إرهابيون نعم، مواطنون لا! محمد ياغي

الجمعة 15 مارس 2019 04:45 م / بتوقيت القدس +2GMT



هنالك نقاش منذ بعض الوقت في أميركا وأوروبا ما إذا كان على هذه الدول أن تسمح لمواطنيها الذين التحقوا بالتنظيمات الإرهابية في سورية بالعودة إلى بلدانهم.
الرئيس الأميركي ترامب بعد ادعائه بتحرير الشمال السوري للمرة العاشرة من تنظيم "داعش"، أعلن بأنه لن يسمح بعودة المواطنين الأميركيين من هذا التنظيم لبلاده، مطالبا في نفس الوقت، الدول الأخرى بأن تأخذ رعاياها والا سيضطر في نهاية المطاف للإفراج عنهم!
كذلك صرح وزير خارجية إدارة ترامب بأن بلاده لن تقبل بعودة  مواطنيها من "الدواعش".
بريطانيا أيضاً أعلنت بأنها لن تسمح لمواطنيها ممن التحقوا بـ "داعش" بالعودة اليها، وأضافت إنها ستسقط الجنسية عنهم. رفضها للسماح بعودة إحدى الفتيات اللواتي التحقن بـ"داعش" وهن في سن المراهقة أدى لوفاة طفلها في أحد المخيمات التي يجري فيها تجميع النساء اللواتي التحقن بالتنظيم مع أطفالهن.  
ليس من المعروف بعد مواقف بقية الدول الأوروبية.
وفق القانون الدولي، لا يجوز تحويل مواطنين الى حالة "بدون" بإسقاط الجنسية عنهم. 
خلال الحرب العالمية الثانية قام النازيون بإسقاط الجنسية عن مواطنيهم اليهود حتى يقوموا بتصفيتهم. ولمنع تكرار ذلك صدرت قرارات عن الامم المتحدة في الاعوام 1954 و 1961 تمنع تحويل المواطنين الى حالة "بلا جنسية" وتحمي حقوق الذين لا يحملون جنسية.
بعض الدول الغربية تدعي بأن العديد من هؤلاء لديه جنسيتان وأن اسقاط الجنسية الاوروبية عنهم، يبقي للمسقَط عنه الجنسية الأخرى، وبالتالي تكون الدولة الاخرى وهي عادة من دول العالم الثالث مجبرة على استعادة مواطنها. لكن ماذا لو قررت هذه الدولة ايضاً اسقاط الجنسية عنه؟
اليوم يوجد في العالم ما يقارب عشرة ملايين إنسان بلا جنسية، وهو رقم مخيف ويكشف انعدام المسؤولية الأخلاقية للكثير من الدول.
لكن بعيداً عن القانون الدولي هنالك مسألتان متلازمتان في هذه القضية:
الأولى تتعلق بمعنى المواطنة: هل المواطنة مقتصرة على أولئك الأشخاص الذين يدفعون ضرائبهم ويعيشون بسلام داخل دولهم أو خارجها؟ 
ماذا إذاً بخصوص عشرات الآلاف من المجرمين الموجودين في السجون حالياً؟ هل هؤلاء ليسوا مواطنين؟ هل يحق لحكوماتهم سحب الجنسية منهم؟
اذا كانت المواطنة مقتصرة على غير المجرمين فإن على الدول الغربية التي ترفض استعادة رعاياها من سورية أن تسقط الجنسية عن الآلاف من المحكومين في بلادها لارتكابهم جرائم بعضها لا يقل بشاعة عن جرائم "داعش". هؤلاء مجرمون تماماً مثل عناصر "داعش" خصوصاً اذا علمنا أن بعضهم ارتكب أعمال قتل جماعية مثل الأميركي الذي قتل العام 2017 أكثر من 58 شخصا في لاس فيغاس وجرح المئات منهم عندما اطلق النار عليهم من نافذة غرفة في فندق كان يسكن فيه. 
الفرق حسب ادعاء الدول الغربية أن عودة مواطنيها من "الدواعش" فيه خطر عليها لانهم قد يقومون بأعمال ارهابية وهذه مسألة محتملة جداً. لكن هذه مسألة لا تلغي أنهم مواطنون في تلك الدول وأنهم جاؤوا لسورية منها، وأن عليهم مواجهة القضاء في بلدانهم ليقرر بشأنهم ما يشاء وفق القانون المعمول به في كل بلد قدموا منها.
لكن لا يجوز سحب المواطنة منهم وتحميل دول أخرى مسؤوليتهم أو تركهم في سورية للقيام بالمزيد من أعمال الإرهاب. 
المسألة الأخرى تتعلق بازدواجية المعايير أو لنقل بالنفاق. لطالما تضمنت تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن العديد من الدول الغربية وفي مقدمتها تقارير وزارة الخارجية الأميركية انتقادات لاذعة للدول التي يوجد على أراضيها أشخاص بدون جنسية، مطالبة إياها بإعطائهم الجنسية حتى يحصلوا على حقوقهم السياسية والاجتماعية.  
الآن لا تتوانى هذه الدول عن التلويح بتحويل الآلاف الى حالة "البدون" رغم أن هؤلاء يملكون اصلا جنسية وليسوا في حالة "البدون" مثلما هو الحال في الدول التي يجري انتقادها. تلك الدول لم تعطهم الجنسية اصلاً حتى تسحبها منهم، وبالتالي فإن ذنبها أقل من ذنب تلك الدول التي تريد سحب الجنسية من مواطنيها.
نحن لا نتحدث هنا عن رقم قليل. وفق تقارير الامم المتحدة هنالك أكثر من 40 الف مقاتل اجنبي التحق بـ "داعش" من أكثر من 87 دولة، منهم اكثر من 7 آلاف مقاتل من الدول الغربية وأميركا الشمالية. المئات منهم قتلوا وربما المئات منهم تمكنوا من العودة لبلدانهم، ونعلم أن 800 منهم قد استسلموا وموجودون في معسكرات الاعتقال لدى القوات الكردية في الشمال. هذا عدا عن عائلات عناصر "داعش" التي يوجد منهم ما يقارب الألفين من النساء والأطفال في مخيمات الاحتجاز بانتظار صدور القرارات بشأنهم من قوات التحالف. بالطبع علينا أن لا ننسى أن روسيا وحلفاءها لديهم أيضاً معتقلون من "داعش" وعائلاتهم ولكننا نجهل عددهم. 
الدول الديمقراطية يجب أن يحكمها القانون، والقانون صريح. الجنسية— كما قالت محكمة العدل العليا الاميركية قبل أكثر من ستة عقود في قضية حاولت فيها الدولة تجريد أحد مواطنيها من الجنسية بسبب ارتكابه لجرائم شنيعة— ليست رخصة تنتهي صلاحيتها بمجرد ارتكاب حاملها سلوكاً مشيناً".
الجنسية هي حق غير قابل للنقاش أو الطعن، وحاملها يعاقب على سلوكه وفق القانون. بخلاف ذلك لا فرق بين الدول الديمقراطية والاستبدادية، لأن الأخيرة بالتعريف لا تكترث بالقانون الذي وضعته هي.