بوتفليقة ... وبورقيبة..عبير بشير

السبت 09 مارس 2019 02:36 م / بتوقيت القدس +2GMT



عشية الانتخابات الرئاسية الجزائرية، هل الجزائر تشبه بوتفليقة الجالس على كرسي متحرك، أو بالأحرى على سرير في مستشفى بجنيف في سويسرا، والماضي في مشروع ولاية خامسة قصيرة، رغم كل الاحتجاجات الشعبية على ذلك، أم أن بوتفليقة يشبه الجزائر الجالسة أيضا على كرسي متحرك؟
لم تستطع الجزائر تطوير نظامها السياسي، حتى بعد نجاح الجيش الجزائري في إنقاذ الجمهورية وبدء البحث عن خيارات غير عسكرية في أواخر العشرية السوداء، حين وقع الاختيار على بوتفليقة رئيسا للجمهورية، كونه يمتلك الشرعية التاريخية، والوطنية لذلك. بوتفليقة، ابن المنطقة الحدودية الجزائرية - المغربية، ووجه الدبلوماسية الجزائرية منذ تولى حقيبة وزارة الخارجية العام 1965، والدينامو الذي لا يهدأ، حيث كان وزير الخارجية الشاب، يجول المحافل الدولية، موزعاً ابتسامة النصر في حرب التحرير، مرسلاً على كتفيه تسريحة شعر تشي غيفارا، وهو الذي أعطى الجزائر الكثير من شبابه ومن ألقه.  
غير أن الجزائر لم تستطع الخروج من دهاليز الحزب الواحد على الرغم من أن الدستور الجديد يسمح بتعددية سياسية وحزبية، وعلى الرغم من نجاح بوتفليقة في تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية، على الحياة السياسية في الجزائر، خصوصا بعد التخلص من صانع الرؤساء الجنرال محمد مدين، الذي لم يكن الجزائريون يتجرؤون على لفظ اسمه.
حققت الجزائر نوعا من الاستقرار في عهد بوتفليقة، حين امتلكت سنة 2014 احتياطا نقديا يزيد قيمته على 200 مليار دولار، عندما ارتفعت أسعار النفط والغاز على نحو كبير. لكن ذلك بقي معزولا عن الانخراط في التخطيط لمستقبل الجزائر، ووضع خطط بعيدة المدى لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، فما نفع احتياطات مالية ضخمة مودعة في المصارف العالمية، ما لم يتم استخدامها في تنمية حقيقية شاملة، وورشة بناء على كافة الصعد، مستندة إلى رؤية سياسية واقتصادية واضحة، وإرادة قوية للتنفيذ، وإدارة فاعلة وناجعة لمشروع التحديث، ضمن حد معقول من الشفافية والمحاسبة - "روشته جاهزة، لكن (الرك) على التنفيذ في بلدان العالم الثالث".
تميّز عهد بوتفليقة الطويل بهدوء نسبي على الصعيد الداخلي، لكن المشكلة تكمن في أنه لم يؤسس لمستقبل سياسي للجزائر. في المقابل، أظهر الجزائريون وعيا كبيرا، وصبروا طويلا من أجل المحافظة على السلم الأهلي، بعد اكتشافهم أن رجلا مريضا اسمه عبدالعزيز بوتفليقة يحكمهم… عبر آخرين احتموا خلف صورته - بالوكالة -.
كان الخوف من العودة إلى سنوات الجمر، هي البوصلة التي حكمت الجزائريين، وكان بوتفليقة رغم مرضه، يمثل سنديانة الأمان بالنسبة للجزائريين. هذا ما سهل على الجزائر تجاوز مرحلة الربيع العربي. خصوصا بعد خيبات الديمقراطية في المجتمع العربي، حيث تحولت حرية الاختيار، إلى غزوات صناديق الاقتراع، على يد الإسلام السياسي، أو ما يسمى "ديكتاتورية الحشود".
