«حماس» ضد المواطن ...هاني عوكل

الجمعة 22 مارس 2019 11:50 ص / بتوقيت القدس +2GMT



يعيش قطاع غزة أوضاعاً كارثية سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة للغاية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهي أوضاع لم يشهدها منذ عشرات السنين وربما منذ عام النكبة 1948، في الوقت الذي يجب فيه على المواطن أن يشد الحزام ويصمت طويلاً!!
قبل عدة أيام، كانت الأمم المتحدة تصف مستويات الفقر في غزة بأنها وصلت إلى دون القاع ولا مثيل لها في تاريخ البشرية الحديث، والأمر يحتاج برأيها إلى التغيير السريع والمُلح لظروف الحياة لدى سكان القطاع، لفرملة هذا التدهور المتدرج.
وقبل هذا الوصف ذكر الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين أن القطاع يعيش ظروفاً صعبة للغاية، وأن معدلات الفقر وصلت إلى حوالى 80%، في حين تجاوزت نسب البطالة 55%، وفي صفوف الشباب تصل إلى حوالى 70%.
أليس من حق الفلسطينيين بكل فئاتهم أن يخرجوا إلى الشوارع ليعبروا عن رأيهم في هذه الأوضاع الكارثية المحبطة التي لم تدع من خيار سوى تقبّل الأمر الواقع أو الهجرة القسرية عن غزة والبحث عن ملاذ آمن وحياة كريمة؟
الفلسطينيون خرجوا إلى الساحات والشوارع؛ تعبيراً عن رفضهم لحكم "حماس"، وطمعاً في تحسين أحوالهم المعيشية، غير أن سلطة الأمر الواقع واجهتهم بقبضة حديدية وكأننا نتحدث عن خونة ومندسين ينبغي استئصالهم من المجتمع الفلسطيني!!
لماذا تفرط "حماس" في استخدام القوة لضرب المتظاهرين وسجنهم ومنع أي تظاهرات بقوة السلاح؟ ولماذا تستخدم كل المنابر الإعلامية والدينية لتسويغ هذا الفعل الشائن الذي ترفضه القوانين والأعراف المحلية والدولية، ويرفضه الدين الإسلامي أيضاً؟
تدرك سلطة الأمر الواقع أن الظروف صعبة في غزة، وأن الناس بدؤوا يتململون من سوء الانقسام الداخلي، وتعتقد أن عدم وقف الحراك الشعبي الحالي قد يعني بالنتيجة توسعه إلى حد تهديد مصالح "حماس" في قطاع غزة، ولذلك وجب التعامل مع الموضوع بحزم شديد.
رسالة سلطة "حماس" في ممارسة البلطجة والقوة ضد المتجمهرين، والشباب تحديداً، تتجاوز قطاع غزة في أبعادها ومضمونها، إذ تترجم هذه الرسالة بالتأكيد أنها قادرة على ضبط الأوضاع في غزة، في حين تتهم حركة "فتح" بأن لها يداً في الحراك الشعبي.
أيضاً من غير المستبعد أن تستفيد "حماس" من هذا الحراك للحصول على دعم مالي من الدول التي تناصرها مثل إيران وقطر، ذلك أنها تعيش ظروفاً مالية صعبة وتنقل هذه المشكلة إلى القطاع برفع الضرائب والتضييق أكثر على حياة الناس.
ثمة تدهور أمني خطير يحصل في غزة، حين نسمع عن قصص كثيرة تتصدرها عناوين مجهولين يعتدون بالضرب على فلان أو علان، ومن ثم لا نحصل على فاعلين. هذه القصص لم تنته وآخرها محاولة اغتيال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" أحمد حلس، وكذلك الناطق باسم الحركة وعضو المجلس المركزي الدكتور عاطف أبو سيف.
إذا لم يكن لحركة "حماس" يد في عمليات الاغتيال هذه، فإن عليها ملاحقة الفاعلين وتقديمهم للعدالة كما تقول، علماً أن مساحة القطاع صغيرة للغاية وتستطيع الحركة إن هي أرادت القبض على الجناة، لكن وبحكم العادة سيفتح تحقيق في الموضوع والنتيجة "بح" فاعل، وقد تسجل باسم مجهول.
ما جرى في قطاع غزة مؤخراً يؤكد حالة التناقض الشديدة بين كون "حماس" حركة مقاومة وبين موقعها في إدارة قطاع غزة، إذ من الصعب الحديث عن حركة تؤمن بالفعل المقاوم وتحترم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفي نفس الوقت تقمع هذا الشعب وتصادر حريته؛ لأنه يطلب العيش الكريم لا أكثر.
لو لم تتحيز حركة "حماس" لأنصارها والمحسوبين عليها وأدارت الأزمة بطريقة أكثر عقلانية، ولو أنها التفت حول شعبها وتقاسمت معه رغيف الخبز، لما حصل كل ذلك ولتفهم الناس الظروف المأساوية التي يعيشونها بأفعال الحصار الدولي ومواصلة الانقسام الداخلي.
إن هذا الفعل التعسفي مرفوض تحت كل الأشكال، وينبغي على "حماس" فصل الدين عن السلطة والسياسة، وعدم استخدام المساجد وخطب الجمعة لتكريس حالة الانقسام بين أفراد المجتمع وتشريع فتاوى تحلل الضرب بيد من حديد على متظاهرين سلميين.
ولا ينبغي التعامل مع أصحاب الحق والحراك الشعبي بالبطش الشديد، وهم الذين ذاقوا ويلات كثيرة عنوانها الاحتلال الإسرائيلي وانقسام داخلي أثر سلباً على السياسة والاقتصاد والوضع الاجتماعي، وجعل الناس يتحولون من ثورة على المحتل إلى ثورة جياع.
أيضاً من المهم ألا تسكت الفصائل الفلسطينية على بطش "حماس" وينبغي أن يتجاوز دورها البيانات وخطب الإدانة إلى حد مناصرة الحراك السلمي والمشاركة فيه، طالما أن الفلسطينيين يريدون تحصيل حقوقهم بطرق مشروعة.
والحال أنه إذا لم تتجاوب "حماس" مع مطالب الحراك الشعبي، قد يفرغ القطاع من أهله في يوم من الأيام، ولن تجد الحركة شعباً تحكمه سوى أزلامها، علماً أن هناك موجة جديدة من الهجرة "الإجبارية" إلى دول أوروبية، وهي هجرة غير مرغوبة لكنها مطلوبة ومُبررة بحكم الواقع المرير في غزة.
إذا كانت الأوضاع كارثية إلى هذه الدرجة ولا تجد "حماس" أموالاً لإدارة القطاع بتوازن، وغير قادرة على إيجاد حلول للخروج من عنق الزجاجة، لماذا إذن تواصل الحكم وترفض التنازل عن الكرسي وتبقى شريكاً في العمل الوطني؟
ربما الإجابة عن هذا السؤال تعني أن "حماس" تريد الانفراد بكل شيء، الانفراد في القرار الوطني والتمسك بالسلطة والمقاومة، والأولى مراجعة هذه التجربة بعد 12 عاماً من الانقسام الداخلي، والدعوة إلى انتخابات تشريعية ورئاسية حتى تفرز الساحة ما يريده الشعب.
معركة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي وليس مع نفسه، والأجدر بــ "حماس" إزالة الاحتقان الشعبي وإيجاد حلول مستعجلة لمطالب الناس المشروعة، والكف عن سياسة "يقتل القتيل ويمشي في جنازته".