غزة ولزوم ما يلزم من العيش الكريم .. ماجد الشيخ

الأحد 17 مارس 2019 11:56 م / بتوقيت القدس +2GMT



لا يبدو أن أمن حماس وأجهزتها ومؤسساتها، تريد للناس في قطاع غزة أن تعيش بكرامة، فالموت «المقدس» لديها عمل من رجسها، أما قمع وإرهاب وموت الناس العاديين الذين يبحثون عن لقمة خبز لأطفالهم، فهو من رجس الشيطان، حتى يستحق أهل غزة كل هذا القمع والإرهاب والإهانات وكسر الأيادي، وملاحقة المواطنين إلى دواخل بيوتهم، وممارسة سلوك «عنتري» يندى له الجبين، لاسيما وهو يصدر من أبناء حركة إخوانية، لا يليق بها أن تفعل ذلك وهي التي تدعي إسلاموية زائفة، وقد تكشفت سنوات التسلط والاستبداد والإرهاب، أن سلطوية الحركة هي بالنسبة لها أولوية يجدر الدفاع عنها، وهي تخوض مقاتلها ضد أبناء القطاع دفاعا عن تلك الروح السلطوية، البعيدة كل البعد عن روح الوطنية التي ينبغي أن تتحلى بها حركة تزعم إنها «حركة مقاومة»، لكن ما يجري على الأرض وفي شوارع قطاع غزة ينفي عن عناصر هذه الحركة امتلاكهم لأي مناقبية وأخلاق وطنية، لاسيما وهم يواجهون من يفترض أنهم أبناء شعبهم ومنهم الأخ وابن العم والخال وابن الجيران وأبناء عائلات محترمة، ترفض أن تنتهك أعراضها وكراماتها على أيدي من يفترض أنهم من أبناء شعب يرفض ضيم الأهل قبل ضيم العدو، وإلا فالقاتل والقامع واحد لا فرق بينه إن كان إسرائيلياً يعتبر الأرض غنيمته، وإن كان فلسطينياً يعتبر السلطة غنيمته «المقدسة».


كل ما يطلبه أهل القطاع، كما أهل الضفة والقدس وسائر الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها على مراحل: بالقوة وبالحروب مرة و«بالتراضي» مرات، ما بعد أوسلو والانقلاب الحمساوي؛ أن يعيشوا بكرامة، لا تحت ذل الاحتلال، ولا تحت ذل بساطير القوى الأمنية، ممن استلهموا دروس دايتون ومخازي الاستبداد العسكري العربي وأجهزة مخابراته وميليشياته وكل من يدور في الفلك السلطوي، وكل هؤلاء للأسف راضون وقانعون بالاحتلال طالما هم يستمدون منه إكسير حياة لسلطانهم وسلطاتهم القامعة والقاتلة والمفرّطة بكل ما ينبغي الحفاظ عليه من شرف المقاومة الحقيقية؛ مقاومة من طينة التحرر الوطني، لا من طينة السلطويات الشمولية القائمة على هيمنة سلطة فئوية أنانية.

يجري كل هذا في ظل أزمة كارثية يشهدها القطاع، وهي أزمة مركبة وأكثر من مزدوجة، أزمة سياسة وسياسات وردود أفعال غير مسؤولة، تضافرت في الجوهر بسبب الاحتلال والانقسام ومجموع حصارات قادت وتقود إليها اليوم العديد من آثار ونتائج الإجراءات العقابية غير المسؤولة، وما سبقها ورافقها وتلاها من قرارات غير مدروسة، ارتكبت خطايا تمثلت بفرض المزيد من الضرائب وابتكار أشكال احتيالية جديدة للجباية، ما أدى إلى اشتعال نار الأسعار، وتدهور الأحوال المعيشية والحياتية لأهل القطاع.

ما حدث في غزة، خاصة يوم الجمعة الماضي، ضد شباب حراك «بدنا نعيش»، ينبغي أن يكون معيباً ومخجلاً لمن تسري في عروقه دماء الوطنية الفلسطينية، لكن للأسف ما جرى ويجري نكوص نحو العودة إلى الممارسات السوداء لتنظيم حركة تمرس على الممارسات الظلامية، كما بدأوها أول مرة في مواجهة قوى الحركة الوطنية الفلسطينية قبل نشوء منظمة التحرير، الجبهة الوطنية العريضة والكيان الوطني الموحد للشعب الفلسطيني. وها هم اليوم يستأنفون القيام بمثل تلك الممارسات، ولكن ضد فقراء وجوعى، كل ذنبهم أنهم يريدون التعبير والاحتجاج على أوضاعهم المعيشية والحياتية المزرية جراء قرارات تعسفية تمعن في رؤية ظالمة وظلامية لأمور الدنيا والناس والوطن.

ولئن اعتقد أصحاب إدارة الشأن العام الفلسطيني في غزة كما في الضفة، أنهم قادرون على قمع الحراكات الشعبية المطلبية وإسكاتها، في معزل عن إرادة التحرر الوطني من الاحتلال، فهم واهمون وواهمون جدا، فالمعارك الوطنية هي الأساس والمعارك المطلبية لا تقل أهمية عن نزوع التحرر الوطني، والتحرير من ربقة سلطات الاستبداد، لا فرق بين هذه وتلك من المعارك التي تفرض على أبناء الشعب الفلسطيني من أجل فك قيوده والتحرر من أسر الأوهام، توحيد كامل قواه وطاقاته التي تكبلها سلطات الأمر الواقع على امتداد مساحة الوطن.

الخطورة اليوم قد تتجلى في وضع أقسام من الشعب في مواجهة أقسام أخرى، لتبدو الأمور وكأنها «شارع في مواجهة شارع» وهذا ما لجأت وتلجأ إليه سلطات العتم الظلامية وحتى «المتنورة» قليلاً ولكن الأكثر استبداداً، حتى لا تفقد زمام السيطرة، ولكي يجد المعنيون طرفاً يوجهون له مسؤولية الفوضى والقمع والإرهاب، بعيداً عن أجهزتهم البوليسية التي تقود قسماً من الشعب ضد قسم آخر؛ وهكذا يختلط الحابل بالنابل، فلا تعود السلطة في مواجهة المسؤولية المباشرة عما يجري، لتنسل بذاتها كالشعرة من العجين.