غير أن إشعان ثارور، يصر منذ بداية «الربيع العربي» ويؤكد بلا كلل أن الانتفاضة الكبرى التي خضت المنطقة العربية في العام 2011 لم تكن سوى المحطة الأولى في سيرورة ثورية طويلة الأمد سوف تتواصل لسنين عديدة، بل لعقود، وتشهد مراحل متعاقبة من المدّ الثوري والجزر المضاد للثورة، شأنها في ذلك شأن كافة السيرورات الثورية الكبرى التي شهدها التاريخ. وما كان هذا التقدير محاولة في التنبّؤ، بل استنتاج علمي استند إلى تحليل للجذور العميقة للانفجار الإقليمي، وهي جذور راسخة في نظامٍ سياسي واجتماعي معيقٍ للتنمية - جلبير الأشقر-.
ويخشى الجزائريون الآن، العودة إلى مرحلة "الثنائية القاتلة"، بين الجيش والإسلاميين، التي تركت جراحا هائلة، في بلد ذاق مرارة العبث بالديمقراطية، وأهله ينفرون من تذكر دمويتها. حيث تقبع الجزائر على إشكاليات متداخلة، أهمها أكبر تاريخ نضال ضد الاستعمار لا يزال حاضرا ومستحضراً عند كل منعطف، وحرب أهلية دينية بسبب غزوات صناديق الاقتراع.
رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، حذر الجزائريين من العودة إلى سنوات الجمر، وتعهد بأن يبقى الجيش "ماسكاً بزمام ومقاليد إرساء الأمن والاستقرار"، قائلاً، إن أطرافا يزعجهم أن يروا الجزائر آمنة ومستقرة، بل يريدون أن يعودوا بها إلى سنوات الألم وسنوات الجمر، في إشارة إلى حراك شعبي ثائر يضغط من أجل تراجع بوتفليقة عن الترشح لولاية خامسة.
فيما يستمر الحراك الشعبي الرافض لترشح الرئيس بوتفليقة. فقد أعلنت "المنظمة الوطنية للمجاهدين"، وهي منظمة نافذة في البلاد وتضم كثيرا من الرفاق السابقين لرئيس الجمهورية، عن دعمها للاحتجاجات المتواصلة في العاصمة ومدن أخرى. وحثت المنظمة، في بيان، المواطنين على التظاهر، معتبرة أن واجب المجتمع الجزائري بكل قطاعاته النزول إلى الشارع.
من الصعب التمييز بين من يسيء أكثر إلى بوتفليقة: الحلقة الضيقة لبوتفليقة، والذين دفعوه دفعا للترشح لولاية خامسة، على الرغم من تساؤل الصحيفة الفرنسية "لوموند" في تقرير لها، (أين الرئيس)؟ في حين قالت، إن معلومات حصل عليها البرنامج التلفزيوني الفرنسي (كوتيديان) تفيد بأن بوتفليقة، يرقد الآن بغرفة في قسم خاص في الطابق الثامن بمستشفى جامعة جنيف في سويسرا. وكشف المصدر أن صحة بوتفليقة هشة، حيث يعاني من أمراض عصبية وتنفسية، مشيرا إلى أن حالته الصحية تتطلب رعاية مستمرة. ووفقا للمعلومات المتداولة، فإن حياة رئيس الدولة الجزائرية تبقى "تحت تهديد مستمر"، على اعتبار أن جهازه التنفسي "تدهور بشكل ملموس" ويتطلب رعاية متواصلة، أم المعارضون الجزائريون الذين يملؤون الشوارع، مطالبين بسحب ترشيح بوتفليقه لولاية خامسة، في بلد يعج ويفيض بالكفاءات الدبلوماسية والسياسية !. 
غير أنه من المؤكد أن الحلقة الضيقة للرئيس بوتفليقة، التي يجمعها ائتلاف مصالح، وتوصف بـ"الزمرة العائلية - السياسية - العسكرية – البزنسية"، ترى بوضع بوتفليقة وهو على أجهزة الإنعاش، أسلم لها ولمصالحها، من الإتيان برئيس جديد، يحاسبها على الحقبة السابقة.
في النهاية، فلنتذكر جيدا أن رجلا بقامة الحبيب بورقيبة الذي بنى تونس الحديثة، سقط في امتحان نقل السلطة إلى وريث له، وظل رئيسا رغم عجزه، وفقده لقدراته الذهنية والجسدية، مهينا بذلك تاريخه الحضاري والوطني المبهر، وكرامته الشخصية أبلغ إهانة، إلى أن قام زين العابدين بن علي بانقلاب القصر عليه.