لا يمكن إخفاء الشرخ بين روسيا و الرأي العام العربي والفلسطيني والسوري بشكل خاص، بعد الاستعراض الروسي في الوفاء لنتنياهو، وبذلهم جهود لجلب رفات جندي إسرائيلي قتل وهو قادم ليعتدي ويحتل أرض عربية صيف 82 في لبنان . وإعلان روسيا أن رفات الجندي تستحق التكريم وان تسعد أمه بعودته .
تألم الفلسطينون وهم يروا عظام شهدائهم تنبش من قبورها في مخيم اليرموك سواء من الجماعات المسلحة التي بحثت لشهور عن رفات الجندي، أو القوات الروسية التي جهدت في إيجاده وتفاخرت بتسليمه مجانا، بينما يقبع الاف الأسرى الفلسطينين في سجون الاحتلال تنتظرهم امهاتهم .
تألم السوريون لأن الخطوة الروسية تجاه عدوهم جاءت بعد أيام قليلة من إعلان الإدارة الأمريكية الاعتراف بالجولان تحت السيادة الاسرائيلية، وما رافق الإعلان من عدوان إسرائيلي على حلب شمال سوريا . وسباق الهدايا بين روسيا وأمريكا لنتنياهو على حساب السوريين والعرب .
إذا زرت دمشق هذه الأيام سوف يصدمك مشهد طوابير السيارات على محطات الوقود، والأسباب كما وضحها رئيس الحكومة السورية تتلخص في منع مصر سفن الطاقة المتجه إلى سوريا عبر قناة السويس، ومنع القوات الأمريكية اية سفينة متجه الى سوريا عبر البحر المتوسط .
على سواحل سوريا تقبع قاعدان روسيتان واحدة بحرية في طرطوس والثانية جوية في اللاذقية، والاسطول الروسي يجوب منطقة البحر المتوسط قبالة السواحل السورية، فهل يعقل أن تنشغل روسيا برفات جندي معتدي ومشاعر أمه، ولا تهتم لحصار السواحل السورية، وتحمل السوريين لازمة خانقة تفتعلها واشنطن لمعاقبة الشعب السوري و خياراته .
يجادل البعض بأن روسيا دولة عظمى ولها مصالحها وليست تحت الطلب، وهذا الرأي صحيح ولا يحتاج إلى تذكيرنا به، ولكن هناك مصالح روسية معنا أكبر من مصالحها مع اعدائنا . لماذا لا نذكر روسيا بأن مصالحها معنا تتأثر عندما يعطون لعدونا هدايا على حساب كرامتنا وكرامة اسرانا وشهدائنا، وأرضنا.
يجادل آخرون بأن الروس قدموا لسوريا الكثير واوقفوا عدوانا أمريكيا كاد أن يجعل سوريا لبيبا ثانية أو عراقا آخر، وساعدوا في القضاء على جماعات تكفيرية، ومنعوا إقامة إمارات ظلامية تهدد وحدة التراب السوري . هذا أيضا راي صحيح، لكنه غير مكتمل، لأن روسيا لم تعمل على هذا النحو بدافع العاطفة ، بل لأنها تدرك انها ستخرج من الشرق الأوسط والمياه الدافئه في المتوسط نهائيا لو نجح مخطط احتلال سوريا أمريكيا، خاصة أنها أخذت على حين غرة في ليبيا و”خرجت من المولد بلا حمص” ، زد عليها وصول خطر المجموعات الإسلامية الى محيطها الحيوي . إذا روسيا دافعت عن نفوذها قبل أي شيء آخر .
ارسل لي صديق محترم وضابط عريق سابق ودبلوماسي سابق مشهود له بشجاعته محذرا بحرص من انتقاد روسيا لأنه يؤثر في تحالف يجب أن يبقى متماسكا أمام إخطار كبرى . وأنا أفهم هذا التوجس لدى بعض النخبة في ضوء محاولات اثمة لدق اسافين بين الحلفاء و تضخيمها إعلاميا لرفع معنويات خصوم دمشق وبث الأمل في صفوف المهزومين.
لكن حقيقية انا لست سياسي ولا أنتمي إلى حزب سياسي ، إنما صحفي انتقد ما أراه يوجب الانتقاد، سواء روسيا أو إيران أو أي دولة أو حزب أو تيار . ولا أجد نفسي معنيا إلا بالاتجاهات الوطنية والقومية و القضايا العادلة لأمة تهان كلها من المحيط إلى الخليج .
ولا أجد ضيرا في أن تعرف روسيا أن هناك رايا عاما في سوريا أو في العالم العربي، يضغط و له قوة تأثير، حتى لو انتقد أو غضب أو تألم من تصرف يمس وجدانه مباشرة، وعلى روسيا أن تعرف أنها مست شعورا وطنيا عاما لشعب حي وصاحب كبرياء رفيع، وهذا أفضل بالف مرة من أن ترى أن عملها لا غبار عليه وأنها يمكنها أن تكرر ذلك دون أن ترتفع الأصوات المنتقدة. وهذا بالضبط الدور الذي يقوم به الرأي العام في إسرائيل والرأي العام اليهودي في موسكو وهو من يجعل روسيا وغير روسيا تتحسب خطواتها و سياساتها في التعامل مع تل أبيب .
برأيي لا يجب أن نواجه رأيا عاما حساسا لقضاياه الوطنية والقومية كالراي العام السوري، بل يجب أن يكون صوته عاليا مدويا كي يأخذه بالاعتبار الحليف والعدو على حد سواء .
وهذا لن يؤثر في تحالف مع أية دولة لا ن التحالفات ترسمها النخبة السياسية في بلدين يعرفان قواعد اللعبة السياسية، ويعملان وفق مصالحهما .
روسيا لها دور في خلق توازن مهم في الشرق الأوسط وفي القضايا الدولية، والحرص على أن تكون حليفا وهي قوة عظمى في العالم مكسب استراتيجي يجب البناء عليه واستثماره بأقصى الحدود، ولكن عليها أن تبني علاقات متوازنة مع حلفائها تقوم على الاحترام و الصدق والشفافية، والا فإنها ترتكب ذات أخطاء واشنطن التي حولت القوى الحليفه لها إلى اتباع لا حول لهم ولا قوة . وكسبت عداء وكراهية الشعوب العربية لها .
كاتب واعلامي فلسطيني