ليس مستغربا أن يفوز بنيامين نتنياهو وحزبه بالانتخابات البرلمانية برغم اتهامه فى العديد من قضايا الفساد المالى والسياسي؛ والتى لا زال يخضع فيها لتحقيق من قبل النيابة العامة.
ومن الواضح ايضا ان هؤلاء المنتخبين يغتصبون حقوق شعب بأكمله فكل منهم يحيا على أرض أو بيت فلسطينى طرد منه بالقوة ليحل مكانه هذا الساكن الجديد؛ بينما بقي صاحب الأرض والبيت الحقيقي على بعد كيلو مترات وأحيانا أمتار معدودة من أرضه وبيته مهجرا بائسا...
وليس غريبا أن يعيد مجتمعا كهذا انتخاب رجل مثل بنيامين نتنياهو؛ فنحن نتحدث عن إسرائيل التى لا زالت الراعي الرسمى لآخر احتلال استيطانى استئصالي على وجه هذه الأرض؛ فنحن لسنا أمام مجتمع متحضر انسانيا كالمجتمع البريطانى الذي آثر أن يسقط ونستون تشرشل فى أول انتخابات بعد الحرب العالمية الثانية؛ والتى خرج الرجل منها متوجا بنصر تاريخي؛ وذلك خوفا من أن يتحول هذا الزعيم المزهو بنصره إلى زعيم فاشي وانتصارا لأخلاقيات ديمقراطية عريقة تستند لثقافة سياسية جمعية لأمة طبيعية مخضرمة وعريقة؛ واسقط الشعب البريطانى تشرشل فى أول انتخابات بعد الحرب.
وإسرائيل اليوم التى أعادت انتخاب اليمين المتطرف بزعامة رئيس وزراء فاسد ليحكمها مجددا إنما عبرت وبصدق عن طبيعة مجتمع عنصرى فاشي لا أخلاقي همه الأول والأخير أمنه الجماعي ولو كان ذلك على حساب الأخلاق التى تمنع أى إنسان من تسليم مصيره الشخصي لزعيم مشكوك فى أخلاقه؛ فكيف بمن هو متهم بتهم تمس الأمانة والشرف؟.
لقد انتصرت الديمقراطية في إسرائيل تلك حقيقة لا يمكننا إنكارها؛ ولكنه نصر كشف طبيعة مجتمعها وأظهر مستواه الأخلاقي للعالم؛ وأمام هذا المشهد الواضح الذى انتصر فيه اليمين الفاشي فى إسرائيل مجددا يجب على كل الفلسطينيين أن لا يتوقعوا غير الأسوأ في قادم الأيام؛ وعلى فلسطيني 48 أن يدركوا أن قانون القومية سيُفَعل ويتفاعل وسيُدَعم بقوانين أخرى أكثر عنصرية ويمينية، وإذ هم اليوم مواطنون من الدرجة الثانية بفعل قانون القومية فإنهم فى طريقهم إلى أن يصبحوا قريبا سكان بلا مواطنة أو "بدون" دولة اسرائيل؛ وبالنسبة لفلسطينيي الضفة الغربية والقدس وقطاع غزه علينا انتظار إعلان صفقة القرن والتى ستحدد لهم مستقبلهم السياسي كل منهم بمفرده بمعزل عن الآخر وطبقا لما هو قائم من واقع سياسي على الأرض مضمونه التقسيم الديمغرافي والذى ستحوله صفقة القرن إلى تقسيم سياسي رسمي.
لقد ساهمنا نحن الفلسطينيون وبجدارة فيما وصلنا له وفى تدعيم التوجه الصهيوني اليمينى المتطرف؛ ونحن من أبقينا نتنياهو وزمرته اليمينية العنصرية المتطرفة لخمس ولايات انتخابية؛ وذلك حينما انتقلنا من خانة الفعل إلى خانة ردة الفعل ومن خانة المبادر إلى خانة المتلقي؛ فمنذ الانتفاضة الأولى والتى كانت آخر فعل حقيقي لنا وصولا إلى يومنا هذا تصرفنا طول الوقت بردة الفعل وكان الفاعل هو الطرف الاسرائيلي، ولما كانت سياسة ردة الفعل هي دوما سياسة ارتجالية يعرف صاحب الفعل حدودها ويتحسب جيدا لها فإن كل ردات فعلنا الارتجالية استطاعت إسرائيل احتواءها لا بل سخرتها فى أحيان كثيرة ضدنا واستثمرتها وأنتجت منها أفعالا استراتيجية آخرى ضدنا تجعلنا أكثر عجزا على أن نكون الطرف الفاعل فى صراعها معنا؛ والأمثلة عديدة من الانتفاضة الثانية التى أتت كردة فعل على تنصل إسرائيل من منحنا حقوقنا فى كامب ديفد وصولا إلى ما يعرف بمسيرات العودة التى أتت بعد أن تحول قطاع غزه إلى مكان غير صالح للحياة الآدمية، وها هي صفقة القرن تنفذ على الأرض قبل أن تعلن قريبا وها نحن ننتظر إعلانها رسميا رغم إدراكنا لمضمونها حتى نتصرف ونرد بفعل تعرفه إسرائيل جيدا وتدرس توقيته وتنسق جيدا مع إدارة ترامب ليكون فى الحد الأدنى مما تتوقع.
وسيبقي الحال على ما هو "فعل إسرائيلي وردة فعل فلسطينية" متوقعة ومدروسة حتى يأتى اليوم الذى سيكون فيه فعل اسرائيلى بدون ردة فعل فلسطينية، وهذا اليوم يقترب شيئا فشيئا فى ظل غياب استراتيجية نضال فلسطينية موحدة للكل الفلسطينى تديرها قيادة موحدة تستند إلى إرادة شعبية حرة عبر صناديق الاقتراع تكون قادرة على إخراج الفلسطينيين من دوامة ردة الفعل وإعادتهم إلى خانة الفاعلين فى هذا الصراع الطويل المتشعب الأبعاد والغايات والمحكوم بمعادلة إما أن تكون أو لا نكون .
أستاذ علوم سياسية