراكين فإن أعدائها هم من سيفجرها لقص أذرعها الممتدة وما من مفر من للمواجهة.

وإيران لديها ما تقوله وبصوت مسموع وقد تفاجئ الجميع فى لحظة حاسمة إذا ما أدركت أنها فى خطر، وهى التى تمتلك المعرفة النووية السلمية وتكنولوجيا تخصيب اليورانيوم قادرة على تحويل تلك المعرفة النووية السلمية إلى عسكرية؛ وقد يدفعها أى ضغط متزايد عليها أو أى براكين مفتعلة من إسرائيل ضدها فى المنطقة؛ إلى انتهاج سياسة مشابهة لتلك التى انتهجتها كوريا الشمالية خلال العقدين الماضيين؛ وقد يصحوا العالم على إعلان إيران نجاحها فى إجراء أول تفجير نووى متسلسل متكامل خاصة؛ وأنها أصبحت عمليا متحررة من القيود التى فرضها عليها الاتفاق النووى بعد أن انسحبت منه الولايات المتحدة ولم تستطع أوروبا وروسيا تلافي تبعات العقوبات التى فرضتها الولايات المتحدة على الاقتصاد الايرانى مما جعل الاتفاق الذى لا يزال قائما حبر على ورق . إننا أمام جغرافيا سياسية جديدة تتشكل وترسم معالمها بالقوة. 

أستاذ علوم سياسة

  ​