أم الشهيد عمر ..عبد الهادي راجي المجالي

الجمعة 22 مارس 2019 09:48 ص / بتوقيت القدس +2GMT



استشهد عمر أبو ليلى.. وأنا لا أريد الكتابة لعمر, لأنه سر من أسرار الفلسطيني.. لكني أريد الكتابة إلى أمه, إلى أم عمر أبو ليلى.. أريد أن أسألها: هل ولد مثل كل الأطفال؟ أم أنه نزل من رحمك ومعه سكين.. أريد أن أسألها ماذا أرضعته؟ لا أظن أنه شرب حليبا عاديا, يبدو أن الثدي الفلسطيني يمزج الحليب مع البارود والفداء.. أنا أشك أن هذا الشهيد رضع حليبا! رضع شيئا مختلفا جعل منه أسدا.. وليس شخصا عاديا.
أريد أن أسألها عن طفولته.. هل كان يملك (لهاية) مثل كل الأطفال؟ هل كان يبكي؟.. وكان يمرض ويصاب بالانتفاخ مثل كل الأطفال أيضا؟ أنا لا أظن ذلك قولي لي الحقيقة يا أم عمر.. هذا طفل هزم إسرائيل منفردا, خاض معركة مع جيش كامل وهزمه, عمر بحد ذاته كان جيشا.. وأظنه لم يكن طفلا عاديا أبدا..
أخبريني يا أم عمر, عنه حين كان عمره (3) أشهر, هل كان يصحو في الليل..؟ هل كان له سرير مثل كل الأطفال.. أم أنه حول السرير لثكنة, وكان يخطط فيها لعمليته.. أخبريني حين كنت تضمينه إلى صدرك, كيف كانت عيونه.. وكم من شرر ونار لمحت فيها, قولي لي هل كان يخاف من الظلمة؟.. لا أظن ذلك! هل كانت لديه (خشخيشة) مثل كل الأطفال أم أن صوت الرصاص هو لعبته..
حسنا يا أم عمر.. أنت أعلى النخلات في العراق, وأنت التاريخ كله.. كاذب من يقول إن التاريخ يكتب بالحبر, أم عمر غيرت كل نظريات التاريخ الحديث فالفلسطينية أكدت أن التاريخ يكتب بحليب النساء في (سلفيت), وأنت النيل حين يمشي متدفقا هادرا ويروي العطشى في مصر.. وأنت أمل الفقراء, وملهمة الشعراء في الحي المحمدي بالمغرب, وأنت (بردى) حين يجري من الغوطة.. ويمسح عن سوريا الدم والخراب ويعيد لدمشق بسمتها.. أنت أصلا أهم من كل مدارس الحرب والأركان العربية وأهم من كل مصانع الذخيرة والدبابات المكدسة, لأن رحمك أنتج من طفل جيشا كاملا هزم اسرائيل ونحن اختصرنا كل جيوشنا بفرد واحد..
ماذا أقول لك؟.. فقط علمي النساء في عالمنا العربي, علمي المتصابيات.. واللواتي جلسن في الفنادق الفاخرة, خلف المايكروفونات من أجل الثرثرة, علمي من أدخلوهن في الحكومات.. على شكل إكسسوار, علمي من أشبعن جيلا من النكبات غنجاً على مايكروفونات الإذاعات (التافهة).. علمي النساء يا أم عمر في العالم العربي, أن الأرحام في فلسطين.. أخطر من منظومات (الباتريوت).. وأن الأرحام في فلسطين أقوى من طائرات (الإف 35) وأن أم عمر دمرت نظرية اللواء (الجولاني) ونظريات شامير وشارون وقبله مناحيم بيغن, في حصانة جيش الدفاع وحولته إلى جيش من الأشلاء..
الأم في فلسطين يبدو أنها مختلفة, من أي طينة جبلت أناملك يا أم عمر؟.. وعلى أي سراج مشطت شعرك, تعالي يا طاهرة يا عفيفة يا أم الحب وأم الزيتون وأم الصبر.. تعالي إلى عالمنا العربي قليلا, طوفي في الأحياء.. ودعي الفتية الصغار يقبلون يدك ويتبركون بابتسامتك, تعالي إلينا قليلا.. واخبري الناس أن الأمومة في فلسطين, ليست حليبا وحضنا, بل الأمومة أيضا بندقية وصبرا.. ودم يحضر لكي يسيل نديا على تراب كان الأجل والأعلى والأطهر.
حسنا بعد أشهر, ستعودين لمنزل في سلفيت غير المنزل المدمر, ستعودين أما بكل ما تستلزمه مقتضيات الأمومة من دمع وصبر ورضا وفخر بما أنجبت.. وربما ستجلسين على طاولة صغيرة في المطبخ, من أجل فرم (الخبيزة) ومزجها مع زيت الزيتون.. أتدرين يا أم عمر؟ جلوسك على الطاولة وحيدة.. وذرف دمعة فخر.. أهم من اجتماعات الجامعات العربية كلها وأهم من مؤتمرات القمة كلها.. لأنك في هذه اللحظة, ستكتشفين أنك لم تلدي بيانا للشتم والاستنكار, بل ولدت طفلا كان معجزة ونظرية عسكرية عالمية, وشهيدا ليس كأي شهيد.. والله لو أننا تتبعنا خطاك في المنزل, وقبلنا كل شبر داست عليه قدمك سنبقى أقل بكثير.. من جبروتك وصبرك والوفاء الأصيل لفلسطين..
أنا لا أعرف يا سيدتي هل أناديك أم عمر, أنت أمة كاملة وليس أماً.. حتى أحرف النداء تنهار أمام جبروتك أيتها العظيمة فلك السلام.. كل السلام. الهادي راجي المجالي

