الجولان قبل تغريدة ترامب...عبير بشير

الثلاثاء 26 مارس 2019 11:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT



بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بـالسيادة الكاملة لإسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، تكون واشنطن قد قطعت مع سياسات الإدارات الأميركية السابقة التي سعت إلى لعب دور الوسيط بين إسرائيل وسورية للتوصل إلى تسوية سلمية، وأيدت رسميا – قانون الجولان – الذي أقره الكنيست الإسرائيلي سنة 1981، بضم الجولان المحتل إلى الدولة العبرية، وفرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على الهضبة التي تبلغ مساحتها 1200 كم2. 
على الرغم من عدم اعتراف المجتمع الدولي بهذه الخطوة، وإشارة وثائق الأمم المتحدة إلى منطقة الجولان باسم - الجولان السوري المحتل -. 
ولا تقل إيضاحات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حول إعلان ترامب وقاحة عن تغريدة رئيسه: «ما فعله الرئيس بشأن هضبة الجولان هو إدراك الواقع على الأرض والوضع الأمني الضروري لحماية دولة إسرائيل، إن الأمر بهذه البساطة». 
وخلال مقابلته مع قناة «Sky News» أشارت المذيعة إلى أن الولايات المتحدة سبق أن فرضت عقوبات ضد روسيا على خلفية «ضمها للقرم»، لكنها تنوي الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وسألت: أليس هذا الموقف عبارة عن ممارسة واشنطن سياسة المعايير المزدوجة. فأجاب بومبيو بأن ضم الجولان يختلف عن ضم القرم، وهذه الخطوة ستساعد في حفظ استقرار المنطقة!
وتكتسب هضبة الجولان السورية المحتلة، أهمية استراتيجية بسبب جغرافية مرتفعات الجولان ومواردها الطبيعية ومصادر المياه العذبة فيها. 
وتطل الهضبة على فلسطين التاريخية - الجليل وعلى بحيرة طبرية - وتبعد 40 كم عن العاصمة السورية. 
وفي حزيران 1967، احتل الجيش الإسرائيلي الجولان السوري، وبموجب اتفاق «فض الاشتباك» العام 1974 أقيمت منطقة عازلة منزوعة السلاح بين إسرائيل والجولان.
وشكلت هضبة الجولان هدفاً لأطماع قيادة الحركة الصهيونية منذ منتصف القرن التاسع عشر، ورسمت الحركة الصهيونية خرائط للجولان حملت بعدا سياسيا ودينيا، حددت من خلالها مواقع لمصادر المياه ومواقع أثرية زعمت أنها تشتمل على رموز يهودية وتوراتية.
«يمكننا فقط أن نتخيل ماذا كان سيحدث لو أن إسرائيل لم تكن موجودة في الجولان»، هذا ما قاله  بنيامين نتنياهو لمايك بومبيو، قبل وقت قصير من إعطاء ترامب لنتنياهو هدية الانتخابات النهائية: الاعتراف الرسمي بسيادة إسرائيل الرسمية على هضبة الجولان. 
رغم أن ذلك يخالف أجواء المباحثات المتقدمة التي قادها المبعوث الأميركي السابق فريد هوف  في المحاولة الأميركية الأخيرة لإنجاز اتفاق سلام بين بشار الأسد وبنيامين نتنياهو في 2010، مقابل وعود بابتعاد دمشق عن إيران. 
لكن هذه المبادرة، انتهت في ربيع 2011 مع تفجر الثورة السورية، وفي سنوات الذبح والقتل في سورية، حينها حدثت انعطافة تدريجية، في موقف إسرائيل: انتهى عهد «الخيار السوري»، وحان الوقت للمطالبة بالاعتراف بالسيادة القائمة فعليا في الجولان.
بعد حرب الخليج في 1991، أطلق الرئيس الأميركي الراحل جورج بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر عملية السلام العربية - الإسرائيلية في مؤتمر مدريد. 
بعد مؤتمر مدريد عقدت على المسار السوري جلسات تفاوضية، لكنها كانت بمثابة «حوار الطرشان» بسبب تعليمات إسحق شامير الذي كان يريد «التفاوض لمجرد التفاوض». 
لكن فوز إسحق رابين في انتخابات حزيران 1992، أثار موجة من التفاؤل، وتم التعبير عن ذلك بتكليفه السفير ايتامار رابينوفيتش رئاسة الوفد المفاوض إلى الجولة السادسة من المفاوضات مقابل السفير السوري الراحل موفق العلاف.
وقدم الوفد السوري ورقة الأهداف والمبادئ والتي تضمنت أهم بند وهو المطالبة بـالانسحاب الإسرائيلي الكامل من مرتفعات الجولان السوري.
قام وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر بجولة في الشرق الأوسط في آب 1993، فالتقى رابين في حضور رابينوفيتش للحديث عن المسار السوري لاعتقاد الأميركيين بأن «سورية هي مفتاح السلام الإقليمي في الشرق الأوسط». 
وفي هذا الاجتماع، طرح رابين أسئلة افتراضية على كريستوفر: «لنفترض أن مطالب السوريين قبلت، هل سورية مستعدة لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل؟ وهل ستكون على استعداد لسلام حقيقي يتضمن حدوداً مفتوحة وعلاقات دبلوماسية كما في الحالة المصرية؟ أو ما سمي «وديعة رابين».