استشهد عمر أبو ليلى.. وأنا لا أريد الكتابة لعمر, لأنه سر من أسرار الفلسطيني.. لكني أريد الكتابة إلى أمه, إلى أم عمر أبو ليلى.. أريد أن أسألها: هل ولد مثل كل الأطفال؟ أم أنه نزل من رحمك ومعه سكين.. أريد أن أسألها ماذا أرضعته؟ لا أظن أنه شرب حليبا عاديا, يبدو أن الثدي الفلسطيني يمزج الحليب مع البارود والفداء.. أنا أشك أن هذا الشهيد رضع حليبا! رضع شيئا مختلفا جعل منه أسدا.. وليس شخصا عاديا.
أريد أن أسألها عن طفولته.. هل كان يملك (لهاية) مثل كل الأطفال؟ هل كان يبكي؟.. وكان يمرض ويصاب بالانتفاخ مثل كل الأطفال أيضا؟ أنا لا أظن ذلك قولي لي الحقيقة يا أم عمر.. هذا طفل هزم إسرائيل منفردا, خاض معركة مع جيش كامل وهزمه, عمر بحد ذاته كان جيشا.. وأظنه لم يكن طفلا عاديا أبدا..
أخبريني يا أم عمر, عنه حين كان عمره (3) أشهر, هل كان يصحو في الليل..؟ هل كان له سرير مثل كل الأطفال.. أم أنه حول السرير لثكنة, وكان يخطط فيها لعمليته.. أخبريني حين كنت تضمينه إلى صدرك, كيف كانت عيونه.. وكم من شرر ونار لمحت فيها, قولي لي هل كان يخاف من الظلمة؟.. لا أظن ذلك! هل كانت لديه (خشخيشة) مثل كل الأطفال أم أن صوت الرصاص هو لعبته..
حسنا يا أم عمر.. أنت أعلى النخلات في العراق, وأنت التاريخ كله.. كاذب من يقول إن التاريخ يكتب بالحبر, أم عمر غيرت كل نظريات التاريخ الحديث فالفلسطينية أكدت أن التاريخ يكتب بحليب النساء في (سلفيت), وأنت النيل حين يمشي متدفقا هادرا ويروي العطشى في مصر.. وأنت أمل الفقراء, وملهمة الشعراء في الحي المحمدي بالمغرب, وأنت (بردى) حين يجري من الغوطة.. ويمسح عن سوريا الدم والخراب ويعيد لدمشق بسمتها.. أنت أصلا أهم من كل مدارس الحرب والأركان العربية وأهم من كل مصانع الذخيرة والدبابات المكدسة, لأن رحمك أنتج من طفل جيشا كاملا هزم اسرائيل ونحن اختصرنا كل جيوشنا بفرد واحد..
ماذا أقول لك؟.. فقط علمي النساء في عالمنا العربي, علمي المتصابيات.. واللواتي جلسن في الفنادق الفاخرة, خلف المايكروفونات من أجل الثرثرة, علمي من أدخلوهن في الحكومات.. على شكل إكسسوار, علمي من أشبعن جيلا من النكبات غنجاً على مايكروفونات الإذاعات (التافهة).. علمي النساء يا أم عمر في العالم العربي, أن الأرحام في فلسطين.. أخطر من منظومات (الباتريوت).. وأن الأرحام في فلسطين أقوى من طائرات (الإف 35) وأن أم عمر دمرت نظرية اللواء (الجولاني) ونظريات شامير وشارون وقبله مناحيم بيغن, في حصانة جيش الدفاع وحولته إلى جيش من الأشلاء..
الأم في فلسطين يبدو أنها مختلفة, من أي طينة جبلت أناملك يا أم عمر؟.. وعلى أي سراج مشطت شعرك, تعالي يا طاهرة يا عفيفة يا أم الحب وأم الزيتون وأم الصبر.. تعالي إلى عالمنا العربي قليلا, طوفي في الأحياء.. ودعي الفتية الصغار يقبلون يدك ويتبركون بابتسامتك, تعالي إلينا قليلا.. واخبري الناس أن الأمومة في فلسطين, ليست حليبا وحضنا, بل الأمومة أيضا بندقية وصبرا.. ودم يحضر لكي يسيل نديا على تراب كان الأجل والأعلى والأطهر.
حسنا بعد أشهر, ستعودين لمنزل في سلفيت غير المنزل المدمر, ستعودين أما بكل ما تستلزمه مقتضيات الأمومة من دمع وصبر ورضا وفخر بما أنجبت.. وربما ستجلسين على طاولة صغيرة في المطبخ, من أجل فرم (الخبيزة) ومزجها مع زيت الزيتون.. أتدرين يا أم عمر؟ جلوسك على الطاولة وحيدة.. وذرف دمعة فخر.. أهم من اجتماعات الجامعات العربية كلها وأهم من مؤتمرات القمة كلها.. لأنك في هذه اللحظة, ستكتشفين أنك لم تلدي بيانا للشتم والاستنكار, بل ولدت طفلا كان معجزة ونظرية عسكرية عالمية, وشهيدا ليس كأي شهيد.. والله لو أننا تتبعنا خطاك في المنزل, وقبلنا كل شبر داست عليه قدمك سنبقى أقل بكثير.. من جبروتك وصبرك والوفاء الأصيل لفلسطين..
أنا لا أعرف يا سيدتي هل أناديك أم عمر, أنت أمة كاملة وليس أماً.. حتى أحرف النداء تنهار أمام جبروتك أيتها العظيمة فلك السلام.. كل السلام.