وروى نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع في كتابه «الرواية المفقودة» أن النسخة الأولى من وديعة رابين جاءت مع مبعوث السلام دنيس روس في العام ١٩٩٣ الذي أتى حاملاً رسالة من بيل كلينتون حيث اجتمع بالأسد في اللاذقية لدقيقتين على انفراد ليقول إن رابين «موافق على الانسحاب الكامل من الجولان، إذا تمت تلبية حاجاته الأمنية».
ويعتقد الخبير البريطاني في الشؤون السورية باتريك سيل أن مرونة رابين نحو سورية كانت لـخداعها، وفي إطار اللعب بين المسارات: السورية والأردنية والفلسطينية، وللضغط على الفلسطينيين. 
لكن وفاة باسل نجل الرئيس السوري، وقيام رابين بتقديم عرض «مجدل شمس أولاً»، أسوة بـغزة أريحا أولاً، جمدا المسار السوري.
بعد اغتيال رابين في 1995، وتسلم بنيامين نتنياهو رئاسة الوزراء، أنكر وجود هذه الوديعة. وفي العام 1998 بدأ نتنياهو جولة مفاوضات سرية جديدة بوساطة رجل الأعمال رون لاودر. تركزت على استعداد إسرائيل لانسحاب جوهري من هضبة الجولان أساسه خطوط 1967.
وقالت جهات مطلعة إنه في مركز المحادثات طالبت إسرائيل بإبقاء وجود لها في جبل الشيخ. السوريون كما يبدو قالوا للاودر إن الحديث يدور عن «وكر جواسيس»، فأجاب لاودر الأسد: «ما الذي يزعجك في أن يروا ماذا تعمل في غرفة النوم؟ بالنسبة لي هذا لا يزعجني». 
المفاجأة كانت أن السوريين أظهروا الرضا، ولكنهم اقترحوا تسوية إبداعية: هناك يهود في أميركا، ويمكنهم أن يأتوا إلى الجولان. 
إسرائيل، قررت فهم العكس: أن يتخفى الإسرائيليون على أنهم أميركيون. وكل جبل الشيخ يتحول إلى دولي والمنشأة التي ستشغل ظاهريا من قبل الأميركيين ستكون فعليا إسرائيلية. هذا تمرين سبق أن كانت له سابقة في الاتفاق المرحلي في سيناء - هآرتس -.
وعندما تولى إيهود باراك رئاسة الوزراء، عقدت مفاوضات بين فاروق الشرع وباراك في ولاية فرجينيا. 
وكان السؤال المحوري: أين هي حدود الانسحاب؟ وتروي وزيرة الخارجية آنذاك مادلين أولبرايت:» بأن حافظ الأسد لم يكل أبداً من إبلاغنا بأنه اعتاد السباحة في بحيرة طبريا عندما كان شاباً».
وبعدما توقفت المفاوضات بسبب تهرب باراك من ترسيم الحدود مع سورية. بقيت القمة بين الأسد وكلينتون في 2000، هي الأمل الوحيد لتحقيق اتفاق السلام قبل وفاة الرئيس السوري. وتقول أولبرايت إن كلينتون عندما قال «الإسرائيليون مستعدون للانسحاب كلياً إلى حدود متفق عليها في صورة مشتركة»، رد الأسد: ماذا تعني بمتفق عليها في صورة مشتركة؟، بدأ كلينتون يشرح وأخرج منسق عملية السلام دنيس روس خريطة، وكانت تبين خطا يمتد على طول الضفة الشرقية لنهر الأردن وبحيرة طبريا، مع تحديد واضح لشريط الأرض الذي يريد باراك الاحتفاظ به، وهو يبعد 400 - 500 متر عن بحيرة طبرية. 
قال الأسد: إذا هو لا يريد السلام، من دون حتى أن ينظر إلى الخريطة وقال: انتهى الأمر. فقد أدرك حافظ الأسد، بأن إسرائيل لا تريد من السوريين الاقتراب من بحيرة طبرية.
بعدها انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان في أيار 2000 ورحل الأسد في حزيران من العام نفسه. 
وخلال عقد من حكم الرئيس بشار الأسد، ويهود أولمرت دخل الجانب التركي على خط الوساطة لتوقيع اتفاق سلام بين سورية وإسرائيل خصوصاً في «سنوات العزلة» على دمشق بين 2005 و2009 بعد اغتيال رفيق الحريري.
ومع وصول باراك أوباما إلى سدة الرئاسة الأميركية، عاد الجانب الأميركي إلى الاهتمام بعملية السلام، وصولا إلى صوغ «هوف» مسودة اتفاق في بداية 2011، التي جمدت إثر اندلاع الانتفاضة الثورية.
البروفيسور رابينوفيتش، الذي تابع عن قرب جولات المفاوضات، يعتقد أن نتنياهو واصل نفس الطريق الذي رسمه رابين وباراك وأولمرت وهو: التعهد بالمفاوضات من أجل المفاوضات وليس بالنتائج. 
وأضاف: «عندما كانوا يسألونني إذا كان الأسد جديا، قلت إنه اشترى تذكرة سفر بالقطار محطتها الأخيرة هي السلام، لكنه دائما يستطيع النزول في الطريق. أيضا نتنياهو الشيء ذاته».